الاحتشاد الذي دعت له المعارضة يوم الأربعاء التاسع من مارس 2011م لمناصرة الشعوب المصري والتونسي والليبي، والذي لم ير النور استناداً لتحرك الاجهزة الامنية واجهاضه في مهده قبل أن يرى النور، قد رمى بحجر كبير في بركة المشهد السياسي التي لا نستطيع وصفها بأنها راكدة، وانما الوصف الصحيح لها انها تمور تحت السطح، وتشهد حالة حد الغليان الذي لم تتوافر له الشروط الموضوعية واللحظة المناسبة لانفجارها، فقد تناول المراقبون موقفي الحكومة والمعارضة ببعض من القدح وكثير من النقد، فالحكومة بمنعها لهذا الاحتشاد واجهاضه عبر الحيلولة بين المناصرين والدخول لميدان أبو جنزير، واعتقالها لبعض العناصر التي تنوي المشاركة تكون قد خالفت نص المواد «39» «40» من الدستور الانتقالي لعام 2005م واللتين تقرآن على النحو التالي:
٭ المادة «39»:
«1» لكل مواطن حق لا يقيد في حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول الى الصحافة دون مساس بالنظام والسلامة والأخلاق العامة، وذلك وفقا لما يحدده القانون.
«2» تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الاعلام الأخرى وفقاً لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي.
«3» تلتزم كافة وسائل الإعلام بأخلاق المهنة وبعدم اثارة الكراهية الدينية أو العرقية او العنصرية او الثقافية أو الدعوة للعنف أو الحرب.
٭ المادة «40»:
«1» يكفل الحق في التجمع السلمي، ولكل فرد الحق في حرية التنظيم مع آخرين، بما في ذلك الحق في تكوين الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية أو الانضمام اليها حماية لمصالحه.
«2» ينظم القانون تكوين وتسجيل الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية، وفقا لما يتطلبه المجتمع الديمقراطي.
«3» لا يحق لأي تنظيم أن يعمل باعتباره حزباً سياسياً على المستوى القومي أو مستوى جنوب السودان او المستوى الولائي ما لم تكن لديه:
«أ» عضوية مفتوحة لأي سوداني بغض النظر عن الدين او الاصل العرقي أو مكان الميلاد.
«ب» برنامج لا يتعارض مع نصوص هذا الدستور.
«ج» قيادة ومؤسسات منتخبة ديمقراطيا.
«د» مصادر تمويل شفافة ومعلنة.
فالحقوق التي اشتملت عليها المادتان حقوق جامعة مانعة لا يجوز المساس بها، فالحكومة كانت أمامها فرصة لتثبت للعالم أنها تحترم حقوق الإنسان وان الحق في التعبير والتجمع السلمي لا حجر عليهما متى ما كان وفقا للقانون وعبر الطرق السلمية. فهذا التجمع ليس مقصودة به الحكومة وليس ضدها وليس من اهدافه المعلنة اسقاط الحكومة، وإنما لمناصرة شعوب تربطنا بها صلة القربى والجيرة والإخوة في العروبة والاسلام، ويمثل هذا التجمع اختباراً لسعة صدر الحكومة وتحملها للآخر، ويستند لنصوص دستورية تحكم علاقات الحكم في السودان، فعدم حصول المعارضة على تصديق باقامة هذا الحشد لا يسقط الصفة القانونية له، خاصة ان هذا الدستور ومنذ اجازته قبل خمس سنوات لم يتم تفعيل نصوصه بالسماح للمعارضة بالتعبير عن مواقفها وآرائها حيال قضايا معينة، ولم يسمح لها بالتجمع السلمي، واضحت النصوص نصوصاً ديكورية باردة لا معنى لتضمينها في الدستور، والضجة المتعلقة بشأن تعديل الدستور التي يتم تداولها بعد انفصال الجنوب لا معنى ولا قيمة لها إن كانت النصوص الدستورية لا تغادر دفة المخطوطة التي احتوتها. وسيان أن يعدل الدستور أو يبقى عليه او حتى يتم تجميده او الغاؤه ان كان عبارة عن حبر على ورق لا يسهم في اثراء الحياة السياسية، فالحكومة سبق أن اعلنت أن منسوبيها يتجاوزون الـ 90% من تعداد الشعب السوداني، وان كان الامر كذلك فلماذا تخشى من الـ 10% الباقية، والتي أرادت ان تحشر نفسها في ميدان ضيق تسهل محاصرته واحتواؤه، وسلوكها هذا وحشدها هذا العتاد الشرطي الكثيف ما يرى بالعين المجردة وما لا يرى، يعني أن تعداد المعارضة يجاوز النسب المعلنة من الحكومة بكثير، وإلا لما كان هذا الحشد الأمني الضخم واتخاذ التدابير الاحترازية المتعددة للحيلولة دون ظهور هذا الاحتشاد للسطح، والاحتياطات التي تم اتخاذها تظهر الحكومة بمظهر من يخشى تحرك الشارع واشتعال عود الثقاب، وإلا لما وقفت ضد مناصرة شعوب سعت للحرية ونالتها ودفعت ثمنها طوعاً واختياراً، ويتناقض ذلك مع موقف الحكومة المعلن تجاه هذه الثورات، خاصة الثورة المصرية التي وجدت المناصرة من السيد رئيس الجمهورية الذي زار مصر مباركا ومهنئاً لهذه الثورة الرائدة. وهذا الموقف كان يمكن ان يكون أكثر ايحائية إن تم السماح لحشد الاربعاء بأن يرى النور ليصبح الموقف تجاه الثورة المصرية مباركاً رسمياً وشعبياً، ولأعطى للموقف الرسمي ثقله باستصحاب البعد الشعبي، والحكومة متاح لها أن توضح للعالم بأنها ليس لديها ما تخشاه، وان هذا الحشد لن يؤثر على شرعيتها ولن يستطيع تحريك الكرسي تحتها، وانها سبق أن اعلنت أنها تكسب شرعيتها من انتخابات فازت بها بما يشبه الاجماع، فالحكومة التي تتمتع بهذا الإجماع وبهذه الوضعية المريحة، وتستند على شرعية «حسب اعتقادها» وتكاد تؤكد التفاف جميع قطاعات الشعب حولها، فمثل هذا التجمع كان سانحة لإظهار ثقتها في نفسها، ولها أن تتباهى بأن عدد المحتشدين لم يتجاوز العشرات بالرغم من عدم تعرضهم للمضايقات وتوفير جميع أسباب ممارسة هذه الحقوق الأصلية، وعلى المعارضة عدم الرهان على الشارع باعتبار انها اختبرت قوتها وتأكد لها ضعفها وبؤسها، اما الاستعراض امام العزل والسخرية والتحدي لهم للخروج أو تحريك الشارع وعمل المستحيل للحيلولة دون ذلك، يتناقض مع ما تعلنه الحكومة بأن الثورات التي تجتاح المنطقة لا تعنيها في كثير او قليل، او انها محصنة ضدها بالشرعية الانتخابية، فعلى الحكومة الاعتراف بأن هنالك متغيرات تشهدها الساحة الاقليمية، وأن التعامل مع انعكاساتها داخليا لا يتم باستعمال نفس الأساليب القديمة، ولا بد من ايجاد آلية موضوعية تستصحب هذه التطورات في كيفية التعامل مع انعكاساتها على المشهد السياسي الداخلي، فالمعارضة السودانية فشلت في انتقاء رمزية المكان، فالثورات تختار ميادين الشهداء والتغيير والتحرير، والمعارضة السودانية تختار ميدان أبو جنزير! اضافة إلى أن ميدان ابو جنزير ميدان صغير الحجم ويقع في منطقة مأهولة ومكتظة ويسهل السيطرة عليه. ومما يؤخذ على المعارضة أنها تريد تحريك الشارع دون أن تدفع الثمن، فغياب قادة قوى الإجماع الوطني عن ميدان ابو جنزير أثار الدهشة، ووضع كثيراً من علامات الاستفهام حول موقف المعارضة، ومدى قوتها على تحريك الشارع، فحضور سكرتير الحزب الشيوعي محمد ابراهيم نقد ورفعه للافتة الشهيرة «حضرنا ولم نجدكم»، يعطي انطباعا سالبا عن شجاعة المعارضة وتأهيلها لتفعيل الشعارات التي أدمنت رفعها أمام الأجهزة الإعلامية، والشعارات المتشددة التي ظلت تنادي بها لم تنعكس على الأرض، فالناس يتساءلون أين الإمام الصادق المهدي، أين مريم الصادق المهدي، اين ياسر عرمان، اين محمد ضياء الدين، اين ساطع محمد الحاج، اين.. واين.. هؤلاء جميعاً لماذا لم يحضروا لميدان ابو جنزير ليتم اعتقالهم مثل نقد؟ وحتى موقف نقد ينعكس بالضرورة على الحزب الشيوعي، فهل كل عضوية الحزب الشيوعي تتمثل في نقد؟ لماذا لم تحضر شريحة نوعية لتبيان رأي الحزب متى ما ارتضى الحزب الظهور في الاحتشاد، ولماذا اختصر حضوره على الرجل الأول فقط، وموقف الإمام الصادق يتسم بعدم الوضوح والضبابية، فالمؤتمر الوطني يعلن اتفاقه مع حزب الامة على 85% من القضايا المطروحة، ولا يصدر نفي من حزب الامة. ويمثل ذلك ازدواجية معايير (Double Standards)، والمؤتمر الوطني يلتقي بالسيد محمد عثمان الميرغني بمكة ويتم الإعلان عن تشكيل لجان للحوار بين المؤتمر والاتحاد الديمقراطي، وهذا ما ينعكس بالضرورة على الشارع السياسي، فكيف للشارع أن يخرج وهنالك مفاوضات تجرى بين فصائله والسلطة الحاكمة، ووفقاً لهذه المعطيات فإن الشارع ليس على قلب رجل واحد، وهنالك قطاع كبير من الشارع في انتظار ما تسفر عنه مفاوضات أحزابه مع المؤتمر الوطني، فالمعارضة بسلوكها المتناقض هذا أدخلت البلبلة في نفوس الجماهير، وساهمت بفعالية في انتزاع فتيل الثورة، والمظهر الذي ظهرت به في ميدان ابو جنزير اعطى انطباعا واضحا عن قوتها وحجمها ومدى تأثيرها. ووجود المعارضة وبالكيفية التي تمارس بها نشاطها السياسي أدى لتدجين العمل المعارض، فوجود المعارضة أصبح يمثل عائقا كبيرا أمام حركة الجماهير، ودفع المعارضة بأنها لم تحضر لميدان ابو جنزير لمنازلة الحكومة بالنظر لعدم تكافؤ القوتين، هذا القول مردود عليه بأنه كان عليها ان تعلم ان الحكومة لن توافق على هذا الاحتشاد، وانها ستمارس كل الوسائل في سبيل ايقافه، وقد نجحت في اظهار المعارضة بمظهر الضعيف العاجز، وعليه ووفقا لهذه المعطيات، على المعارضة إفساح المجال للشباب، ويجب على المعارضة عدم محاكاة تجارب الآخرين بحذافيرها، حيث لم يعرف عن الشعب السوداني في ثورتيه السابقتين الاحتشاد في الميادين العامة مثلما فعل المصريون، وإنما لديه آلياته وأدوات نضاله الخاصة.
* المحامي
٭ المادة «39»:
«1» لكل مواطن حق لا يقيد في حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول الى الصحافة دون مساس بالنظام والسلامة والأخلاق العامة، وذلك وفقا لما يحدده القانون.
«2» تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الاعلام الأخرى وفقاً لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي.
«3» تلتزم كافة وسائل الإعلام بأخلاق المهنة وبعدم اثارة الكراهية الدينية أو العرقية او العنصرية او الثقافية أو الدعوة للعنف أو الحرب.
٭ المادة «40»:
«1» يكفل الحق في التجمع السلمي، ولكل فرد الحق في حرية التنظيم مع آخرين، بما في ذلك الحق في تكوين الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية أو الانضمام اليها حماية لمصالحه.
«2» ينظم القانون تكوين وتسجيل الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية، وفقا لما يتطلبه المجتمع الديمقراطي.
«3» لا يحق لأي تنظيم أن يعمل باعتباره حزباً سياسياً على المستوى القومي أو مستوى جنوب السودان او المستوى الولائي ما لم تكن لديه:
«أ» عضوية مفتوحة لأي سوداني بغض النظر عن الدين او الاصل العرقي أو مكان الميلاد.
«ب» برنامج لا يتعارض مع نصوص هذا الدستور.
«ج» قيادة ومؤسسات منتخبة ديمقراطيا.
«د» مصادر تمويل شفافة ومعلنة.
فالحقوق التي اشتملت عليها المادتان حقوق جامعة مانعة لا يجوز المساس بها، فالحكومة كانت أمامها فرصة لتثبت للعالم أنها تحترم حقوق الإنسان وان الحق في التعبير والتجمع السلمي لا حجر عليهما متى ما كان وفقا للقانون وعبر الطرق السلمية. فهذا التجمع ليس مقصودة به الحكومة وليس ضدها وليس من اهدافه المعلنة اسقاط الحكومة، وإنما لمناصرة شعوب تربطنا بها صلة القربى والجيرة والإخوة في العروبة والاسلام، ويمثل هذا التجمع اختباراً لسعة صدر الحكومة وتحملها للآخر، ويستند لنصوص دستورية تحكم علاقات الحكم في السودان، فعدم حصول المعارضة على تصديق باقامة هذا الحشد لا يسقط الصفة القانونية له، خاصة ان هذا الدستور ومنذ اجازته قبل خمس سنوات لم يتم تفعيل نصوصه بالسماح للمعارضة بالتعبير عن مواقفها وآرائها حيال قضايا معينة، ولم يسمح لها بالتجمع السلمي، واضحت النصوص نصوصاً ديكورية باردة لا معنى لتضمينها في الدستور، والضجة المتعلقة بشأن تعديل الدستور التي يتم تداولها بعد انفصال الجنوب لا معنى ولا قيمة لها إن كانت النصوص الدستورية لا تغادر دفة المخطوطة التي احتوتها. وسيان أن يعدل الدستور أو يبقى عليه او حتى يتم تجميده او الغاؤه ان كان عبارة عن حبر على ورق لا يسهم في اثراء الحياة السياسية، فالحكومة سبق أن اعلنت أن منسوبيها يتجاوزون الـ 90% من تعداد الشعب السوداني، وان كان الامر كذلك فلماذا تخشى من الـ 10% الباقية، والتي أرادت ان تحشر نفسها في ميدان ضيق تسهل محاصرته واحتواؤه، وسلوكها هذا وحشدها هذا العتاد الشرطي الكثيف ما يرى بالعين المجردة وما لا يرى، يعني أن تعداد المعارضة يجاوز النسب المعلنة من الحكومة بكثير، وإلا لما كان هذا الحشد الأمني الضخم واتخاذ التدابير الاحترازية المتعددة للحيلولة دون ظهور هذا الاحتشاد للسطح، والاحتياطات التي تم اتخاذها تظهر الحكومة بمظهر من يخشى تحرك الشارع واشتعال عود الثقاب، وإلا لما وقفت ضد مناصرة شعوب سعت للحرية ونالتها ودفعت ثمنها طوعاً واختياراً، ويتناقض ذلك مع موقف الحكومة المعلن تجاه هذه الثورات، خاصة الثورة المصرية التي وجدت المناصرة من السيد رئيس الجمهورية الذي زار مصر مباركا ومهنئاً لهذه الثورة الرائدة. وهذا الموقف كان يمكن ان يكون أكثر ايحائية إن تم السماح لحشد الاربعاء بأن يرى النور ليصبح الموقف تجاه الثورة المصرية مباركاً رسمياً وشعبياً، ولأعطى للموقف الرسمي ثقله باستصحاب البعد الشعبي، والحكومة متاح لها أن توضح للعالم بأنها ليس لديها ما تخشاه، وان هذا الحشد لن يؤثر على شرعيتها ولن يستطيع تحريك الكرسي تحتها، وانها سبق أن اعلنت أنها تكسب شرعيتها من انتخابات فازت بها بما يشبه الاجماع، فالحكومة التي تتمتع بهذا الإجماع وبهذه الوضعية المريحة، وتستند على شرعية «حسب اعتقادها» وتكاد تؤكد التفاف جميع قطاعات الشعب حولها، فمثل هذا التجمع كان سانحة لإظهار ثقتها في نفسها، ولها أن تتباهى بأن عدد المحتشدين لم يتجاوز العشرات بالرغم من عدم تعرضهم للمضايقات وتوفير جميع أسباب ممارسة هذه الحقوق الأصلية، وعلى المعارضة عدم الرهان على الشارع باعتبار انها اختبرت قوتها وتأكد لها ضعفها وبؤسها، اما الاستعراض امام العزل والسخرية والتحدي لهم للخروج أو تحريك الشارع وعمل المستحيل للحيلولة دون ذلك، يتناقض مع ما تعلنه الحكومة بأن الثورات التي تجتاح المنطقة لا تعنيها في كثير او قليل، او انها محصنة ضدها بالشرعية الانتخابية، فعلى الحكومة الاعتراف بأن هنالك متغيرات تشهدها الساحة الاقليمية، وأن التعامل مع انعكاساتها داخليا لا يتم باستعمال نفس الأساليب القديمة، ولا بد من ايجاد آلية موضوعية تستصحب هذه التطورات في كيفية التعامل مع انعكاساتها على المشهد السياسي الداخلي، فالمعارضة السودانية فشلت في انتقاء رمزية المكان، فالثورات تختار ميادين الشهداء والتغيير والتحرير، والمعارضة السودانية تختار ميدان أبو جنزير! اضافة إلى أن ميدان ابو جنزير ميدان صغير الحجم ويقع في منطقة مأهولة ومكتظة ويسهل السيطرة عليه. ومما يؤخذ على المعارضة أنها تريد تحريك الشارع دون أن تدفع الثمن، فغياب قادة قوى الإجماع الوطني عن ميدان ابو جنزير أثار الدهشة، ووضع كثيراً من علامات الاستفهام حول موقف المعارضة، ومدى قوتها على تحريك الشارع، فحضور سكرتير الحزب الشيوعي محمد ابراهيم نقد ورفعه للافتة الشهيرة «حضرنا ولم نجدكم»، يعطي انطباعا سالبا عن شجاعة المعارضة وتأهيلها لتفعيل الشعارات التي أدمنت رفعها أمام الأجهزة الإعلامية، والشعارات المتشددة التي ظلت تنادي بها لم تنعكس على الأرض، فالناس يتساءلون أين الإمام الصادق المهدي، أين مريم الصادق المهدي، اين ياسر عرمان، اين محمد ضياء الدين، اين ساطع محمد الحاج، اين.. واين.. هؤلاء جميعاً لماذا لم يحضروا لميدان ابو جنزير ليتم اعتقالهم مثل نقد؟ وحتى موقف نقد ينعكس بالضرورة على الحزب الشيوعي، فهل كل عضوية الحزب الشيوعي تتمثل في نقد؟ لماذا لم تحضر شريحة نوعية لتبيان رأي الحزب متى ما ارتضى الحزب الظهور في الاحتشاد، ولماذا اختصر حضوره على الرجل الأول فقط، وموقف الإمام الصادق يتسم بعدم الوضوح والضبابية، فالمؤتمر الوطني يعلن اتفاقه مع حزب الامة على 85% من القضايا المطروحة، ولا يصدر نفي من حزب الامة. ويمثل ذلك ازدواجية معايير (Double Standards)، والمؤتمر الوطني يلتقي بالسيد محمد عثمان الميرغني بمكة ويتم الإعلان عن تشكيل لجان للحوار بين المؤتمر والاتحاد الديمقراطي، وهذا ما ينعكس بالضرورة على الشارع السياسي، فكيف للشارع أن يخرج وهنالك مفاوضات تجرى بين فصائله والسلطة الحاكمة، ووفقاً لهذه المعطيات فإن الشارع ليس على قلب رجل واحد، وهنالك قطاع كبير من الشارع في انتظار ما تسفر عنه مفاوضات أحزابه مع المؤتمر الوطني، فالمعارضة بسلوكها المتناقض هذا أدخلت البلبلة في نفوس الجماهير، وساهمت بفعالية في انتزاع فتيل الثورة، والمظهر الذي ظهرت به في ميدان ابو جنزير اعطى انطباعا واضحا عن قوتها وحجمها ومدى تأثيرها. ووجود المعارضة وبالكيفية التي تمارس بها نشاطها السياسي أدى لتدجين العمل المعارض، فوجود المعارضة أصبح يمثل عائقا كبيرا أمام حركة الجماهير، ودفع المعارضة بأنها لم تحضر لميدان ابو جنزير لمنازلة الحكومة بالنظر لعدم تكافؤ القوتين، هذا القول مردود عليه بأنه كان عليها ان تعلم ان الحكومة لن توافق على هذا الاحتشاد، وانها ستمارس كل الوسائل في سبيل ايقافه، وقد نجحت في اظهار المعارضة بمظهر الضعيف العاجز، وعليه ووفقا لهذه المعطيات، على المعارضة إفساح المجال للشباب، ويجب على المعارضة عدم محاكاة تجارب الآخرين بحذافيرها، حيث لم يعرف عن الشعب السوداني في ثورتيه السابقتين الاحتشاد في الميادين العامة مثلما فعل المصريون، وإنما لديه آلياته وأدوات نضاله الخاصة.
* المحامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق