الثلاثاء، 29 مارس 2011

تصفية 22 شركة حكومية .. أول غيث الإصلاح قطرة

سياسة
تقرير: محمد صديق أحمد: رغم تأخر موعد صدور تصفية 22 شركة حكومية من قبل رئاسة الجمهورية بحسب آراء بعض الخبراء إلا أنه ربما جعل القطاع الخاص والوالجين فيه يتنفسون الصعداء وينتابهم إحساس بالعمل في حقل تجاري تتوفر فيه أسباب التنافس الشريف بعيدا عن الممارسات الممنوعة واللعب الخشن الذي نشأت في كنفه الشركات الحكومية وجبلت عليه بطبيعة تكوينها الذي يتنافى ومباديء سياسة التحرير الاقتصادي التي تبنتها الدولة منذ أوائل تسعينيات القرن المنصرم بل إن الاستراتيجة القومية ربع القرنية التي تسير وفق هداها مسرة الاقتصاد الوطني أفردت بنودها ونصوصها الصريحة أيلولة وسيطرة القطاع الخاص على 75% أو يزيد من منظومة النشاط التجاري بالبلاد بيد أن وجود ما يسمى بالشركات الحكومية الصريحة أو تلك التي تتدثر تحت ثوب أوغلاف تمويهي يقيها شر الوقوع في طائلة الوصم بالحكومية استأثرت بنصيب الأسد في مجالها فغدت طبيعة تكوينها مسخا وشرخا في جدران سياسة التحرير الاقتصادي بإتكائها على جدران الصبغة الحكومية التي تقدمت أو تحوز بفضلها على امتيازات لا تتحصل عليها شركات القطاعات الخاصة، التي أصبحت كمن يحرث في البحر في ظل عملها في حقل تنافس غير متكافئ الأطراف فهل ستكون تصفية 22 شركة حكومية أول غيث الإصلاح المؤسسي والهيكلي لتعديل الصورة المقلوبة أم أنه سيلحق برصفائه من القرارات السابقة التي لم تجد حظها من التنفيذ بعد إلى يوم الناس هذا ؟
إن مجرد وجود شركات حكومية تمارس أنشطة اقتصادية يعتبر من حيث المبدأ فسادا برأي محافظ بنك السودان المركزي الأسبق الشيخ سيد أحمد عندما سألته في حوار نشرته هذه الصحيفة مطلع هذا العام عن وجود الشركات الحكومية فكان رده أنها ليس مدخلا للفساد فحسب بل وجودها في الأصل ضرب من الفساد ومجرد قرار إنشائها هو الفساد بعينه حتى لو لم تفسد وتساوت مع الآخرين بعد حصولها على امتيازات لأن وجودها ضد سياسة التحرير المعلن عنها التي أولى أبجدياتها نقل الحركة الاقتصادية إلى القطاع الخاص وقد خصصت الحكومة وباعت كثيراً من المؤسسات التابعة لها مثل سوداتل والخطوط الجوية السودانية والنقل النهري والبحرية ومن بعد ذلك تنشيء شركة تعمل طعمية أو سكر أو تبني شارع زلط فهذا يوضح أن الحكومة لا تعرف ما تتحدث عنه أو تعرفه ولكن في غياب الرؤية الشاملة وفي غياب الشفافية والعدالة تريد أن تعمل تحت الشعار والسياسة التي طرحتها ما شاءت .أما الجانب الآخر الخاص بالاحتكار فسهل جدا لأنه يمكن أن يأتي متنفذ وزير أو غيره وتحت حجة عدم ذهاب الربح المعين من أي مشروع يقول إنه يريد أن يعود إلى القطاع العام ولنفترض ذلك فهو إما أن يعطي الجهة الحكومية امتيازاً والامتياز الأكبر ليس بإعفائها من الضرائب لكن بأن يشوب ممارسة فرض الضريبة عليه يكون فيه الفساد مما يوقد لخلل البيئة التنافسية أو حتى على مستوى إعلام الجهة الحكومية بتوقيت عطاء معين يحتاج لوقت لترتيب الأوشاع والتجهيزات للدخول فيه فترتب نفسها قبل الآخرين فتظفر بالعطاء بكسبها لعامل الوقت والتجهيز المسبق قبل الآخرين وفي ذلك ضرب من الفساد البين مما يقلل المنافسة بناء العدالة والكفاءة والشفافية حيث أن كثيراً من العطاءات والمزادات مفصلة على جهات معينة وتشريح كل حدث إذا أمسكت به تجد فيه كثيراً من الخروقات والممارسات الخاطئة الفاسدة ولعلم الجميع أنه لم يعد هناك احتكار 100% على مستوى العالم لكن يمكن ببعض الممارسات الخفية أن تتيحه لبعض الجهات بنسب متفاوتة قد تصل إلى 70% من خلال تقوية مواقفها وتقويتها على إقصاء المنافسين لها من خلال الاحتكار أو عدم الشفافية وللأسف ليس لدينا قانون لمحاربة الاحتكار وحتى لو وجد ليس هناك من يطبقه إذ أنه لم نسمع أن قيل للرأي العام أن هؤلاء محتكرون تم ضبطهم ومحاسبتهم أو معاقبتهم لو لمرة واحدة وهناك أشياء أخطر من الاحتكار ولعل سيد أحمد قد داخله شيء من الارتياح بعد قرار رئيس الجمهورية بتصفية 22 شركة حكومية والذي اعتبره بعض المختصين قليلا مقارنة مع الكم الهائل الذي تعج به أروقة الأنشطة الاقتصادية المرئية وغير المرئية من الشركات الحكومية التي لايعلم عددها إلا الله بحسب مقولة مشهورة سارت بذكرها الركبان على لسان أحد متنفذي الحكومة التشريعيين .
وقال أحد أعضاء اتحاد أصحاب العمل فضل حجب اسمه إن قرار تصفية الشركات الحكومية قد انتظر القطاع الخاص صدوره منذ أمد بعيد وقد بح صوت القائمين على أمره جراء كثرة المطالبة بذلك غير أنه لسبب أو آخر لم تجد المطالبة الاستجابة المرجوة من السلطات إلا أنه لإن تأتي متأخرا خير من أن ألا تأتي وأعرب العضو عن أمله في أن يجد القرار حظه من التنفيذ وألا يكون مصيره التجاهل والتغاضي والنسيان وعلى الحكومة تكوين آلية خاصة لمتابعة تنفيذ القرار وأن تمتد يدها لتطال كل الشركات الحكومية دون استثناء حتى يتسنى للقطاع الخاص الانطلاق وممارسة نشاطه الاقتصادي في جو مفعم بالعدالة والتنافش الشريف بعيدا عن سياسات الامتياز والتمييز، وأن يقتصر دور الحكومة في التنظيم والإشراف على النشاط الاقتصادي وليس الضلوع فيه .وثمن عضو الاتحاد في ختام مداخلته القرار وأثنى عليه وأوضح أن صداه وسط القطاع الخاص الرضا والاستحسان .
ويصف الدكتور محمد الناير القرار بالمتأخر ولفت إلى أن قرارات سابقة من شاكلته صدرت ولم تجد الطريق ممهدا للتنفيذ والإنزال إلى أرض الواقع رغم أنها ممهورة بتوقيع مجلس الوزراء ووجدت المصادقة من المجلس الوطني غير أنه يقول يبدو إن الأمر في هذه المرة مختلف جدا لجهة الجدية الملموسة من قبل الدولة في تصفية شركاتها بغض النظر عن تبعيتها ليبقى المحك في مدى القدرة على توفير آلية على مستوىً عالٍ من القوة وامتلاك الصلاحية، بما يمكنها من تنفيذ مهمتها مع ضرورة بيع أصول الشركات بصورة عادلة لا سيما أنها تمتلك أصولاً قيمة بحيث يتم البيع عبر طريقة المزاد العلني أو أية آلية أخرى مناسبة تحفظ للدولة حقها وتتمكن من تحصيل قيمة سوقية جيدة تعين الشركات على الإيفاء بديونها. وعن دواعي القرار يقول الناير يبدو أن الشركات الحكومية أصبحت تشكل عبئا على موازنة الدولة لجهة عدم عملها بالصورة المطلوبة وعدم قدرتها على تحقيق أرباح فتجد وزارة المالية مضطرة للسداد عوضا عنها لتصبح (وجعة) عوضا عن تقديم (الفزع) للحكومة فهرعت لتصيفتها بغية خلق مزيد من الوفورات جراء استنزاف الشركات الحكومية لموارد الموازنة العامة هذا بجانب أوبة الحكومة إلى جادة متطلبات سياسة التحرير الاقتصادي التي تنتهجها والتي تقتضي خروج الحكومة وكل أذرعها من ممارسة أو إدارة أي نشاط تجاري إزالة للمفارقات وعدم التكافوء بين شركات القطاع الخاص والشركات الحكومية بسحب بساط الامتياز من تحت أرجل الحكومة وتوقع الناير أن تستمر الدولة في إصدار المزيد من القرارات لتصفية شركات أخرى إمعانا في جدية الدولة في تمكين القطاع الخاص من إدارة 75% من حجم النشاط الاقتصادي إنفاذا لبنود الاستراتيجية ربع القرنية. ولفت الناير إلى أن الحكومة ربما تبقي على بعض الشركات الناجحة وتحويلها شركات مساهمة عامة بجانب الشركات ذات الطبيعة الاستراتيجية التي لا تقوم أساسا على تحقيق الربح بقدر مقدرتها على سد الثغرة الاستراتيجية الموكل لها نشاطها مثل (الناقل الجوي وشركات التصنيع الحربي ) وما عدا ذلك يقول الناير لا يمكن تحويلها إلى شركات مساهمة عامة قبل إعادة هيكلتها والتأكد من أدائها بكفاءة حتى يقبل عليها المساهمون وهو ما تفتقر إليه الشركات التي سلط عليها سيف التصفية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق