الخميس، 17 مارس 2011

حزب السلطة وسلطة الحزب

شئ من حتي(الأرشيف)
٭ يطرح تطابق ردود الأفعال من قبل بعض قادة المؤسسات الرسمية المعنية بحفظ النظام وتطبيق القانون، تجاه أنشطة المعارضة بشكل خاص، مع مواقف حزب المؤتمر الوطني باعتباره حزباً حاكماً، يطرح ذلك عدة أسئلة تتعلق بالخطوط الفاصلة بين مؤسسات الدولة ومؤسسات الحزب في ما يتعلق بإدارة شؤون الدولة. بل وحتى الطريقة التي يصدر بها بعض المسؤولين في هذه المؤسسات قراراتهم، في جوانب منها تكون غير مناسبة والموقع الذي يصدر عنه القرار أو الموقف من الفعل، على شاكلة ما نُسب لأحد قادة الشرطة في وقت سابق من تحذير للمعارضة بقوله «ما دايرين نقول ليهم جربوا لكن نقول ليهم أحسن ما تجربوا». فهذه طريقة غير لائقة لأى شخص في هذا الموقع، لأن فيها استفزازاً أكثر مما فيها من مسعى للحفاظ على النظام والسعي للالتزام بالقانون. وكلما احتد السجال بين المؤتمر الوطني والمعارضة يأتي أداء مثل هذه القيادات ممالئاً للاول واستعدائياً للثانية، وهذا بحد ذاته يفعل فعل الزيت المصبوب على النار بين الحكومة والمعارضة من جهة، ومن جهة ثانية يعرِّض مؤسسات الدولة للتصنيف السياسي الذي هى بعيدة عنه ولا حاجة لها به بحكم طبيعة تكوينها ومهامها. وعواطف القادة السياسية يجب أن تُبعد تماماً عن توجهات المؤسسات الرسمية مهما كلف ذلك، في القضاء والشرطة والجامعات والجيش والإعلام وكل المؤسسات الرسمية التي هى ملك لجميع مكونات الشعب السياسية وغير السياسية، الحاكمة وغير الحاكمة، وحيدتها تضمن لها مؤسسيتها وتطور مهنيتها وتكسبها احترام كل الشعب.
٭ يعزز ما أشرنا إليه الأفعال وردودها في الأيام الفائتة، حول اعتزام أحزاب المعارضة تنظيم بعض الأنشطة (السلمية) التي هى من واجبها ومن حقها دستوراً وقانوناً، ولكن باستمرار يتحول هذا الحراك الى مواجهة تحت عنوان تطبيق القانون وحفظ النظام وما الى ذلك. وعلى سبيل المثال ورد في بيان تحالف قوى الإجماع الوطني أنه في إطار التزامه وحرصه على حفظ الأمن وسلامة المجتمعين، أخطر شرطة ولاية الخرطوم لاتخاذ كافة التحوطات والإجراءات اللازمة للمحافظة على الأمن واحترام الدستور. وأعلن التحالف أنه وجه الدعوة لسفيري مصر وتونس لحضور لقائه الجماهيري بميدان ابو جنزير الذي تقرر أن تخاطبه القيادات السياسية للمعارضة. والمناسبة المراد تنظيم اللقاء الحاشد بخصوصها هى وقفة تضامنية مع شعب مصر وتونس وليبيا. إذن فكل شيء واضح ومعلن، وهناك فارق كبير بين التجمهر السلمي للتعبير عن موقف، والعمل التخريبي الذي لا يتبناه أو يقره أحد. وحتى لو كانت هناك نية للاحتجاج على السلطية سلمياً، فهذا حق مكفول وفق الدستور ووفق الحريات، إذ من حق المعارضين للحكومة التعبير عن معارضتهم بالوسائل المشروعة، مثلما من حق المؤيدين أن يعبرّوا عن تأييدهم كذلك، دون أن يسمح طرف أو جهة لنفسه بالتعدي على حقوق الآخرين أو أخذ القانون بيده.
٭ ردة فعل المؤتمر الوطني من أنشطة المعارضة مفهومة، باعتبار خوفه الشديد على حكمه وعلى نفسه من موجة الانتفاضات الدائرة في المنطقة العرية، ولذلك لا نستغرب عندما يأتي الحديث مشحوناً بالاتهامات والتشكيك والتهديد وخلافه. فقد اعتبر نائب رئيس البرلمان هجو قسم السيد، أن المظاهرات التي تعتزم المعارضة تنظيمها مجرد ستار.. وقال ان الوقت غير مناسب للخروج للتظاهر، والوضع لا يحتمل الأجندة السياسية الضيقة ــ الصحافة ــ 8/3/1102م.
كذلك نُسب للمؤتمر الوطني وصف تحرك المعارضة بالفاشل، وأنه سيكون محل سخرية من الشعب السوداني ــ وأنه (سيتصدى بنفسه) للتظاهرات التخريبية ــ قبل السلطات الأمنية. وحذَّر المسؤول السياسي للمؤتمر الوطني بولاية الخرطوم (نزار خالد محجوب) من أن أية خطوة يجب أن تكون وفق القانون (ولن نسمح لأحد بتجاوزه؟!)- الصحافة- 61/3/1102م. أما محمد مندور المهدي القيادي بالمؤتمر الوطني، فقد أعلن رفض (الحكومة) لأية تظاهرات إلاّ وفق الاطر القانونية. واوضح أن المؤتمر الوطني (لن يسمح بخروج المعارضة للشارع ما لم تأخذ الإذن؟!!). اخبار اليوم ــ 7/3/1102م ــ العدد 3095.
٭ وأياً كان الأمر فليس من حق قيادات المؤتمر الوطني أو أنصاره الحديث نيابةً عن الجهات الرسمية المعنية بالقانون وتطبيقه، كما ليس مع حقهم تقرير ما اذا كان الظرف مناسباً أو غير مناسب، لأن ذلك يخضع لتقدير الجهة التي تريد أن تنظم هذا النشاط أو ذاك، بالتنسيق مع السلطات الرسمية في الدولة ومؤسساتها. ومن ناحية أخرى فإن هذا النوع من التصريحات والأحاديث تُفهم منه بكل تأكيد توجيهات ضمنية للجهات الرسمية في الموقع المعني بالحالة. لذلك نجد المبرر للمعارضة إذا هى فسرت حديث الناطق الرسمي باسم الشرطة للصحافيين الفريق احمد إمام التهامي بقوله إنهم يتحفظون على المسيرات في ظرف يعلمه الجميع، وأن الشرطة تتعامل وفق القانون والدستور. وكذلك حديث مدير دائرة الإعلام بأنهم لا يخافون من الرأى الآخر، ولكنهم ضد الآراء المتعلقة بأجندة ــ أخبار اليوم ــ 7/3/1102م، نقول من حق المعارضة أن تفسّر هذا الحديث على أنه تأثُّر بخطاب المؤتمر الوطني ومجاراةً له. فهناك أكثر من طريقة للتعامل مع الأنشطة السياسية لآخرين من خارج حزب الحكومة، حتى لا يتحول الأمر الى توترات واتهامات وردود أفعال تنحرف بالممارسة السياسية عن مسارها السليم بكفالة حرية النشاط للجميع. فالتحاجج بضرورة أخذ الإذن لا يكفي مبرراً لاستخدام القوة والعنف في التعامل مع أشكال التعبير السلمي، طالما أنها ملتزمة بسلميتها، ولا يبرر الاعتقالات والمضايقات لخصوم المؤتمر الوطني من أية جهة. واذا ما توفر حسن النية فإن الإخطار المقدم من المعارضة للشرطة هو بهدف أن تساهم في ضبط النشاط المزمع إقامته، وليس أى شيء آخر. والإصرار على جزئية محددة في القانون متعلقة بأخذ الإذن لا تكفي مبرراً للمنع أو القمع، فهناك تجارب كثيرة ومريرة للأحزاب المعارضة في مسألة اللهث وراء الإذن أو التصديق للأنشطة السياسية تجعلها تتجاوزها، مثل الذي لا يريد أن يُلدغ من جحر واحد ألف مرة. ومجرد التحاجج بعدم استلام إخطار أو رفض استلامه يعني أن الجهة المعنية لديها علم بالنشاط العني، وبالتالي يمكنها أن ترتب مع الجهة المنظمة كيفية أن يخرج النشاط بالصورة المنسجمة مع حقوق الجميع.
٭ لقد تم قمع التجمهر النسائى بميدان الأهلية بمناسبة يوم المرأة العالمي، واُعتقلت العشرات من النساء بصدد التقديم للمحاكمة لذات الأسباب. وتم اعتقال بعض النشطاء في قوى الإجماع قبل لقاء يوم الأربعاء مثل الأستاذ محمد ضياء الدين الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، وهكذا بتقديرنا أن هذه الطريقة سوف لن تمنع الاحتجاجات ولن توقفها، لأنها تجعلها نوعاً من التحدي الشعبي والعناد السلطوي. لذلك المطلوب هو حيادية الأجهزة الرسمية المعنية بتنظيم النشاط السياسي، وعدم مجاراة موقف طرف ضد آخر. فهذه المؤسسات عريقة في عمرها وتجربتها، وتحظى باحترام الجميع، وهى ملك لكل الشعب لأنها منه، وبالتالي فهي لا بد أن تكون خالية من العواطف السياسية معية وضدية، وأن تعبر دوماً عن استعدادها للتعاون مع الجميع، لا أن تقحم نفسها في صراع ليست جزءاً منه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق