الشفافية قبل مفوضية الفساد |
الأعمدة اليومية - قبل هذا .. وذاك-هاشم الجاز |
الاثنين, 07 مارس 2011 09:29 |
لماذا تحتاج دولة اية دولة الى انشاء مفوضية للفساد؟ هل هو بسبب تزايد الحديث والاتهامات التى تتناثر حول رموز الدولة والحكومة أنفسهم ومن ارتبط بهؤلاء من الاثرياء والاغنياء؟ الذين جمعوا اموالا غير معلومة او واضحة المصادر، أم بسبب شبهات حول علاقتهم بجهات نافذة فى الحكم؟ او لان الانتقال الى حالة الثراء وسعة الحال التى يصبح عليها بعض النافذين فى السلطة تكون مفاجئة وسريعة ولا تتفق مع النمو الطبيعى لجمع الثروة؟ ويريد هؤلاء تبرئة انفسهم من الاتهامات المتراشقة حولهم. احد اكبر اثرياء السودان يقال انه حضر الى الخرطوم قبل الاستقلال وفى جيبه خمسة وعشرون قرشا وكان يبيع السجائر فى شوارع الخرطوم بالواحدة، وتعب وشقى وكدح عبر السنين الطويلة حتى جمع ثروته. عندما كانت السلطة فى السودان بعيدة عن دائرة الاتهامات بالفساد ، كنا نعلم أن العمل العام ليس هو الطريق الى الثراء وجمع الثروة والتطاول فى البنيان واقتناء السيارات الفاخرة لذلك عاش ومات يحى الفضلى( الدينمو) وهو يسكن فى بيت الاوقاف ، وغادر الفريق ابراهيم عبود الدنيا من منزله فى العمارات بالدرجة الثانية وكان هو الرجل الاول فى الدولة السودانية، وبارك الله له فى ابنائه الذين نفعوا بماله الحلال الناس بعلمهم داخل وخارج السودان، ومات السنجك حسن جبارة العوض اشهر ضابط لمجلس بلدى الخرطوم الذى كانت تخضع له كل اركان الخرطوم دون أن يمتلك ارضا فى العمارات او المنشية او حتى بيتا فى الدرجة الثالثة، وكان المرحوم الفريق ابراهيم حسن خليل نائب مدير البوليس واول وكيل لوزارة الاعلام يحرم على اسرته استخدام سيارته الحكومية حتى فى الحالات الطارئة التى تحدث فى منزله وتتطلب نقل افراد الاسرة الى المستشفى ، وخطف الموت د. فيصل محمود خضر الوكيل الاول السابق لوزارة الاعلام واستاذ الاعلام فى حادث سير امام جامعة السودان وكان قد اعتذر عن قبول تمليكه السيارة الحكومية بموجب قرار حكومى صدر بتميلك السيارات لوكلاء الوزارات لانه كان يخاف من شبهة دخول المال العام عليه وعجزت الدولة عن الوفاء بمصاريف علاجه بالخارج ، لقد ظل الزواج الاثم بين السلطة والمال العام والاعمال دائما طريقا الى مفسدة السلطة ووقوعها فى مستنقع الفساد واحمد عز مثالا فى مصر. الفساد ظهر فى السودان مع بداية العمل السياسى فقد افسد الاستعمار العمل الحزبى منذ بداية الحركة الوطنية وفساد الاحزاب السودانية بواسطة الاستعمار موثق ومعلوم ولا يحتاج الى لافتة ، ولان العمل السياسى فى السودان كانت بدايته فاسدة تزكم الانوف ، فقد استمرأ بعض الحزبيين الفساد ، وتحالفوا مع بعض رجال الاعمال من اجل المصلحة المشتركة بطريقة ( شيلنى واشيلك)، فكانت الصفقات التجارية المشبوهة فى مجال الصادر والوارد التى تمنح لمؤيدى الحزب السياسى من رجال الاعمال او الشركات التى تساهم فى تمويل النشاط الحزبى و تقديم الهبات والعطايا والهدايا المالية والعينية للنافذين السياسيين وكل ذلك يتم بالقانون ، ولم تتمكن سلطة سياسية من اثبات تهمة الفساد بطريقة دامغة على السياسيين او المقربين منهم طوال تاريخ السودان الحديث وفلتوا جميعا من العقاب بالرغم من اذلالهم وتعريضهم للاهانة وجرجرتهم امام المحاكم ، بل ان بعض المحامين الشطار الذين دافعوا عن المفسدين اصبح بعضهم من رجال السلطة والدولة واستوزروا وشغلوا المناصب الرفيعة فى الدولة . ان الطريق الوحيد لمحاربة الفساد هو الشفافية فبل انشاء المفوضيات التى تحتاج الى الدليل وهو امر فشلت فيه كل المحاولات السابقة منذ ثورة اكتوبر لاثبات الفساد، لان الكثير من الفساد يتم تحت حماية السلطة والحكومات والاحزاب ، الشفافية فى ادارة شئون الدولة هى التى تبعد شبهة الفساد ويجرى ذلك على العديد من القضايا التى يتحدث عنها الناس بدءا من التعينات فى وظائف الحكومة ، والترقيات التى تتم دون مسوقات من الكفاءة او الخبرة او المؤهلات العلمية ، والخلط بين الوظيفة العامة والاعمال التجارية والصفقات والعطاءات . من المعلوم أن العديد من الحكومات فى العالم لديها حق الاختيار السياسى لبعض الوظائف العليا ، ولكن ينبغى أن لا يكون ذلك على نطاق واسع وشامل للدرجة التى تجعل الاخرين من طالبى الوظائف العادية يشعرون أن حقوقهم قد هضمت، كما أن ظهور الثراء الفاحش على بعض المنتمين الى الشريحة الحاكمة يجلب شبهة الفساد، هذا بالاضافة الى انتشار ظاهرة الشركات التى ترتبط باجهزة الدولة بعيدا عن الرقابة المالية. فى السودان اصبحت الشركات الحكومية الخاصة تنافس قطاع الاعمال الخاص فى العديد من انشطته الاقتصادية حتى الهامشية، الامر الذى ضيق على المواطنين الذين سلكوا طريق العمل الخاص، كل ذلك مع غياب الية المحاسبة عندما تحدث الاخطاء يساهم فى تشويه سمعة السلطة، الشفافية وحدها تبقى هى الطريق الى محاربة الفساد. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق