امتحانات الرئاسة | |||||
جهاد فاضل |
تاريخ نشر الخبر: | الجمعة 11/03/2011 |
إذا كان يُفترض بمن سيعين قاضياً أن يخضع لامتحانات خطية وشفوية تختبر قدراته الذهنية والنفسية وكفاءته للفصل في الدعاوى التي سيُعهد إليه الفصل فيها، ألا يفترض بمن يترشح لرئاسة جمهورية أن يخضع بدوره لامتحان خطي وشفوي يجاز له بعده، أو لا يجاز، الترشح لمثل هذا المنصب الخطير في حاضر الأمة ومستقبلها؟ يتخذ هذا السؤال مشروعيته من وصول عدد من رؤساء الجمهوريات في بلدان العالم الثالث، ومنها بلدان عربية، إلى سدة الرئاسة دون كفاءة تذكر. وإذا كان معمر القذافي آخر من يخطر على البال في لائحة هؤلاء غير المؤهلين لأن يصلوا إلى ما وصلوا إليه، فاللائحة لا تقتصر على القذافي وحده. ففي البال «قذافون» بلا عد ولا حصر، منهم على سبيل المثال لا أكثر، الرئيس السابق لمصر حسني مبارك والرئيس السابق للعراق صدام حسين. في بلدان الغرب لا تتم هذه الامتحانات بشكل مباشر وإنما تتخذ صوراً أخرى. فالمرء يتدرج في المناصب حتى يصل في يوم من الأيام إلى أعلى السلم. قد يبدأ عضواً في مجلس بلدي ثم ينتقل إلى عضو في مجلس المحافظة ويتسلم بعد ذلك مهام عامة كثيرة في إطار مدينته أو محافظته قبل أن يرشحه حزبه للنيابة. وعندما يصل إلى النيابة أو إلى الوزارة يكون قد اجتاز امتحانات كثيرة، ويكون قد أصبح له بالتالي ملف معروف. فالرأي العام باتت لديه فكرة واضحة عن هذا الشخص، وسمعته وحدها هي التي تؤهله لأن يتابع طريقه إلى الأعلى أو لا يتابع. أما في بلدان العالم الثالث فلا شيء من هذا القبيل. فالرئيس يصل بواسطة انقلاب عسكري أو عملاً بشرعية قريبة من شرائع الغاب من حيث نفوذ الإقطاع أو الطائفة أو الجماعة أو المذهب أو المال. وفي أي حال، فإنه لا يُلتفت اطلاقاً إلى ملف أو سجل أو كفاءة أو قدرة على قيادة. وبسبب من فقدان المعايير الاجتماعية والخلقية والقانونية والدستورية في وصول الرئيس إلى سدة الرئاسة، حلت كوارث وأضرار عضوية غير قابلة للجبر والاصلاح بعدد كبير من بلداننا العربية بصورة خاصة. ولم يكن ذلك ليحصل لو أن مثل هذه الامتحانات التي نشير إليها قد حصلت. أي لو كانت هناك ديمقراطية حقيقية أفرزت حياة سياسية طبيعية. ولو كان لدينا شيء من ذلك لما أمكن لصدام حسين، أو لمعمر القذافي أن يصلا وأن يستمرا في السلطة إلى ما يشبه يوم القيامة. وقد تحكم هذان الشخصان أو الرئيسان بمقدرات بلدين عربيين مهمين وأعاقا نهضتيهما وألحقا بهما أضراراً لا تعوض. فالعراق الذي كان في بعض حقبه الماضية بلداً واعداً ومرشحاً لأن يكون نوعاً من يابان المنطقة عاد إلى القرون الوسطى بفضل صدام حسين ومن هو في حكمه. وليبيا التي كانت لؤلؤة من لآلئ البحر الأبيض المتوسط زمن السنوسي تحولت إلى نوع من أوغندا عيدي أمين في ظل نظام الحاكم بأمر الله ملك ملوك إفريقيا. ولاشك أن مصر لو تابعت تطورها الديمقراطي الذي عرفته قبل ثورة يوليو، ولم تنكب بالاستبداد والمستبدين والفاسدين على مدار ستين عاماً، لكانت اليوم مثل إيطاليا أو مثل اسبانيا. ولكنها بسبب ما ابتليت به، تكاد تشبه بلداناً آسيوية أو إفريقية غاية في الفقر والتخلف، من نوع هذه الدولة أو تلك. وبالاضافة إلى تخلفها الذي لا يخفى على كل من يزورها، فقدت مصر دورها الاقليمي والدولي الذي كان لها في الماضي. وما كان كل ذلك ليحصل لو كان الحاكم الذي حكمها جديراً بمنصبه وأميناً للدور الذي يُفترض بمصر أن تلعبه. على أن المشكلة لا تتصل فقط بوصول من وصل بدون استحقاق، وإنما أيضاً بعدم القدرة على زحزحته بعد وصوله السعيد، واستمراره في سدة الرئاسة إلى أن يموت أو يقتل أو يرضى بتوريث من سيورثه. لقد اقتضى قيام حرب شبه عالمية حتى أمكن نزع صدام حسين عن كرسيه. وظل يردد أنه الرئيس الشرعي للعراق حتى لفظ أنفاسه. والقذافي يردد بلا ملل أن الثائرين ضده عبارة عن جرذان وأنهم في كل حال فئة قليلة جداً وليبيا هادئة وبألف خير. ولمن يقول له استقل واترك السلطة، يجيبه: أنا لستُ حاكماً حتى أستقيل، أنا قائد ثورة ومرجعية أدبية. لم تكن الامتحانات لاختيار الرؤساء شائعة في العالم الثالث، ولكنها يفترض أن تشيع وأن تتكرس في حمى المخاض الكبير الذي تجتازه المنطقة في الوقت الراهن. ولا مانع من أن تنص القوانين والدساتير على مثل هذه الامتحانات. فهي صمام الأمان الذي يحول دون أن يصل إلى سدة المسؤولية أشخاص يعم ضررهم البلاد والعباد. عرف لبنان مثل هذه الامتحانات ذات يوم ولو بصورة فولكلورية ولكنه تنبه إلى ضرورتها وأهميتها. فقد أجرى الزعيم الاشتراكي كمال جنبلاط أكثر من مرة امتحانات لمرشحين للرئاسة طلبوا منه تأييده.. كان يقول لهم إن تأييده مشروط «بامتحان» يجريه لهم. كان هذا الامتحان عبارة عن جلسة مطولة يعقدها جنبلاط وعدد من أركان حزبه وأركان الحركة الوطنية التي كان يتزعمها، مع الشخص الذي كان يعلن عن ترشحه للرئاسة. خضع لمثل هذا الامتحان، وفي مطالع أكثر من انتخابات رئاسية، عدد من المرشحين كان منهم الياس سركيس الذي أصبح فيما بعد رئيساً للجمهورية. كان جنبلاط يطرح عليهم أسئلة حول برامجهم المستقبلية إذا وصلوا إلى السلطة وحول مواقفهم السياسية العربية والأجنبية. وكانوا يجيبون ويستفيضون في الشرح. وكانوا قبل كل شيء سعداء بهذه الامتحانات التي إذا نجحوا فيها، فقد ظفروا بتأييد زعيم سياسي له كلمة مسموعة في صنع الرؤساء: «قلنا مرة لهذا زل فزال ولذاك كن فكان»! وكان جنبلاط يعلن عقب كل امتحان يجريه مع أحد هؤلاء الطامحين إلى الجنة أنه نجح أو فشل.. وكانت هذه الامتحانات تشغل الرأي العام اللبناني وتثير جدالاً وتعليقات كثيرة. تنص الدساتير العربية على شروط كثيرة ينبغي أن تتوافر في الرئيس أو في المرشح للرئاسة. لماذا لا يضاف إليها شرط عن امتحان تجريه جهة قضائية عليا تتحقق من الكفاءة والاستحقاق، أسوة بما يحصل بالنسبة لمناصب كثيرة في الدولة؟ أليس منصب الرئاسة منصباً خطيراً يتصل بمصالح البلد ومستقبله؟ ألا يجدر التحقق فيمن سيتولاه من كفاءته واستحقاقه، وقبل كل شيء من لياقته العقلية والنفسية والعلمية والخلقية؟ |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق