الأحد، 5 فبراير 2012

مع حديث البشير 1-



الحركة الإسلامية في السودان نتاج حركتين إحداهما برزت في المحيط الطلابي تحت مسمى "حركة التحرير الإسلامي،" والأخرى برزت في المحيط المجتمعي تحت اسم " الإخوان المسلمين " نتيجة لظروف نشأتها كامتداد لحركة الإخوان المسلمين " في مصر في منتصف الأربعينيات ، وعرفت الحركة بعد ذلك بالإخوان المسلمين ثم جبهة الميثاق الإسلامي في الفترة 1965- 1969م ، كما عرفت في الجامعات باسم " الاتجاه الإسلامي، ثم في الفترة 85/1999م اختارت اسم الجبهة الإسلامية القومية ، وفي جميع الحالات كانت الحركة الإسلامية " الإخوان المسلمون " هي النواة الأساسية لهذه التجمعات .
الحركة الإسلامية حركة أنداد ونظراء على مستوى القيادة ، لذا كان التداول في السلطة من سنتها حيث ظلت ماضية مع تغير القيادات من الأساتذة علي طالب الله إلى الأستاذ المرحوم بابكر كرار، إلى الأستاذ محمد الخير عبد القادر، إلى الأستاذ الرشيد الطاهر وانتهاءً بالدكتور حسن الترابي والأستاذ علي عثمان محمد طه .
كما عرفت الحركة الإسلامية الانشقاقات وإن ظل التواصل الاجتماعي قائماً بين عضويتها، ولم تؤد الانشقاقات إلى عداوات منذ الانشقاق الأول على عهد الشيخ علي طالب الله، ثم عزوف الجماعة المؤيدة لخط التنظيم الدولي والمبايعة على العمل تحت قيادة الترابي، ثم الانشقاق الذي قاده الأستاذ صادق عبد الله عبد الماجد في إطار هذا الخط، والذي ما يزال ساريا تحت قيادة الدكتور الحبر نور الدائم، ثم الانشقاق الأخير بين المجموعة التي انحازت لمشروع الحكم وقيادة الدكتور الترابي
حينما اعتلت الحركة الإسلامية سدة الحكم في يونيو 1989م كانت قد تراكمت فيها ولديها خبرات متنوعة وبرزت أولى الإشكالات مع حل مؤسسات الحركة الإسلامية قربانا للتحول الجديد، أما كبرى الإشكالات فتمثلت في ازدواجية القيادة ما بين قيادة معلنة بقيادة الرئيس عمر البشير وقيادة باطن بقيادة الدكتور الترابي، وأدت ازدواجية القيادة إلى الانشغال عن المؤسسية والشورى، ثم إلى انشقاق الحركة الإسلامية ابتداءً من عام 1999م .
ومهما يكن من حجم الإنجازات، إلا أن التباطؤ في تداول السلطة وإشاعة الحريات عقّد وضع السودان كثيرا،وثمة عدم قدرة على أداء تمارين تداول السلطة وتدوير النخب والتعاقب في إبراز القيادات مما أدى إلى " تكلس" قيادي وإضعاف المؤسسية والشورية وبروز ظاهرة " شخصنة السلطة "،وانكفاء المجموعات الحاكمة على نفسها وبات حذر كل مجموعة من الأخرى معطلا للتغيير والاصلاح.
ومنذ بروز الحركة الاسلامية الحاكمة من جديد وانتخاب الأستاذ علي عثمان محمد طه أمينا عاما في أبريل 2004 ،ثم في أغسطس 2008،ظل بعض قادة الحكم وخاصة بعض المتنفذين في حزب المؤتمر الوطني ينظرون اليها بعين الريبة والشك كأنها تنظيم ضرار باطني لم يعد له مبرر، ويسعون لتغييبها أو حلها منعا للازدواجية،كما يعتقدون،بينما ترى الحركة أو غالبية قياداتها أنها مرجعا للاسلاميين.
ويبدو أن التيار المناهض لاستمرار الحركة الاسلامية كسب الرئيس عمر البشير ،فحديثه التلفزيوني عن المذكرة عكس موقفه الحقيقي من اخوته ،فعندما سئل عن مذكرة الاسلاميين التي تدعو للاصلاح، رد بتوتر وغضب لم يستطع كتمه، قائلا ان من وقعوا عليها، ولو كانوا ألفاً فإن عضوية المؤتمر الوطني، أكثر 5 ملايين شخص، مضيفا :" نقول لا وصاية على المؤتمر الوطني لا من موقعي المذكرات أو من يدعون أنهم أهل الحل والربط، لا أفراد ولا جماعات ولا كيانات"،وهو بلا شك يقصد بأهل الربط والحل والكيانات، الحركة الاسلامية،وهو يقول بصريح العبارة أي يا جماعة لا تفرضوا وصاية علينا.
موقف البشير أعاد للذاكرة حديثا مماثلا حينما تصاعد خلافه مع الترابي في العام 1999،وقال إن الحزب يحكم بحكومته لا بأماناته،في معرض انتقاده للازدواجية،وهو الآن له رأي واضح في الحركة الاسلامية ورغبته في عدم وجودها، ولذا فإن مؤتمر الحركة المقبل سيكون مفصليا يحدد مستقبلها فإما أن تتحول الى حركة مجتمع ودعوة،بعيدا عن شؤون الدولة، أو تدخل في مواجهة جديدة.
ولا اتفق مع البشير في تقليله من أصحاب مذكرة الاصلاح، فالموضوعي الحديث عن مضمون المذكرة والقضايا التي طرحتها،قبل تقييم الجانب الشكلي في طريقة طرحها،كما أن مقارنة عدد من يقفون وراءها مع عضوية المؤتمر الوطني غير عادل، فالعدد هناك يعتبر مؤشرا لا حجما،فالبشير يعرف أن من نفذوا التغيير الذي حمله الى السلطة كانوا نحو ثلاثمائة شخص.على كل، ان كانت هناك من ايجابية فإن المذكرة التي لا تزال مجهولة الابوين حركت مياها متجمدة، وطرحت بقوة الحاجة الى التغيير والاصلاح. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق