الخميس، 10 مارس 2011

لماذا يسقط النظام؟


لماذا يسقط النظام؟
د. صلاح الدين محمد
تاريخ نشر الخبر:الجمعة 11/03/2011

ما من كائن حي على وجه البسيطة منذ إدراكه لوجوده إلا وهو على يقين بفنائه، ولكن قضت سنة الكون ألا يعلم تحديداً متى وكيف سيزول. وفي حال الأنظمة، وعلى رأسها الحاكم، وأخص منها الحاكم العربي تحديداً، فعلى مر العصور والأزمان، لا يستسلم الحاكم لهذه السنة الكونية المطلقة، فمنهم من يبدأ ولايته بتوثيق الرباط بينه وبين قوات أمنه بحيث تقيه الخروج عن السلطة ولو كلفه الأمر زوال الشعوب. فترى الحاكم يتحايل على الزمن والتقدم في العمر بأن يحاول أن يبدو صغيراً في العمر رغم تقدم العمر به، فيبدو أنيقاً متماسكاً رغم ظهور آثار الزمن عليه، فتارة يبدو رياضياً، وتارة لا تزول الصبغة عن شعر رأسه وتارة يكثر من الظهور حتى لا يرى عليه آثار التعب رغم إرهاقه، كلها عوامل قد يلجأ إليها الحاكم ليبدو قادراً على إدارة شؤون البلاد.
الكل يلحظ إما من خلال الظاهر أو من خلال قياس الزمن ليعرف عمر حاكمه وكم يسخر الناس من تصرفات حاكمهم التى يسعى من خلالها لإثبات أنه يختلف عن غيره بانه لا يهرم ولا يشيخ ولا يسقم وربما لا يموت. كلما تقدم العمر به، أدرك أن مابقي من عمره ربما لا يوازي ما مر منه، ولكن السلطة والحكم والملك تجعله دائماً يسبح ضد تيار الزمن وكم اهلك الزمن من كان قبله ولكم الأمل فقط يكمن في الاحتمال بأن يطول اجله، ولهذا تراه يلهث حباً في البقاء دونما تنازل عن سلطانه لحساب وقاره، وللأسف يفقد الاثنين.
في الأسابيع القليلة الماضية شهدت الساحة العربية نماذج من هؤلاء الحكام الذين حكموا بلادهم لأكثر من عقدين من الزمن حتى هرموا ومع ذلك تشبثوا بالسلطه وتحايلوا على دساتيرهم، بل على سنن الكون حباً في البقاء، ونسوا أو تناسوا أو تغابوا في إدراك أن الأجيال تتغير بهم، والفكر الجديد يجعل فكرهم عتيقا حتى لو أحسنوا، فتمادوا في تجاهل كل هذا في سبيل البقاء الذي لم يكتب لأحد من بني البشر. ومهما اختلفت سبل وأساليب البقاء، فالنهاية الحتمية بعد البقاء هي الزوال.
ترى كيف مرت لحظات ما قبل سقوط هؤلاء الحكام وكيف تمر الآن لحظات ما قبل سقوط آخرين؟ لا شك أن عجلة السقوط بدأت في تونس ثم مصر ثم ليبيا واليمن وهى الآن تتحرك شرقاً ثم تتجه غرباً لتسقط الحاكم تلو الآخر، والفرار السريع للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن على جاء بشكل مفاجئ لم يكن بخيال أحد أن يمر بهذه السرعة، والأسرع كان تخلي الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك عن منصبه كرئيس سابق للجمهورية، ولكن كيف كان يفكر هؤلاء قبل السقوط المروع؟
مما لاشك فيه ان هؤلاء الحكام وغيرهم كان وللآن يفكر، إن صح التعبير، في أن سقوط أنظمتهم أمر بعيد كل البعد عن حلم الشعوب، فالشعوب جبلت على الهوان وتكيفت عليه ورضت الخنوع للسلطان الذي لايقهره أحد ولا شيء، ولكن هناك عاملين غابا عن فكر أي حاكم في تلك الظروف، أولهما، سنة البقاء والزوال، وهذه السنة ليست خاصة بالعمر فقط، ولكن أيضاً مرتبطة بقدرة الإنسان على العطاء. عامة الشعب قانون يحال أفراده إلى التقاعد عند سن الستين، بمعنى أن هذه سن يبدأ عطاء الإنسان يقل على الأقل قانوناً، ولكي تستمر عجلة التنمية في الدوران، لا بد من إحلال عناصر شابة مكان عناصر بدأ يقل عطاؤها، أما الحاكم العربي، فهو اول من يخالف قوانين بلاده بحيث يطبق قانون التقاعد على أفراد الشعب كافة وهو منزه عن هذا. العنصر الآخر الذي غاب ويغيب عن حسابات الحاكم العربي المعمر هو اختلاف الجيل بل ربما الأجيال التى تتعاقب عليه وهو لا يدري أن لكل جيل رونقه وحيويته هو في الواقع لا ينتمي لأي منهما. فهو خارج عن دائرة الجيل الجديد من شباب الأمة، فما بالك بالحاكم الذي تتعاقب عليه الأجيال! الجيل الأوحد الذي يستطيع الحاكم أن يتعايش معه هو الجيل الذي اعتلى سدة الحكم في وجوده، لا الجيل الذي يليه، ولهذا كانت الثورات العربية ثورات شبابية في الأساس ثم انضمت لها فئات الشعب بأعمارها المختلفة حتى الأطفال مساندة وليست مبادرة، ولهذا لايستطيع أحد من جيل الحاكم أن يدعي أنه هو من قاد الثورة. كما استخدمت أدوات الثورات الشبابية لا علم للحاكم بها لأنه خارج هذا العصر، فلا يفهم الشباب ولايعيره الشباب انتباهاً، وهكذا تسقط الأنظمة أولاً فكرياً قبل ان تسقط فعليا.
جل هم الحكام الذين سقطوا والذين في طريقهم للسقوط هو تأمين القوات الأمنية والعسكرية تفادياً لهذا اليوم، ولسوء حظهم أن لا الأمن ولا الجيش بمقدوره ان يحمي نظاماً من السقوط ولا حاكماً من الزوال، لأنها أدوات لا تواكب العصر مهما انحازت لحاكم على حساب الشعب، فحسب الشعب أن يسقط شبابه نظاماً استبد وطال استبداده، ولكن من المؤسف ألا تعي الأنظمة هذه المتغيرات حتى الآن لتخرج صاغرة غير مأسوف عليها.
أما الأنظمة التى لا تزال متربعة على عروشها حتى الآن فبدأت بمبادرات ظاهرها الخير والتنمية والرخاء، وباطنها التوتر والخوف والرعب من انتقال شذى الثورة إلى شعوبها، فأجزلت العطاء بعد شح افقر الشعوب وأرهق قواها وأتى على عزائمها على مر العقود، ولا تزال تلك الأنظمة تستغبي شعوبها وكأن الشعوب لا تعي ما يدور من حولها من متغيرات. إن نجاح ثورتي تونس ومصر لباعث لباقي الشعوب على الأمل في أن الشعب إذا أراد الحياة فهو لامحالة آخذها ممن اغتصبها منه، ومهما حاولت الأنظمة خاصة الحكام الالتفاف على رغبات الشعوب، فلينظر أحدهم كم عمره وكم بقي على سدة الحكم، وعليه إما أن يرحل طوعاً وإما أن يركل بالأقدام.
الغالب في الأمر ان الحكام من الذكاء بمكان لا يجعلهم يرحلون طوعاً لأنهم لا يزالون يراهنون إما على قواتهم الأمنية الباطشة، أو قواتهم العسكرية، أو الوقت الذي في الغالب لن يكون في صالحهم، كما عليهم ان ينظروا في مرآة الزمن، أشاب شعرهم بعد شباب؟ أضعفت أجسادهم بعد قوة؟ أألمت بهم الأمراض بعد صحة؟ إذا كانت الإجابة نعم، فليرحل كل من مكانه ولا مجال للحديث عن تجديد او توريث أو ماشابه.
تبقى الحالة العربية فريدة في نوعها من حيث الحاكم والمحكوم، حكام العالم أجمع لا يخرجون كما يخرج الحاكم العربي عن السلطة، فالحاكم العربي هو الوحيد الذي يتشبث بالسلطة ويلتصق بالكرسي حتى ولو كان الثمن فناء شعبه عن بكرة أبيه، ولكن في المقابل، رغم أن الشعوب العربية عاشت ومازالت تئن تحت وطأة حكامها وتعيش كما لو أنها محتلة بأنظمتها، إلا أن الثورات العربية لها نكهة خاصة وفريدة لا تجد لها مثيلاً بين ثورات العالم الاخرى. الثورات العربية الحديثة سواء في تونس أو مصر أو من سيخلفهما استطاعت أن تجعل عالماً عربياً، أو بالأحرى شرق أوسط جديداً بدأت ملامحه تلوح في الأفق. ثورات صناعة شعبية تماماً لم تدنسها يد غريبة، لذلك فبالرغم من أن العالم العربي عاش لعقود بل لقرون من التخلف والرجعية، إلا أن ثوراته ملهمة لمحيطها، بل ومثيرة لإعجاب العالم أجمع، كما أنها قبل ان تقطف ثمارها أصبح العالم أجمع يحسب للمنطقة حسابا، بل وحسابات من المؤكد بحول الله أنها في صالح العالم العربي، وعلى الحاكم العربي أن يرحل طوعاً حتى يتباهى هو أيضاً بما أنجزه شعبه من تغيير لأن وجوده معطل لشعوب من قدرها أن تقهر ولاتزال قادرة على العطاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق