الخميس، 2 فبراير 2012

لشبيحة والكتائب في سيرة نظام العجائب

وجد مقطع الفيديو الذي صور مداخلة المهندس الشاب محمد حسن عالم «بوشي» في مواجهة الدكتور نافع علي نافع بندوة حزب المؤتمر الوطني بجامعة الخرطوم قبل شهر تقريبا، صدى واسعاً من المشاهدة والتداول والتجاوب ، بحيث جعل المواقع الالكترونية التي عرضته هي الاكثر مشاهدة دون سائر المواقع الاخرى، والسبب بتقديرنا هو أن هذا المهندس الشاب قد استطاع في دقائق معدودة هي كل الفرصة التي اتيحت له في تلك الندوة، ان يعلق على حديث الدكتور نافع بطريقة عبرت عن قطاعات واسعة جدا من السودانيين، بلغة حوارية بسيطة وواضحة وبحقائق يعيشها الناس في علاقتهم بالحكومة دون ان يجدوا منبراً مناسباً يوصلون من خلاله صوتهم.. الدكتور نافع من جانبه تقبل الهجوم الذي وجهه له المهندس «بوشي» بذات الروح الحوارية، وحرص على ان يرد على النقاط التي أثارها في معرض ردوده على المداخلات التي جرت في الندوة، وانتهت بذلك تلك الندوة مثل اية ندوة عامة بانفضاض الحضور.. والذي حدث بعد ذلك هو أن الكلمات التي تفضل بها المهندس «عالم» في تلك المداخلة القصيرة، وبعد ان وجدت طريقها الى المواقع الالكترونية السودانية تحديدا، قد تحولت بسرعة مذهلة إلى حديث يتناقله كل الناس، ومقطع يتبادلونه في بريدهم الالكتروني أو مواقع الفيس بوك واليوتيوب والتويتر، او في أجهزة الموبايل، مشفوعة بتعليقات متفاعلة بحماس مع هذه الكلمات التي حوت بالنسبة لهم «المختصر المفيد».. وما زاد من هذا التفاعل هو كون هذه الكلمات قد قيلت في وجه الدكتور نافع بما يمثله من رمزية لأنصار حزبه ولنظامه، وبما يمثله في ذاكرة الكثير من خصوم النظام بوصفه مصدر استعداء وحماسة للخصومة الزائدة والعداء السافر والظلم المبين.
٭ وبالمقابل هناك فريق من المتفائلين اعتبروا ما حدث دليلاً دامغاً على جدية نظام «الإنقاذ؟!» في التحول الديمقراطي والاستعداد لقبول الآخر والتحاور معه من موقع القوة والثقة بالنفس وبالتجربة، لا من موقع الضعف والخوف من الانهزام امام المنطق والحجة. وقد راهن هذا الفريق على أن سوءاً بأية درجة لن يمس المهندس «بوشي» ولا شيء يستدعي ذلك.. وقد استدعى هؤلاء من ذاكرتهم اقوالا وافعالا كثيرة في هذا الخصوص، مثل الدعوة للحكومة العريضة، واشتراك خمسة عشر «حزبا؟!» فيها، ودخول الاتحادي «الاصل» بجلالة قدره في الحكومة، واشتراك المهدي بابنه فيها، والصحف تقول ما تقول في حرية «تامة»، وحديث الرئيس عن أهمية وجود معارضة قوية، فضلاً عن الحديث عن عدم وجود معارضة تزعج الحكومة «قال قطبي المهدي رئيس القطاع السياسي في حزب المؤتمر الوطني انه لا توجد قوى معارضة في السودان، والسودانيون كلمتهم أجمعت بمشاركتهم في الحكومة العريضة، ومن بقوا لا يملكون مقومات لتكوين حزب دعك من تشكيل معرضة». أخبار اليوم، العدد «6176» والصحافة، العدد «6591» بتاريخ 2011/12/5م، وهكذا وهكذا، ولكن الذي حدث هو أنه في ظهر يوم الثلاثاء 2011/12/26م، داهمت مجموعة كانت مرابطة على مقربة من منزل المهندس «عالم» منزله، بعد أن اطمأنت الى عدم وجود شخص آخر معه بالمنزل.. فقد قامت هذه المجموعة المكونة من ثمانية أشخاص بحسب الروايات المتواترة بتسوّر الحائط، وهم يحملون عصي ومسدسات بينما ساعدتهم عربة بوكس عبرت امام المنزل واخذوه بطريقة «الاختطاف» لا الاعتقال، حيث شاهد المنظر بعض الجيران بينما لاذت العربة بالفرار، وقد ظل مكان اختفاؤه مجهولا بسبب النفي الذي وجدته أسرته من قبل جهاز الأمن حول علمهم باعتقاله، ولكنه تبيَّن وجوده بطرف الجهاز بعد الملاحقة المستمرة من جانب الاسرة التي انتهت بالسماح لوالدته باحضار بعض الملابس له، وأيضا كتابة طلب مقابلة بعد «15» يوماً، حسبما أورد موقع «سودانيز اونلاين» يوم أول من أمس.
٭ السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو لماذا اعتقال «البوشي» وبعد اسابيع من الندوة المذكورة؟ ولماذا بهذه الطريقة.. المثيرة للانتباه والشكوك؟!
فهو قد عبَّر عن وجهة نظره في منبر عام، ومُنح الفرصة من منصة الندوة، ورد عليه المتحدث فيها بما يعتقد أنه كافٍ ومقنع.. وتحدث البوشي عن حال البلد في ظل حكم الدكتور نافع وحزبه، وعن البطانة والمحسوبية والفقر ومواطني دارفور وهمشكوريب ودار السلامات والظلم والقهر. وهو ليس وحده الذي يقول بذلك، وإلا لما وجد حديثه كل هذه الرواج والصيت الذائع.. واذا كان كل من لديه مثل هذا الرأي يستحق الاعتقال والاختطاف على طريقة «البوشي» فإن على الحكومة العريضة أن توسع من مساحات سجونها لتأوي ملايين السودانيين الساخطين عليها.. ألقى خطيب «الجمعة» في احد مساجد العاصمة في خطبة عنوانها «السودان يحترق» كان قد خصصها لحال السودان بعد 23 عاما من حكم «الانقاذ»، حيث قال من بين ما قال: نحن امام كارثة، 23 سنة كل ما تم قد تم باسم الله، والله يصبر ويوشك الله ألا يصبر فإن القذافي قد فعل بقومه ما فعل 40 عاما باسم الكتاب الاخضر، وحسني مبارك فعل ما فعل بشعبه باسم العلمانية، وبشار الأسد يفعل ما يفعل بشعبه باسم القومية العربية، ونحن فعلنا ما فعلنا بقومنا من تمزيق للكتلة الاسلامية، وانتقاص السيادة الوطنية، واحياء النعرات القبلية باسم القرآن.. الخ.. وهناك الكثير الكثير الذي يُقال في منابر عديدة على هذا النحو وأكثر، بما يجعل معالجة الأسباب مقدمة على معالجة الظاهرة، فالجهر بالحق في وجه السلطان الجائر «او غير الجائر» هو من مطلوبات الدين القيّم، والسكوت عن الحق يصنفنا ضمن قائمة الشيطان الأخرس، و«سيد الشهداء حمزة ثم رجل قام الى امام جائر فقوَّمه فنهاه فقتله».. الخ والقرآن الكريم يأمرنا ان نتواصى بالحق قبل أن يأمرنا بالتواصي بالصبر.. اذن ما الذي فعله هذا الشاب حتى يحدث له ما حدث؟! ولماذا تسوَّر الحوائط والاختطاف والاخفاء؟! وكان بالامكان استدعاؤه بطريقة اجرائية عادية، واتباع صيغ العدالة المعروفة اذا كان هناك ما يلزم.. وهنا يبرز استفهام اهم من كل ذلك عن التكييف الشرعي والفقهي قبل القانوني والدستوري لما حدث، خاصة ونحن نرفع شعار دولة «المشروع الحضاري» والحكم بما انزله الله، ونعاهد الله وانفسنا ان نقتدي بالصحابة والتابعين وتابعي التابعين. نُسب للرئيس المخلوع نميري في لقاء المكاشفة الشهري الذي درج على مخاطبة المواطنين عبره عن استفساراتهم وآرائهم، نُسب اليه قوله عن مشروعية ما يقوم به جهاز أمنه ضد معارضيه السياسيين، بينما القرآن يمنع التجسس على الناس.. فقال: الآية بتقول ولا تجسسوا ولا تحسسوا، لكن نحنا حا نتجسس ونتحسس وننط الحيط كمان.. والعهدة على الراوي.
٭ من بين ما شغل تفكير الناس حول ما جرى للمهندس «بوشي» هو من الذي اصدر قراره باعتقاله، وكيف سيقوم باخراج العملية التي هي في نظر الغالب الأعم من المتابعين، لا تزيد عن كونها انتقاما منه على ما قاله في مواجهة الدكتور نافع في ندوة جامعة الخرطوم. هل سيُقدم للمحاكمة؟! وبأية تهمة ؟! وهل سيُطلق سراحه ام يبقى هكذا الى اجل غير مسمى؟! وتحت اي مسوغ قانوني؟! ومن الذي لديه المصلحة من غير الدكتور نافع في هذا الاجراء من اساسه؟! وما هو القانون الذي يحكم البلد؟!
وهل في فقه الجماعة أن قول الحق في وجه الحكام جريمة؟! هل الحكام مقدَّسون أم منزَّهون عن الخطأ حتى يتم تجريم منتقديهم؟! وأين هؤلاء من المقولة الشهيرة التي قيلت لأمير المؤمنين «لو رأينا فيك إعوجاجاً لقوّمناك بسيوفنا»؟!!
وأمير المؤمنين «رضي الله عنه» نفسه يقول لنا: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق