القانون والتنمية وائل عمر عابدين المحامي
| في حوار لي مع مواطن ياباني قبل عدة سنوات عندما كانت الانتخابات في اليابان على الأبواب، سألت ذلك المواطن هل ستصوّت في الانتخابات القادمة؟ فجاءت إجابته سريعة وقاطعة، «بالطبع!! فأنا أدفع الضرائب» تفاجأت للبرهة الأولى بهذا الربط الوثيق ما بين دفع الضرائب والمشاركة السياسية. واسترسلنا في الحوار وسألته عن هذا الربط بين الضرائب والانتخابات، فأخذ يشرح «طالما أنني أدفع ضريبة نظير خدمات يفترض أن تقدّم إلي، وطالما أنني أدفع مرتبات الموظفين العموميين وشاغلي المناصب الدستورية والحكّام.. فيجب أن تكون لي الكلمة الفصل في اختيار من يخدمونني من حكّام، وفي محاسبتهم وفي إعفائهم من مسؤوليتهم، بل أبعد من ذلك في معاقبتهم إن تجاوزوا شروط الخدمة التي أضعها أنا بوصفي مواطناً وواحداً من أفراد الشعب، في شكل قانون لينفذّها ويلتزم بها من نعطيه نحن الشعب شرف أن يكون خادما لنا لفترة زمنية محددة». حاولت أن أسقط هذا المفهوم على واقعنا السوداني، وتساءلت هل يا ترى نحن باعتبارنا سودانيين وسودانيات لا نستمتع بحكم ديموقراطي تحاسب فيه الحكومة وتعترف فيه بسيادة الشعب عليها، وتعاقب إذا ما أخطأت أو تجاوزت التفويض، وتتزلّف للشعب ابتغاء مرضاته، وتُغيّر وتُبدل بجرّة قلم من ناخب، هل مرد ذلك لأنناّ بوصفنا شعباً غير ميّالين للتصالح مع فكرة أن ندفع ضرائب للحكومة او للدولة بالأصح؟ أم أن السؤال يجب أن يطرح بشكل معكوس، وهو هل نحن لا ندفع الضرائب ولا ننظر لدفع الضرائب باعتبارها واجباً على كل مواطنة ومواطن، ولا نعتبر دفع الضرائب مصدر فخر اجتماعي بالنسبة لمن يقوم به، بل يعتبر التهرّب من الضرائب ضربا من «الفلاحة واللحلحة»، وهل ذلك لأننا لا نشارك في اختيار حكوماتنا وليست لنا القدرة على محاسبتها وإزاحتها سلميا ومعاقبة ومقاضاة من يتجاوزون القانون من الحكام؟ أم هل عدم قناعة المواطنين بدفع الضرائب راجعة إلى عدم ثقتهم في أن الحكومة تدير هذه الأموال بكفاءة وشفافية، فمعظم من يتذمّرون من الضرائب والجبايات يتعللون بأنه ليست هنالك مساواة بين المموّلين «دافعي الضرائب»، فبينما تطاردهم سلطات الضرائب والجبايات تتمتع الشركات المقرّبة من النظام أو أفراد في النظام بإعفاءات ضريبية تجعل المنافسة معهم في السوق أمراً مستحيلاً على حد تعبيرهم، والأمر الثاني الذي يطرحه كثير من المواطنين، هو أن مستوى الخدمة المقدّمة أقل بكثير من نسبة الضريبة المتحصّلة، ويعضدون ادعاءهم بالصرف البذخي من قبل المسؤولين ومؤسسات الحكومة، فضلاً على ذلك يحتج كثير من المواطنين والمواطنات على تعدد الجهات التي تحصّل رسوما وضرائب وجبايات وعوائد ودمغات.. إلخ، وهم لا يعلمون السند القانوني لهذه الجبايات والاستقطاعات. ويعيب بعض المواطنين على الحكومة وأجهزتها ملكيتها لشركات تنخرط مباشرة في العمل التجاري المفتوح، وتسكنهم قناعة تحتاج إلى توضيح بأن هذه الشركات معفاة من الضرائب والجمارك. ومن غير المفهوم لديهم أن تكون هنالك شركات مملوكة للقوات النظامية مثلا، تمارس التجارة العمومية والاستيراد والتصدير والزراعة والصناعة، وهي أمور لا تدخل في صميم مهامهم التي يحددها القانون والدستور ومفهوم السوق الحر الذي تتبناه الحكومة. والأدهى والأمر أن تستخدم أموال دافعي الضرائب لتمويل هذه الجهات في مهامها الأصلية وأنشطتها التجارية معاً، ومن ثم تتم عملية تخريب وإخلال لقواعد المنافسة الحرة التي هي أساس لفلسفة السوق الحر. وبالرغم من تذمّر قطاعات واسعة من المواطنين من دفع الضرائب، فإن مستوى تحصيل السودان الكلي من الضرائب يعتبر ضعيفا، فبالإضافة لما ذكرناه أعلاه فإن ضيق مظلة التغطية الضريبية يدفع الحكومة باستمرار إلى رفع نسبة الضريبة لتغطي الربط المطلوب، ومن ثم يخرج مزيد من المموّلين خارج مظلة التغطية الضريبية، فارّين إلى ممارسة النشاط الاقتصادي في القطاع غير المنظّم، لتعود الدولة لزيادة نسبة الضريبة وهكذا. إن التوافق حول الفلسفة الضريبية في الدولة أمر مهم، وهو أمر لا بد أن يتصدّر برامج الأحزاب السياسية، لأنه مؤثر في مجمل العملية الاقتصادية والتنموية في البلاد، وبالضرورة على السلام الاجتماعي.. فنحن نحتاج إلى نظام ضريبي شفاف وعادل لكي ما تؤمن له القناعة الذاتية من المموّلين «المواطنين» كأن يجب أن تخضع الحكومة لآليات محاسبية دقيقة في صرفها «نحن هنا لا نتحدّث عن الفساد فهذا أمر آخر»، ولكننا نتحدث عن الصرف بموجب القوانين التي لا يشترك الشعب في اقرارها، واقترح أن يكون النظام الضريبي في السودان هو نظام ضريبي تصاعدي، بحيث يدفع الأغنياء نسبة أكبر في الضريبة، وذلك لأن القاعدة الاقتصادية تشير الى أنه كلما زاد استخدام رأس المال في المشروع كان ذلك مصحوبا باستخدام التكنولوجيا المتقدمة وقلة العمالة البشرية، ومن المعروف أيضا أن النشاط الاقتصادي المتوسط والصغير يتميّز بقدرته على استيعاب أعداد أكبر من الأيدي العاملة، وأن هذا القطاع هو الأكثر تأثيرا على الناتج المحلّي الاجمالي وعلى النمو الاقتصادي، فالضرائب التصاعدية هي آلية فعّالة لإعادة توزيع عائدات الانتاج على المواطنين مما يزيد من قدرتهم الشرائية، وبالضرورة تحريك العملية الإنتاجية.. إذن فالإصلاح الضريبي يحتاج إلى إصلاح سياسي والعكس صحيح. وبمقارنة وضع السودان من حيث دفع الضرائب على المستوى العالمي، فقد جاء السودان في المرتبة رقم «94» من بين «183» دولة، بحسب مشروع أنشطة الأعمال (Doing Business Project) الذي يتبناه البنك الدولي.. فنحن محتاجون إلى فتح حوار مجتمعي جاد حول مسألة الضرائب كي ما يتسنى لنا الوصول إلى توافقات وطنية تساهم في تقدم السودان اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً |
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق