الأحد، 22 يناير 2012

احتكار المناصب.. تذمُّر البعض!!


احتكار المناصب.. تذمُّر البعض!!

أرسل إلى صديقطباعةPDF
تقييم المستخدم: / 1
ضعيفجيد

ندي محمد أحمد

الاحتكار لفظ عادة ما يرتبط بالاقتصاد، ومن أشهر القضايا في هذا الصدد تلك القضية التي رفعتها الشركات الأمريكية المتخصصة في تقنيات الحاسوب في مواجهة نظيرتها العملاقة (مايكروسوفت)، وربما كان للعلاقات الوثيقة بين الاقتصاد والسياسة دور في تشابه الآفات المشتركة بينهما، لينتقل الاحتكار إلى عالم السياسة بطرق شتى منها الاستئثار بالحكم على مكوِّن سياسي ما دون الآخرين لعقود متطاولة، أفرزت ثورات الربيع، أو ما يمكن تسميته بالاحتكار الداخلي، بحيث تظل شخصيات بعينها جاثمة على عدد من المواقع الحكومية لفترات تطول أو تقصر حسب الحال، الشيء الذي يؤدي لإقصاء مباشر لقيادات أخرى، ويحول بينها وبين التدرُّج السياسي، فضلاً عن أن الثبات في مواقع ما لفترات طويلة مدخل غير بعيد عن شبهة الفساد، أو المحاباة لأطراف على حساب الأخرى، وفي ذات السياق أصدر رئيس الجمهورية عمر البشير في العام الماضي قرارًا بمنع الوزراء من رئاسة مجالس الإدارات في المؤسسات الأخرى كالبنوك والشركات، أو الهيئات ذات الصلة بالوزارة المعنية، ومن ذلك الهيئة القومية للمواصلات التي كان يرأس مجلس إدارتها وزير الإعلام والاتصالات آنذاك الزهاوي إبراهيم مالك، وأشيع أنه كان يتقاضى أجرًا ضخمًا نظير ذلك، الشيء الذي استوقف جهات عليا أبدت استغرابها الأمر.
وللاحتكار تبعاته السياسية التي قد تؤدي لتصدع الحزب الحاكم، يُذكر أن عددًا من قيادات الحزب أشارت في أحاديثها الصحفية لذات المعنى مثل إبراهيم أحمد عمر الذي أفاد أن إزاحة الوجوه القديمة من السلطة أبرز محرّكات صُنَّاع مذكرة المؤتمر الوطني الأخيرة، ويؤكِّد هذا التوجّه الوزير برئاسة الجمهورية أمين حسن عمر بقوله إن رؤية الشباب لأشخاص بعينهم ظلوا يحتكرون القيادة هو السبب في ظهور المذكرة (مذكرة الألف أخ)، ودعا لضرورة مراجعة ذلك، مشيرًا لنفسه باعتباره ممن وُضع له أكثر من تكليف في أكثر من موقع.
(الكنكشة) في الواقع ليست قصرًا على المواقع الحكومية فقط بل تتعدّاها للمزاوجة ما بينها وبين المناصب في الحكومة، ومن الأمثلة الشاخصة للعيان تولي مسؤول لمنصب رفيع حتى داخل الحزب.. الجمع بين المهام الحكومية والحزبية قد يخصم من رصيد الأداء الحزبي أو الحكومي، وربما الاثنين معًا لا سيما إذا استصحبنا عامل السن في بعض الحالات، وهناك تكنهات صحفية ذكرت أن د. مصطفى عثمان إسماعيل قد يغادر موقعه كمسؤول للقطاع الخارجي في الحزب للتفرغ لملف الاستثمار الذي يتولّى أمره، بجانب متابعته إنفاذ اتفاق الشرق، ذلك أن الحكومة وبعد خروج إيرادات النفط عن خزانتها وتأرجح الاتفاق مع دولة الجنوب ـ حتى ساعة إعداد التقرير ـ حول هذا الملف تعول كثيرًا على تدفق الاستثمار وتحقيق أقصى المكاسب الاقتصادية منه.
وفي رؤيته لهذه القضية يشير المفكِّر الإسلامي المعروف حسن مكي إلى أفضلية الجمع بين المنصبين أو الوظيفتين بشرط أن يكون ذلك طوعيًا (بدون أجر)، بمعنى أن يتقاضى الشخص المعني أجرًا واحدًا فقط، وبسؤاله عما إذا كان المسؤولون ذوو المناصب المتعددة يأخذون أكثر من أجر رد بالقول: لا أدري، وأضاف أنه لا يجوز في المناصب العامة أن يتقاضى الفرد مرتبين من وزارة المالية، وذهب في حديثه لـ (الإنتباهة) إلى أنه وفي هذه الحالة من الأنسب توزيع المهام والمسؤوليات.
ومن الوقائع التي تشير للتشبُّث بالمناصب ما ترويه قصة أحد الولاة مع قرار البشير الأخير بإلغاء عدد من الهيئات وتحويل مهامها للوزارات، ذلك أنه كان يرأس مجلس إدارة إحدى الهيئات، وعندما أعلن القرار جاء للخرطوم مستشفعًا بمسؤول نافذ، ولما لم يجد له مخرجًا توجّه تلقاء مسؤول آخر أكثر نفوذًا فأبلغه بأنه لا مجال في قرارٍ تم إعلانه، وبالعودة لمكي بشأن الربط بين المهام الحزبية والحكومية ذهب إلى أن الجمع في هذه الحالة من الممكن أن يساعد في تصريف الأعمال، باعتبار أن المسؤول في الحزب أقدر على تنفيذ سياسات حكومة الحزب، وفيما يلي الجانب السياسي تحدَّث مكي في حواره مع (الراية القطرية) عن وجود تململ في المؤتمر الوطني نتيجة للثبات النسبي في القادة القائمين بأمر التنظيم السياسي للحزب، بروز ظاهرة التململ يسندها أن وجوهًا بعينها ظلت تحتكر الاستيزار طيلة سني الإنقاذ (الاثنتين والعشرين)، فهل تشفع أزمات الحرب والاقتصاد التي تواجهها البلاد في أن يعيد الحزب الحاكم حساباته عن معايير توزيع المهام بالحزب والحكومة؟ أم ماذا؟.

إضافة تعليق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق