«جيل الإنترنت» يقود حركة التغيير | |||||
أحمد ذيبان |
تاريخ نشر الخبر: | الجمعة 11/03/2011 |
سادت خلال السنوات الماضية انطباعات"ظالمة" مفادها، ان نسبة كبيرة من الأجيال الجديدة، المنخرطة في دهاليز شبكة الانترنت، انهم شباب سطحي ضحل الثقافة، يعيش في عالم افتراضي، ويمضي ساعات طويلة في غرف الدردشة وبناء صداقات ومعارف وعلاقات حب وهمية، ومتابعة مواقع" الفيس بوك" و"تويتر" والمواقع الإباحية، لكن ما حدث من ثورات واحتجاجات في العديد من البلدان العرابية منذ نهاية العام الماضي، بدءا بتونس فمصر وليبيا واليمن والبحرين والاردن والجزائر والمغرب والقائمة مفتوحة، أكد ان هذه الصورة النمطية قاصرة، وان "جيل الانترنت" أو "جيل الفيسبوك"، يسبق آباءه وأجداده بمسافات كبيرة، من حيث الوعي والانفتاح على مستجدات العصر، والقدرة على التفاعل والفعل والتنظيم، مستخدما أحدث منتجات تكنولوجيا الاتصال، مثل الانترنت والهواتف الخلوية، في التحريض على النزول إلى الشوارع وتحدي السلطات القمعية. وقد ثبت باليقين ان ما اصبح يعرف بـ"الإعلام البديل"، الذي يستخدم هذه الادوات، لعب دورا هاما في تحريك الجماهير، وتنظيم التظاهرات والاعتصامات، في ظل انظمة شديدة القسوة، يدعمها اعلام رسمي يستخدم أساليب محنطة في التعامل مع المعلومات والحقائق، ويستغفل الناس ويكذب عليهم، يكرس جل وقته وجهده لتقديم صورة ناصعة البياض للسلطة ويحجب الرأي الاخر، ويصفق "للقائد الضرورة"! وكانت النتيجة نجاح "شباب الفيسبوك" في تعبئة الرأي العام وحشد المتظاهرين وبالتالي بدء سقوط الأنظمة أو تعرية فسادها واستبدادها واحدا بعد الآخر، كما احجار الدومينو. وكان من بين ردود الفعل السريعة، التي اتخذتها السلطات التونسية والمصرية والليبية، قطع شبكة الانترنت والاتصالات الخلوية، وإيقاف بث بعض القنوات الفضائية والتشويش عليها، وحجب المعلومات وقمع حرية التعبير والبطش بالمحتجين حيث سقط مئات القتلى وآلاف الجرحى!. في أبلغ تعبير على خوف تلك الانظمة من فعالية "الاعلام الاجتماعي" وقدرته على التأثير في الواقع، وفشل نهج الاستبداد في السيطرة على عقول الناس وسلوكياتهم، ذلك ان بدء الاحتجاجات فاجأت السلطات، حيث تم تنظيمها وتوقيتها من قبل "جيل الفيسبوك". عبر شبكة الانترنت والرسائل النصية، وليس وفق الأساليب التقليدية، التي درجت على استخدامها الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، كتوزيع البيانات والمنشورات، أو الإعلان في الصحف وعبر المهرجانات والندوات. لقد كانت اول سابقة تنجح فيها وسائل الاعلام الاجتماعي، في عزل رئيس دولة عام 2001، عندما اجبر الكونغرس الفلبيني على اتخاذ قرار بإقالة رئيس الجمهورية "جوزيف استرادا " بتهم الفساد، الذي ألقى اللوم على " جيل الرسائل النصية" في إسقاطه تحت ضغط الشارع، فبين 17 و20 يناير 2001، تم إرسال اكثر من سبعة ملايين رسالة نصية، من قبل الشباب الغاضبين تدعو للتجمع والاحتجاج في ميدان "ايبافنيودي لوس سانتوس"، وهو تقاطع طرق رئيسي في العاصمة ماتنيلا، ربما يشبه ميدان التحرير وسط القاهرة الذي تحول إلى نقطة التجمع الرئيسية للمحتجين.وبفعل تلك الرسائل، وصل اكثر من مليون فلبيني متسببين باختناق مروري، في وسط مانيلا وقد وجه هؤلاء المحتجون، انذارا قويا إلى المشرعين الذين اجبروا على السماح بتقديم أدلة ضد الرئيس وتنحيته . ومنذ حادثة استرادا، وقعت احتجاجات في العديد من الدول، كان للاعلام البديل دور رئيسي في تنظيمها وتحريكها، كما حدث في إسبانيا عام 2004، عندما أفضت المظاهرات التي نُظمت بواسطة الرسائل النصية إلى إسقاط سريع لرئيس الوزراء "خوسيه ماريا أزنار"، الذي كان قد ألقى اللوم بغير دقة على الانفصاليين الباسكيين في تفجيرات قطارات مدريد. كما فقد الحزب الشيوعي السلطة في مولدوفا عام 2009، عندما انفجرت المظاهرات التي تم تنظيمها جزئياً بواسطة الرسائل النصية و"الفيسبوك" و"التويتر"، بعد انتخابات مزورة بشكل واضح. وليس بالضرورة ان تنجح الاحتجاجات التي يتم تنسيقها وتنظيمها باستخدام الانترنت والرسائل النصية، كما حدث في تايلاند حيث استخدمت حركة "القمصان الحمر" الإعلام الاجتماعي عام 2010 لتنظيم احتجاجات، احتل خلالها المحتجون وسط مدينة بانكوك، لكن الحكومة التايلاندية تمكنت من تفريق المتظاهرين، وقتلت العشرات منهم. وخلال انتفاضة "الحركة الخضراء" في إيران في شهر يوليو- 2009، استخدم الناشطون وسائل الاعلام البديل لتنسيق الاحتجاجات على إساءة إحصاء الأصوات، التي أيدت مير حسين موسوي، لكن تم إجبارهم على الركوع في النهاية بسبب القمع العنيف. وقد تنبهت الولايات المتحدة إلى اهمية الاعلام البديل، في توجبه مسار الاحداث على مستوى السياسات في دول العالم، واصبح ذلك في صلب أجندتها السياسة الخارجية، وفي دراسة أعدها " كلاي شيركي" استاذ الاعلام الجديد في جامعة نيويورك "نشرت في مجلة فورين أفيرز، عدد يناير - فبراير 2011، بعنوان " القوة السياسية لوسائل الاعلام الاجتماعي" The Political Power of Social Media"" يقول شيركي:"الاعلام الاجتماعي اصبح حقيقة من حقائق حياة المجتمع المدني في انحاء العالم. ويطرح هذا الواقع سؤال مهما على حكومة الولايات المتحدة، كيف يؤثر انتشار الاعلام الاجتماعي على مصالح الولايات المتحدة، وكيف ينبغي ان تستجيب له سياساتها"؟. في يناير- العام 2010، وضعت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، الخطوط العريضة للكيفية التي يمكن للولايات المتحدة، أن تروج بها حرية الإنترنت وتعززها في الخارج. وأكدت عدة أنواع من الحرية، بما فيها حرية الوصول إلى المعلومات (مثل القدرة على استخدام موسوعة "ويكيبيديا" ومحرك البحث "غوغل" في داخل إيران)، وحرية المواطنين العاديين في إنتاج إعلامهم الجماهيري الخاص والتحادث والتحاور مع بعضهم بعضا. وكان أهم ما يستحق الملاحظة حسب الدراسة، هو إعلان كلينتون عن تخصيص تمويل للأدوات المصممة من أجل إعادة فتح المداخل إلى الإنترنت، في الدول التي تحد من الدخول إلى شبكة الانترنت. ويركز هذا النهج "الأدواتي" لمقاربة حرية الإنترنت، على منع الدول من مراقبة المواقع الإلكترونية الخارجية؛ مثل "غوغل"، "يوتيوب"، أو موقع صحيفة "نيويورك تايمز". وهو يركز بدرجة ثانوية فقط على الخطاب العام الجماهيري للناس، ويضع القدر الأقل من التركيز على الاستخدامات الخاصة أو الاجتماعية للإعلام الرقمي. ووفقاً لهذه الرؤية، "فإن بوسع واشنطن، بل ينبغي عليها أن تقدم استجابات سريعة، وموجهة ضد الرقابة التي تمارسها الأنظمة الشمولية". ان ما يجري جرس انذار خطير، ينبغي الاستماع اليه جيدا، ذلك انه لم يعد بالإمكان تجاهل حركة التغيير، التي تتفاعل في المجتمعات العربية، وان جيل الشباب قادر على التحرك وكسر حاجز الخوف، عندما تسد الفرص أمامه ويسيطر عليه الإحباط. وان الاساليب القديمة في تعاطي الحكومات مع هذا الجيل تجاوزها الزمن، سواء من حيث إخفاء الحقائق أو قمع الحريات، وتهميش القوى الفاعلة في المجتمع في عالم مفتوح، حولته ثورة الاتصالات إلى "قرية صغيرة"، اذ لا بد من التعامل مع الشعوب بشفافية. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق