الاثنين، 6 فبراير 2012

مع حديث البشير2-2




أمهل وزير العدل محمد بشارة دوسة في أبريل الماضي، شاغلي المناصب الدستورية والتنفيذية وقيادات الجيش والشرطة شهراً لتقديم إقرارات الذمة، لإدارة مكافحة الفساد الحرام والمشبوه بالخرطوم ،متوعداً المسؤولين بمواجهة عقوبة السجن ستة أشهر أو الغرامة المالية إذا لم يمتثلوا للقرار.
وانتهت المهلة في مايو الماضي، ولم نسمع من وزارة العدل أن موظفاً أو مسؤولاً قد امتنع عن تقديم الإقرار، لكن بعد صمت طويل أعلن وزير العدل الأسبوع الماضي أن هناك تسعة آلاف إقرار ذمة تنتظر فرزها، وعقدت لجنة برئاسة الوزير ، ضمت مدير الشرطة، ورئيس آلية مكافحة الفساد ،ورئيس لجنة الحسبة والمظالم بالبرلمان،والأمن الاقتصادي ،لمناقشة فرز الإقرارات،وبالطبع جميعهم لديهم إقرارات ذمة ، فلا أدري كيف يشاركون في فرز تلك الإقرارات.
وتساءلت في هذه المساحة قبل أسابيع عن وجه الحكمة من إضفاء السرية ،التي ينص عليها القانون، على البيانات التي تحتويها إقرارات الذمة، بخلاف ما هو معمول به في دول العالم الأخرى، ومن شأن هذه السرية أن تفرغ القانون من الهدف الذي شرع من أجله.
وثمة خبراء يعتقدون أن قانون مكافحة الثراء الحرام به "ثغرات للتلاعب"، فإنه "لا يمكن أن تقدم إقرارات للذمة يراجعها موظفون تابعون لهؤلاء المسؤولين، حيث إن تلك الإقرارات لابد أن تقدم إلى جهة مستقلة لمكافحة الثراء الحرام والمشبوه، كما لابد أن تقدم الإقرارات علناً حيث إنها تقدم لجمهور الناخبين باعتبار أن المقصود من إقرارات الذمة الشفافية وليس السرية".
وقبل يومين كسر الرئيس عمر البشير ،خلال لقائه التلفزيوني مع الزميل الطاهر حسن التوم، حاجز السرية المفروضة على إقرارات الذمة ،فأعلن أملاكه على الهواء مباشرة ،فقال إنه يملك منزلين أحدهما في كافوري بالخرطوم بحري،وآخر في حي الطائف بالخرطوم، وشقة في مجمع النصر في شارع 63 بالعمارات، ومزرعة في مشروع السليت.
نشكر البشير على شفافيته في الإعلان عن أملاكه، وهذا يحسب له،ونرجو أن يقتدي به المسؤولون ويحددون أملاكهم علناً، ونأمل أن يبادر بذلك أعضاء لجنة فرز إقرارات الذمة وكبار رجال الدولة والحكم، حتى تكون سنة حسنة ،وقتلاً للشائعات ودحضاً للمعلومات الرائجة عن تضخم أملاك بعض المسؤولين خلال فترة وجيزة بعد تقلدهم مناصب دستورية.
الرئيس البشير يعتقد خلال حديثه التلفزيوني أن نيابة المال العام والثراء الحرام، والإجراءات المالية والمحاسبية، والمراجعة الداخلية، ثم آلية مكافحة الفساد كافية لمحاربة الظاهرة،لكن العبرة ليست بوجود أجهزة وإنما فاعليتها واستقلالها وبعدها عن التأثير والتدخل السياسي،ولذا فالحاجة الى جسم مستقل ضرورة لطمأنة الرأي العام أن هناك آلية قومية ليست ملونة سياسياً،وعلى رأسها شخصيات مستقلة مشهود لها بالنزاهة والاستقامة،فالآليات القائمة يمكن أن تعمل بطريقة روتينية لمتابعة ما يرد في تقارير المراجعة والتعامل معها حسب القوانين السارية،ورغم ذلك، فإن ثمة من يشكك في أن القائمين عليها موظفون سياسيون وليسوا مهنيين مستقلين.
وهناك أمر يجب العمل به هو تفعيل من أين لك هذا ؟،فكثيرون من شاغلي الوظائف العامة بدت عليهم مظاهر الثراء وتضخم الثروة خلال فترة وجيزة،وهذه حالات لا يمكن التعامل معها عبر الوثائق أو تقارير المراجعة،فمن يستغل منصبه ونفوذه يصعب ضبط تجاوزاته،وقد أوقف الخليفة الراشد سيدنا عمر رضي الله عنه موظفاً في بيت مال المسلمين "وزارة المالية" بعد فترة قصيرة من خدمته،وحقق معه ولم يجد شيئاً عليه لكنه فصله بعد ما لاحظ أنه بات يأتي بلباس جديد، وقال لمن سأله عن سبب عزله للموظف، ان الدنانير أبت إلا أن تطل برأسها،فكم عمارة وشركات وأموال أطلت برأسها في العهد الحالي.
الشعور بأهمية مكافحة الفساد وتحريك الآليات التي تحاربه والتعهد من قيادة الدولة بعدم التستر على المفسدين وأن لا كبير على القانون خطوة إيجابية نأمل في ترجمتها عملاً وفعلاً. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق