الأربعاء، 9 مارس 2011

المعارضة ما بين النعومة والخشونة

الرهان على المعارضة رهان خاسر، فإذا تتبعنا مسيرتها طوال فترة حكم الإنقاذ نجدها اكثر قوة ومنعة فى المنابر وعبر الفضائيات والندوات. والمستمع الى حديث قيادات المعارضة يشعر بأن النظام زائل غدا لا محالة، وانه نظام هش وضعيف لا سند له ولا قوة، بالرغم من وجود معارضة مسلحة عجزت تماماً عن ضرب النظام فى مقتل، ثم ما لبث داء الخذلان ينخر فى عظام التجمع الوطنى ليبدأ تهاوى بعض قياداته «كجزوع نخل خاوية»، واصبحت مثل قطع الشطرنج يحركها النظام كما يشاء، خاصة بعد أن تمكن من اختراق الأحزاب وبعثرتها، وجعل كثيراً من قياداتها تصنع أحزاباً وهمية وتنخرط فى الحكومة أو تسعى لنيل عضوية الحزب الحاكم، لينالوا مناصب حتى وإن كانت صورية، ليصبحوا بعدها بوقاً للنظام بعد أن كانوا أعداءً له يستنفرون الشباب ويحركون الخارج ويحرضونه ضد النظام، ونالوا مقابل ذلك الدعم والتأييد ولكن ماذا بعد ذلك؟
بعد الانقسامات التى طالت الاحزاب والمشاركات الفردية لعضويتها فى النظام، ما تبقى منها أصبح عاجزاً تماماً كما يقولون «عين فى النار وعين فى الجنة» مترددين بين المشاركة ونيل امتيازات السلطة، وبين نيران المعارضة، فالمعارضة أصبحت متذبذبة ومتأرجحة وضلت الطريق، وأصبحت تائهة، فهي تهدد باقتلاع النظام بالقوة عبر الجهاد العسكرى، ثم تتخلى عن مبدأ القوة، وتتحول الى لغة تهديد خجولة عبر انتفاضة شعبية او جهاد مدنى. فهذه التحولات تكشف عجز المعارضة اذا تناولنا احزابها التى دخلت فى اتفاقيات ثنائية مع المؤتمر الوطنى تم الاخلال بها، او اللقاءات والحوارات التي تأخذ الطابع الثنائى. ولا أريد أن أقول ان الحزب الحاكم ادرك اين تكمن نقاط ضعف تلك الاحزاب، ولهذا تمكن من استغلالها لتعريتها وفضحها. وللاسف لا استثنى حزباً فجميعها وقعت فى الفخ، وكان الطعم الذى سال له لعاب كثير من قيادات الأحزاب المعارضة.
وتحول نهج المعارضة كما قال رئيس حزب الأمة القومى من المعارضة الخشنة الى معارضة ناعمة، وهذا التحول يؤكد انها كما نقول بالدارجى «جرت واطى» مع أن تصريحات بعض قيادات الحزب الحاكم تستهين بها وتضعها فى خانة الضعف والعجز والهوان، ولهم الحق في ما يقولون «نسمع ضجيجا ولا نرى طحينا». وحقيقة الأحزاب «جابتو لنفسها»
ولا بد من تحركات تغير الواقع وتصلح الحال، بعد أن ارتفعت وتيرة قضايانا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فقد وصلنا مرحلة اختلت فيها كل الموازين، واختلط الحابل بالنابل، والمعاناة وصلت قمتها بعد أن اكتسح الفقر المجتمع، وطفت على السطح ظواهر اجتماعية لم نعرفها من قبل، فهذه المرحلة التى تمر بها البلاد مرحلة حرجة ومفصلية، ويجب أن تبدأ الإصلاحات ونبتعد عن الخطب واللقاءات الجماهيرية والهتافات والشعارات الجوفاء، فهذه المرحلة تحتاج الى افعال وليس اقوال، والنزول الى الشارع والقرب من قضايا المواطن، ولتكن القرارات بردا وسلاما عليه، والابتعاد عن القرارات التى تهد كاهله، وتسعى الى قضم وسطه، مع تجريد معظم المسؤولين من امتيازاتهم حتى يمكن العبور وانتشال البلاد والعباد من هذا الدرك السحيق الذي وجدوا انفسهم فيه.
لا أقول يجب تجاوز الأحزاب فى معركة الاصلاح، ولكن الاحزاب اذا سارت بذات النهج المتذبذب حتما سيتم تجاوزها كما حدث فى مصر وغيرها من الدول العربية، وتمكن الشباب من اقتلاع انظمة الفساد والقهر والاستبداد دون اللجوء الى حزب او وضع ترتيبات مسبقة معه، بل تفاجأت الاحزاب بهذه القوة الشبابية التى كانت فى حالة كمون ثم انفجرت، فالأحزاب الآن فى حالة غيبوبة إذا لم تفق منها سيكتب لها الموت.
والأنظمة الحاكمة عليها أن تعود إلى الشارع، فهو سندها الوحيد، وهو القادر على التغيير وخلع الرؤساء الذين تجاهلوا الأغلبية الكادحة والصامتة، وزين لهم أن صمتها عجز وسكونها خضوع وخوف، فلا بد من إصلاحات فورية تنسجم مع الواقع الجديد، وتجعله مشاركاً وفاعلاً يتمتع بحقوقه كاملة غير منقوصة، وإذا لم يحدث التغيير والإصلاح فهنالك رياح آتية من أجل إعادة التوازن الاجتماعى وخلق نظم جديدة متجردة تسعى لخلق روح البناء والتطوير من أجل نماء المجتمعات، وهذا ما ينشده جيل اليوم الذى صقلته المعاناة، فعلى الأحزاب والأنظمة أن تعي الدرس، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق