الثلاثاء، 1 مارس 2011

بئس الإمام .. إذا ما كان ضالاً أو مُضِلاً!!


بئس الإمام .. إذا ما كان ضالاً أو مُضِلاً!!
سليمان الأمين
منذ تداعيات الأحداث في ليبيا وغر في روعي أنها شأن داخلي ليبي ينبغي عدم التدخل فيه إلا بالحسنى ومحاولة إصلاح ذات البين على الرغم من أنّه يعتصرني الألم المضيض على كل قطرة دم ليبية سالت أيّاً كان انتماءُها. ويقيني الراسخ بأن الشعب الليبي العظيم يملك من الوعي والإرادة ما يؤهله لتجاوز هذه المحنة وستخرج منها الجماهيرية الليبية أقوى شكيمة وأصلب عوداً، ما زاد حزني وألمي هو خروجي من ليبيا قبل يوم واحد من بداية الأحداث، وليتني لم أخرج ليتني كنت هناك! على الأقل كان سيتثنى لي أن أكون في عين الحدث وعليه يكون تقديري وحكمي أكثر دقة ومهنية. صحيح انهالت السكاكين من السياسيين والقنوات الإعلامية ذات الأجندة وهذا طبيعي، وهذا مبحث مختلف أعود إليه إن شاء الله في سياقه، ولكن ما أدهشني جداً هو هذه الهبّة الغريبة من بعض أئمة المساجد الذين تحولوا فجأة إلى ثوار، لقد كدت أصعق وأنا أسمع بعضهم وهو يجأر بالقنوت في صلاة الصبح وبصوت جهير غير معهود ويدعون بالويل والثبور وعظائم الأمور على القائد معمر القذافي ويحرضّون عليه شعبه ويحثون حكوماتهم على أن تتخذ موقفاً عدائياً تجاهه، وبعض هذه المساجد جعلت من الأحداث في ليبيا موضوعها الأساسي في خطبة الجمعة ولكن برؤية ليس فيها ثمة موضوعية ولا يجوز أن تجيير منبر الصلاة بكامله لرؤية سياسية أحادية خصوصاً وخطيب الجمعة لا يجوز مقاطعته أو الاعتراض عليه، واستدعوا في خطبهم كل الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تحرِّم الظلم والتظلم والقهر واستعباد العباد وفصلوها مقاساً على القائد معمر القذافي دون أن يطرف لهم جفن أو يصدهم بعض من ورع يحتم عليهم النظر في الجانب الآخر بهدف العدالة ومصدر آخر لدهشتي أن هؤلاء الأئمة، يحفظون هذه الأحاديث ويستخدمونها بسلاسة، فكيف لم ينطقوا بها من قبل وكأن الظلم قد بدأ بمعمر القذافي وانتهى به! لا يشيرون إليها أبداً من قريب ولا من بعيد عندما يتعلق الأمر بالظلم الممارس من أنظمة عصاتها الغليظة قريبة من رؤوسهم وخناجرها المسمومة قريبة من أعناقهم وذهبها يصب في جيوبهم، فيتحولون إلى مخلوقات مدجَّنة! لهم القدرة على التلوّن ويلبسون لكل موقف لَبُوسه! وإلى وقت قريب كنت أعتقد أنهم لا يحفظون غير الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي يؤولونها بالدعوة إلى طاعة ولي الأمر والسلطان ذي الشوكة وعدم الخروج عليه، مثل الآية الكريمة "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم .." أو الحديث الشريف ما مضمونه "من رأى من إمامه ما يكره فليصبر، وعندما يجيء السؤال "أو لا ننابذهم بالسيوف؟" تجيء الإجابة: لا .. ما أقاموا الصلاة" وبلفظ آخر "أطيعوهم ما أقاموا الصلاة " كان هذا ديدنهم على المنابر فما الذي حدث! وأعتقد ولا أجزم أنهم يتفادون ذكر بعض الآيات الكريمة التي تشير سلباً إلى بعض أنظمة الحكم كتلك التي جاءت على لسان بلقيس "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة" وصدقها القرآن بقوله ، "وكذلك يفعلون" ومصدر اعتقادي دون الجزم حتى أكون منصفاً، أنني لا أسمعها تتلى في الصلوات الجامعة أو الراتبة. بل أن بعض هؤلاء وممن خلعوا على أنفسهم لقب العلماء، وإلى جانب تحريمهم القاطع للخروج على ولي الأمر! قد أفتوا من قبل بحرمة التظاهرات وصنفوها رجساً من عمل الشيطان مبررين ذلك بأنها إنما تشغل عن ذكر الله! فما الذي جعل التظاهرات يا ترى في ليبيا من صميم ذكر الله والخروج على الإمام ليس خروجاً من الملة يستوجب الحد؟! ولو طبقنا معيار إقامة الصلاة على القائد معمر القذافي لوجدناه ربما هو الوحيد الذي يتمتع بميزة إقامة الصلاة حقيقة ومجازاً وبإمامة المصلين، وتحويل الصلاة إلى أداة للرد على التطاول بالإساءة على شخص النبي الكريم (ص)، وأداة لاستنفار العالم الإسلامي لنصرة النبي الخاتم(ص) ليس من خلال التظاهرات الغاضبة، تثور ثم لا تلبث أن تهدأ مثل فورة البيبسي كولا. ولكن من خلال الصلاة الجامعة في المولد النبوي الشريف التي صارت تعقد سنوياً ويؤمها المسلمون من كل أنحاء الدنيا، في الوقت الذي سكتت فيه معظم الأنظمة وابتلعت إهانة الدولة الدنماركية وتعليلها السمج الذي يعزو السماح بنشر الرسوم الكرتونية المسيئة للنبي الكريم (ص) لحرية التعبير! ولكن كان رد القائد معمر القذافي مختلفاً واتجه إلى الرد العملي بجمع المسلمين وبعث الحواضر الإسلامية ونفض غبار التاريخ عنها، وفي وعاء رابطة قبائل الصحراء الكبرى، اجتمع المسلمون في تمبكتو بدولة مالي وأغاديس في شمال النيجر وصلى خلفه ما يزيد عن المائة ألف من كل قارات العالم، والثالثة كانت في العاصمة اليوغندية كمبالا حيث ارتعب العالم الصليبي وهو يرى هذه الآلاف المؤلفة من مسلمي يوغندا يخرجون من غياهب النسيان وقد ارتفعت معنوياتهم، وكأنه يوم ميلادهم وهم يرون إخواناً لهم من كآفة بقاع العالم الإسلامي ما كانوا يعلمون بوجودهم على الخارطة. قولوا لي بربكم أيها الأئمة، أيهم أقوم للصلاة وأحق بالطاعة بذات المعيار؟ الذي يقف أمام هذه الجموع الغفيرة ويعطيهم ظهره مطمئناً، والخطر ماثل مهما كانت درجة التأمين ثم يقرأ من طوال المفصّل دون لحن، أم أولئك الذين يأتون الصلاة على استحياء ومكانهم في الصف الأول على سبيل الوجاهة ولا يحفظون من القرآن إلا قليلاً، أما إذا قرءوا ألجمتهم العُجمة رغم أنهم عرب أقحاح! ولو حاكمنا القذافي بمعيار الدعوة، فجمعية الدعوة الإسلامية العالمية والتي تصرف عليها ليبيا من صندوق الجهاد "وهذا بالمناسبة ليس من خزينة الدولة" لم تترك مكاناً على ظهر البسيطة إلا ولها فيه بعثة للدعوة، وترجمت معاني القرآن الكريم إلى كل لغات الأرض الحية وبنت المساجد في البقاع المنسية من بلاد المسلمين حيث لا إعلام ولا دعاية، ويشهر المئات من المهتدين إلى الإسلام "الله أعلم بسرائرهم" سنوياً أمام القائد معمر القذافي في كل مناسبة بالطبع لن يُطلب من هؤلاء الأئمة التسبيح بحمد القائد معمر القذافي كما يفعل بعضهم مع غيره، والتاريخ راصد لكل شيء، ولكن بعض الإنصاف في حق الرجل، وبعض الشهادة لله "ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه .." وليعلموا أن علماء السوء إنما تُسجَّر النار يوم القيامة، أسأل الله أن ينجينا منها جميعاً. ولشعب ليبيا العظيم أقول وقلبي يتفطّر ألماً، ألا مناص من حقن الدماء والتفاهم بينكم، ولديكم إرث عريق من السلطة الشعبية والديمقراطية المباشرة مهما كانت عثرات التطبيق التي صاحبتها لكفيلة بأن تشكل منصة جيدة للحوار والتفاهم دون إقصاء وينال كل ذي حق حقه وهي مناط بها تصحيح المسار ، ومن كل قلبي أتمنى لليبيا الحبيبة الاستقرار والتقدم والنماء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق