انهارت واختفت دولة الأمن والمخابرات بمصر؛ بعد أن حكمت قرابة نصف قرن منذ يوليو 1952م، الآن دخلت مصر عهداً جديداً ومرحلة جديدة ببناء دولة المؤسسات الديمقراطية والحريات العامة، بعد أن ناضل الشعب المصري من أجل التغيير وإزاحة القبضة الأمنية الرهيبة.. مولانا السيد/ محمد عثمان الميرغني (رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل)، ظل صامتاً منذ اندلاع الثورة الشبابية في 25/ يناير الماضي، وبعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك.. ونحن نتساءل لماذا هذا الصمت؟ من المعروف أن مولانا مرشد الطريقة الختمية له علاقة خاصة وذات طبيعة إستراتيجية مع مصر منذ تاريخ بعيد، وقد حُظي بتقدير واهتمام خاص من الأجهزة السياسية والأمنية الحاكمة، وله علاقات ممتدة مع كثير من القيادات السياسية والأمنية أمثال الدكتور/ يوسف والي واللواء/ عمر قناوي على التوالي.. وهناك اعتقاد لا يشوبه الشك من الأجهزة الأمنية بأن مولانا هو رجل مصر الأول في السودان، وأنه حليف مهم يجب المحافظة عليه ودعمه سياسياً ومالياً.. الآن فقد مولانا الميرغني (بعد ثورة 25 يناير) داعماً أساسياً وراعياً مهماً يصعب تعويضه، وبالتالي فقد مولانا الميرغني الزخم السياسي الكبير من هذا الحليف الإقليمي ذي الارتباط التاريخي بالطريقة الختمية، خاصة من جانب الأجهزة الأمنية الممسكة بملف السودان.. الآن مولانا الميرغني في ورطة حقيقية، إذ يعتمد على مصر في تحركه السياسي الداخلي أو على المستوى الإقليمي.. إذ يجابه مولانا امتحاناً في تفعيل دوره الحزبي والسياسي بعيداً عن الدعم الإقليمي السابق.. إن وجود مولانا خارج البلاد الهدف منه إعادة ترتيب أوراقه التي تبعثرت مع ثورة 25 يناير، ولكن الظروف الحرجة التي تمر بها بلادنا تستدعي من كل قائد سياسي الوجود والإقامة داخل البلاد؛ للمشاركة بالرأي والحوار مع الآخرين للخروج من عنق الزجاجة.. كيف لزعيم سياسي أن يتعامل مع الحراك السياسي بالداخل من الخارج؟ عندما أراد المؤتمر الوطني أن يقدم الدعوة لمولانا لابتدار الحوار الوطني مع الحزب الاتحادي الأصل؛ سافر مستشار رئيس الجمهورية البروفيسور/ إبراهيم أحمد عمر إلى المملكة العربية السعودية (مدينة مكة المكرمة – مكان إقامة مولانا) لمقابلته ومناقشته حول هموم المرحلة في البلاد بعد انفصال الجنوب.. هذه صورة مضحكة ومبكية في آنٍ واحدٍ، وتمثل جانباً من أزمة الأحزاب السياسية السودانية التي يحمل رأيها وقرارها شخص واحد فقط لا غير.. إن غاب هذا الشخص يغيب الحزب .. كيف لزعيم سياسي أن يتابع الملفات السياسية والحزبية بالريموت كنترول من على البُعد. يجب لمولانا الميرغني أن يغير من طريقته في العمل السياسي قبل فوات الأوان، وإلا سيغمره الطوفان الحزبي الطامع للتغيير وبتركه بعيداً عن دائرة الفعل والقرار.. إن إرسال مولانا الميرغني بالفاكس قائمة بأعضاء الحزب في لجنة الحوار مع المؤتمر الوطني؛ فيها إهانة لكل أعضاء الحزب، ويؤكد ذلك بأن عضوية الحزب لا رأي ولا قرار لها في الشأن الحزبي، وليس هناك مؤسسة سياسية حزبية تجتمع لتقرر من ترشح في هذه اللجنة.. بل يمكن للمراقب أن يشكك في وجود مؤسسة حزبية من أساسه.. كيف لحزب يريد أن يحكم البلاد، وأن يدار بهذا الشكل في القرن الحادي والعشرين.. إن الإصلاح السياسي في البلاد يبدأ من الإصلاح الحزبي، وأن شعار التغيير المطلوب على مستوى الحكم يجب أن يبدأ من الأحزاب السياسية التي تدعي الديمقراطية وهي تفتقدها داخل كيانها.. حكم البلاد هي مسؤولية الأحزاب السياسية وليس منظمات المجتمع المدني، لذلك يجب على أحزابنا أن تبني نفسها وتنتج برامجها السياسية والخدمية قبل التفكير في الحكم وحتى نخرج من الدائرة التي ندور حولها قرابة الـ 50 سنة، وفيها ضياع لآمال وطموحات شعبنا العظيم.. على الاتحاديين الأحرار الاستعداد والنضال والتضحية لخوض المعركة الأخيرة من الحرب الطويلة لأجل استعادة ألق وبريق حزب الحركة الوطنية من أيدي أشخاص اختطفوه في غفلة من أهله. اللهم قد بلغت فاشهد |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق