الفساد المنظم ... له نهاية | |||||
سامي زكريا - كاتب مصري |
تاريخ نشر الخبر: | الجمعة 11/03/2011 |
نجاح الثورة العظيمة التي قادها شباب مصر أماط اللثام عن كثير من قضايا الفساد التي أنهكت الاقتصاد المصري وبالتالي تركت أثرها السيئ على المواطن. قضايا الفساد هذه التي فاجأت الجميع في مصر بأحجامها وأرقامها إذا تتبعناها في كثير من الدول العربية سنجدها متشابهة في فساد الزمرة الحاكمة فساداً ليس له نهاية، وضح جليا في تونس بعد سقوط بن علي وفساد عائلته وحاشيته وبدأ يتجلى بتسرب أخبار الفساد في ليبيا وصل حد إنفاق مليون دولار على مغنية في حفل أقيم لأسرة القذافي استغرق ساعة إلا ربعاً فقط، في وقت يئن فيه المواطن الليبي من شظف العيش مع وجود الثروة البترولية الهائلة. خلال الأيام الماضية طفت على السطح الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب المصري الذي كان يتندر ويتعجب عن بلد به قناة السويس تدر يوميا مايقرب من خمسة عشر مليون دولار، كيف يكون مع الدول النامية!!، فماذا نقول إذا كان الدخل اليومي متعدد الاتجاهات سواء من السياحة أو التصدير أوالصناعة والزراعة وغيرها!. مسؤولية الحكومة تكشفت بعد إعلان المنظمات الدولية عن الثروات التي حققها العديد من المسؤولين خلال السنوات الماضية بل وتهريبها للخارج، حيث أعلنت المنظمات الخاصة بالنزاهة المالية الدولية أن 57 مليار دولار تدفقت خارج مصر في الفترة ما بين عامي 2000 و2008، وبعض هذه الأموال يعود إلى قادة فاسدين ما أدى لاحتلال مصر المركز 98 في معدلات الفساد على لائحة التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2010، لتتساوى مع بوركينا فاسو والمكسيك، وهي مرتبة متدنية جدا تؤكد استشراء الفساد. ولنُدلل على حجم الفساد نذكر بعض الأرقام المذهلة ونبدأ بالقيادة حيث بثت وسائل الإعلام أن ثروة الرئيس السابق مابين أربعين مليارا وسبعين مليارا فمن أين له بهذا؟. هناك أيضا اتفاقية بيع الغاز المصري لإسرائيل التي تعد من الاتفاقيات الصارخة الفساد والإجحاف بحق الشعب والاقتصاد المصريين والتي يتضح منها بشكل جلي أن هناك مَن يعبث بثروة مصر القومية التي هي ملك للشعب، ففي هذه الاتفاقية تبيع الحكومة المصرية الغاز بسعر يتراوح بين دولار.. ودولار ونصف الدولار، مع أن تكلفة استخراجه تتعدى الدولارين والنصف دولار، أي أنه يباع بخسارة دولار لكل طن غاز يتحمله الشعب المصري، في الوقت الذي يباع فيه طن الغاز بالأسواق العالمية فيما بين اثني عشر دولاراً وأربعة عشر دولاراً وهو تبديد واضح للثروة المصرية لمصالح أشخاص. وقد وصل الفجور قمته في حماية الحكومة لاتفاق يضر بمصالح شعبها، فقد أعلن المهندس إبراهيم زهران خبير البترول أن اتفاقية الغاز بين مصر وإسرائيل تهدد الاحتياطي المصري من الغاز، حيث ان التعاقد مع إسرائيل تم على تصدير 18 تريليون قدم مكعبة، بينما تمتلك مصر 28 تريليونا فقط، وليس كما تدعي الحكومة أن الاحتياطي 75 تريليونا، ولذلك أعلن الدكتور يحيى الجمل أستاذ القانون الدستوري أن الحكومة المصرية تخالف بنود الدستور بتصرفها في ثروة البلاد بعيداً عن الرقابة، معتبراً أن تصريحات مسؤولين حكوميين حول "سرية" الاتفاقية الموقعة بين القاهرة وتل أبيب بشأن الغاز مخالفة دستورية كبيرة "لأن ثروة البلاد لا تعرف السرية"، وقال إن الحكومة تدير ثروة البلاد ولكن لا تملكها، ومع أن الشرفاء في مصر رفعوا قضايا قضت في أحكامها بوقف تصدير الغاز، فقد ضربت الحكومة بأحكام القضاء عرض الحائط !، فلمصلحة مَن التمادي في ذلك إلا إذا كان هناك مستفيدون من هذه الصفقة أمثال "حسين سالم" الصديق الشخصي للرئيس السابق حسني مبارك مهندس الاتفاقية، وهو الذي قام أيضا بالاستيلاء على جزيرة يطلق عليها جزيرة التمساح في النيل تبلغ مساحتها أكثر من ثلاثين ألف متر مربع ليقيم عليها فندقاً بعد طرد ملاكها منها وإرغامهم على توقيع عقود "هَزَلية" لاتساوي شيئا من قيمة الأرض الحقيقية. وهناك أيضا أحد الفاسدين "امبراطور الحديد أحمد عز" والذي أزكمت الأنوف رائحته على مدى سنوات في احتكار الحديد والعبث بمواد البناء وتكوين ثروة طائلة، مع مفاجأة أذهلت الكثيرين خلال الأيام الماضية بتسرب خبر عمله "طبالا" بفرقة فنية بالملاهي في بداية حياته العملية، فكيف بطبال أن يصل إلى تكوين هذه الثروة الطائلة إلا بمساعدة المسؤولين، أم سيتضح بعد ذلك وستكشف التحقيقات والأيام أنه كان الواجهة الأمامية للمفسدين الحقيقيين؟. هناك أيضا العديد من الوزراء والمسؤولين الذين يتكشف فسادهم الواحد تلو الآخر فأحدهم "وزير الداخلية السابق حبيب العادلي" يمتلك ثمانية وعشرين قصرا في أرقى الأماكن السياحية مع كونه وزيرا لايستطيع براتبه أن يحصل على قصر واحد.. فمن أين له بهذا؟. حجم المأساة المترتبة على إساءة استغلال السلطة أو الوظيفة العامة لاينتهي فقد تحولت الدولة بأجهزتها المختلفة من خدمة الشعب لخدمة زمرة فاسدة وأصبحت الوظيفة العامة تشريفاً وليست تكليفاً، وأصبح الشعب في خدمة الشرطة والنظام بأكمله، لتتضخم ثرواتهم لأرقام خيالية،كان الأجدى أن تكون لنهضة المجتمع في مستشفيات تقام وطرق تمهد ومدارس للعلم وجامعات للمستقبل ومصانع ومزارع وغيرها. مايجب ملاحظته من قبل كل الحكومات القادمة في ظل التغيرات السياسية المتلاحقة في مصر وغيرها من الدول العربية أنه إذا أراد الشعب القضاء على الفساد بكل صوره، فالواجب على الحكومات أن تعاونه في ذلك، فالشعب يستطيع مقاومة الرشوة ورفض الابتزاز ولكن السلطة يجب أن تكون مراقبة لسلوك القائمين عليها، وليكن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " إنما أهلك من كان قبلكم أنه كان إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وإذا سرق فيهم الشريف تركوه وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " وهو نبراس يجب أن يوضع في كل المؤسسات والمصالح العامة في شتى الأقطار العربية، ليوقظ الضمائر بأن معاقبة المسيئين هو الضمانة الوحيدة التي تمنح الأمان للجميع. ولذلك فإن المؤشر على الحقبة القادمة سيكون دلالته ما ستقوم به الحكومات من إحقاق للحق ومعاقبة المخطئين، لأن الفساد المنظم الذي استشرى في كثير من جنبات الأمة العربية يجب أن تكون له نهاية |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق