الأربعاء، 9 مارس 2011

رأي
عاصم عطا صالح: ٭ الحديث عن الإرهاب أشكاله ومسبباته ونتائجه بل وتعريفه تناولته العديد من الأقلام والدراسات وورش العمل ،بل أصبحت له أقسام في مراكز الدراسات لاستراتيجية وأجهزة الأمن في كل الدول المعنية به أو المكتوية بناره ومنها السودان ،خاصة بعد أن حصرت الاستراتيجية الامريكية بالنسبة للسودان في الحاضر والمستقبل اهتمامها بالارهاب وأهمية التنسيق والتعامل في هذا المجال. ورغم أن أمريكا حددت إستراتيجيتها نحو السودان والتي أعلنت عنها وزيرة الخارجية الامريكية بعد أن استكملت الجهات المعنية دراساتها حصرتها في الثلاث نقاط المعروفة والمعلنة وهى التعاون لتنفيذ اتفاقية السلام الشامل ثم حل قضية دارفور والتعاون لمكافحة الارهاب، وبما أن نيفاشا ودارفور في طريقها للوصول الى نهايات حاسمة إلا أن القضية الاساسية في الاستراتيجية الامريكية نحو السودان تظل هى قضية الارهاب لأنها القضية المستمرة والمتوقع لها أن تستمر لفترة غير محدودة. ولقد تقدم أحد الصحفيين بعد انتهاء مؤتمر استكهولم والذي كان من أهم المؤتمرات التي ناقشت قضية الارهاب، تقدم بسؤال للخبير الامريكي في شؤون الإرهاب وهو أحد الذين قاموا باعداد الدليل الامريكي للتعامل مع الارهاب سأله الصحفي كم ستدوم هذه الحرب ضد الارهاب فأجاب الخبير بأنها يمكن ان تستمر ثلاثين عاماً اذا احسنا التعامل معها ومائة عام إذا أسئنا التصرف.
وعلى هذا القياس فإن هذه القضية ستظل من أهم القضايا بالنسبة للأمن القومي السوداني وعلاقاته مع الغرب وامريكا على وجه الخصوص وهى تتطلب بالضرورة تضافر كل الجهود وأن لا تصبح مسؤولية جهة حكومية واحدة أو حتى حكومة أو نظام واحد ،فهى ستظل تؤثر على النظام الحالي والانظمة المتعاقبة على مدى عقود قادمة ولقد انعقد مؤتمر استكهولم المشار اليه في عام 8002 والذي شهد حضوراً مكثفاً من جانب الخبراء بأجهزة الاستخبارات والعسكريين ورجال الشرطة ودبلوماسيين وباحثين وصحفيين إلى جانب مندوبي المبيعات من الشركات التي تعرض آخر الاختراعات من الاجهزة والمعدات الخاصة بالحماية والتي تزداد الحاجة لها في عالم اصبح محفوفاً بالمخاطر. واختلف المجتمعون حول نقطة البداية وهى تصنيف أو تسمية الصراع بينما كان يطلق عليه الرئيس الامريكي بوش دائماً اسم الحرب على الارهاب فضل البعض تسميته بالتمرد أو العصيان وهى أيضاً ليست صحيحة تماماً فالصراع نفسه يشكل متاهة بالنسبة للجميع فالغرب وخصومه الاسلاميون مثلاً يخوضون سباقاً وتنافساً حول كسب الرأى العام الاسلامي وهو يشمل الرأى العام في اوساط المسلمين في المدن الغربية والاسلامية ويبقى السؤال الهام في اطار هذه المعركة التي تسعى لكسب العقول والقلوب هو كيف يمكن حماية المسلمين الذين يلتزمون بالقانون ويحترمونه مع مواصلة اتخاذ الاجراءات الصارمة بما في ذلك الأسر والقتل لاولئك الذين يلجأون للعنف. والسؤال الاكثر أهمية هل يمكن التأكد فعلاً من إمكانية التمييز بين النوعين من المسلمين وهنالك اختلاف في الحرب بين نظرة الامريكيين للصراع بإعتباره شكلاً من اشكال الحرب والاوروبيون الذين يميلون الى النظر اليه كأحد أصناف مكافحة الجريمة.
بل أن مؤتمر استكهولم كشف ان الاوربيين انفسهم ابعد ما يكونون عن الفهم الموحد بشأن تصورهم لقضية التطرف الاسلامي في اوروبا والكيفية التي يمكنهم عبرها حماية مجتمعاتهم ودولهم ،فهنالك اعتراف على نطاق واسع بأن كسب عقول وقلوب المسلمين امر يعني الكثير بما يفوق النجاحات العسكرية، فالمعركة الاكثر اهمية هى معركة الافكار.
وهنالك من يرى بوجود علاقة بين الديمقراطية والحرب على الارهاب وكلمة حرب اصبحت غير واضحة في هذا المجال لعدم إمكانية تحديد هدف مجموعات وليست دول ذات سيادة لشن الحرب ضدها أو فرض عقوبات عليها وهو عمل ليست له استمرارية ويتم على نطاق اضيق عن ما يحدث في الحروب المعروفة ولكنه ايضاً يختلف عن الجريمة، لأن العمليات التي توصف بالارهابية لها أهداف سياسية أبعد من الاهداف التي تكون حافزاً للنشاط الاجرامي.
والإرهاب ليس جديداً وقد ظهر في أماكن مختلفة وفترات مختلفة في التاريخ وتم أيضاً بواسطة آيديولوجيات متعددة وهو مرتبط بظروف سياسية وهناك اعتقاد لدى البعض في امريكا بأن انعدام الديمقراطية هو احد أهم اسباب انتشار الارهاب حيث تأثر الرئيس بوش بكتاب يوضح هذه الفكرة وهى من إعداد (Natan sharansky) والذي كان أسير حرب في الاتحاد السوفيتي واصبح بعد ذلك وزيراً باسرائيل حيث يرى بأن الديمقراطية تمنع أو توقف انتشار الإرهاب وإن غياب الديمقراطية وما يتولد عنه من قهر هو الذي يلهم ويحرض على الارهاب، حيث يصبح هو الطريق الوحيد للتعبير عندما تمنع الحكومات الوسائل السلمية والقانونية للتعبير. لذلك إن ازالة الدكتاتوريات واستبدالها بنظم ديمقراطية يعيد فتح القنوات السلمية للتعبير. وحسب هذا المفهوم فإن الاعمال الارهابية تهدف الى جذب اهتمام الناس للافكار والبرامج والتي لا تجد فرصة للتعبير عنها ولكن الديمقراطية لا تمثل بالضرورة حلاً مجدياً وشاملاً لمشكلة الارهاب على مستوى العالم ،بل أن الشواهد أوضحت بأن الاعمال الارهابية يسهل القيام بها في ظل الديمقراطية فالعمليات الارهابية انتشرت في دول اوربا الغربية الديمقراطية في الستينيات والسبعينيات مثل جماعة بادرماينهوف في ألمانيا الغربية والالوية الحمراء في ايطاليا والتي مارست العديد من الاغتيالات والاختطافات الى جانب عمليات أخرى كالتفجيرات التي أتهم في بعضها شباب مسلمون ولدوا وتعلموا في اوربا ،كل هذه العمليات قامت بها مجموعات تعيش في دول بها أنظمة ديمقراطية تمكن الجميع من الوصول للسلطة عن طريق الانتخابات الحرة الى جانب ان النظام الديمقراطي والانتخابات الحرة يمكن أيضا ان تمكن منظمات توصف وتصنف بأنها إرهابية من الوصول للسلطة مثل منظمة حماس في فلسطين.
واذا كانت الديمقراطية يمكن ان تقلل من انتشار العمليات الارهابية في نظر البعض فإنها تؤدي لتقييد سلطة الحكومات في مراقبة المنظمات والسيطرة على العمليات الارهابية.
فالنظام الديمقراطي يعطي الجميع مجالاً اوسع للحركة بما فيهم الارهابيون والسيطرة على الارهاب يمكن ان تتم بفعالية اكبر في الدولة البوليسية وربما يفسر ذلك ما حدث في امريكا بعد 11 سبتمبر والصراع بين الرئيس بوش والكونغرس حول التعامل مع المتهمين بالاعمال أو النوايا الإرهابية حيث رفض الرئيس التوقيع على قرار الكونغرس بمنع أجهزة الاستخبارات من استخدام بعض وسائل التعذيب في مذكرة اوضح فيها بأن هنالك ما يستدعي ان تكون لوكالة المخابرات اساليب استجواب سرية وفعالة في مواجهة الارهابيين والمشتبه بهم والذين لديهم معلومات هامة حول عمليات محتملة ضد امريكا، مضيفا بأن هذا البرنامج ساعد على إحباط هجوم معسكر للمارينز في جيبوتي والقنصلية الامريكية في كراتشي وخطط إرهابية لاستخدام الطائرات لضرب برج بمدينة لوس انجلوس ومطار هيثرو بلندن وكان بإمكان القاعدة النجاح في تنفيذ عدة هجمات داخل الاراضي الامريكية.
وإذا كانت امريكا التي تقود الحملة الدولية لمكافحة الارهاب تركز جهودها وتعتبر أن الحظر يأتي بصورة اساسية من جانب التطرف الاسلامي ومنظمة القاعدة على وجه الخصوص فهل نجحت في حربها ضد هذه المنظمات؟
لقد حققت أجهزة الأمن الامريكية والاوروبية نجاحات هامة في مجال تجنيد مخبرين وزراعة عناصرها داخل الجماعات الاسلامية في هذه الدول أى من اوروبا وامريكا مما مكنهم من تفكيك شبكات في عدة مدن منها ميامي ونيويورك ولندن وكوبنهاجن ولكن القيادة المركزية للقاعدة في باكستان وافغانستان ظلت محصنة بعد ان قامت بتشديد اجراءات الأمن وهى اجراءات اصلا متقدمة وفعالة.
ويقول الخبير الامني الفرنسي والمتخصص في مكافحة الارهاب لويس كابر يولي (اننا نواجه منظمة على درجة عالية من الانضباط خاصة وأنهم يعلمون سعينا لتجنيد وزراعة عناصر في صفوفهم).
أما الخبير الامريكي مايكل شوير والذي كان مسؤولاً عن الوحدة المكلفة بمتابعة تحركات بن لادن فيرى بأن أجهزة المخابرات الباكستانية والعربية والتي تتعاون مع امريكا في هذا المجال لها هموم اخرى تأخذ الكثير من وقتها وجهدها مثل متابعة القضايا السياسية الداخلية والمخاطر التي تهدد هذه الانظمة. ويضيف بأنه تعامل في خلال الفترة من عام 2991 وحتى تاريخ تركه للعمل بوكالة المخابرات المركزية في عام 4991م مع أكفأ أجهزة الأمن العربية لكنهم فشلوا في تجنيد مصدر واحد يمكن ان يمدهم بمعلومات قيمة وهامة عن قيادة القاعدة ولقد حاولوا بعد 11 سبتمبر استخدام اسلوب الإغراءات المالية بتخصيص مبلغ 52 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تمكنهم من الوصول الى بن لادن أو أى من الظواهري ولكن ذلك الاسلوب لم ينجح في دفع أى احد للتبليغ عنهم مما يؤكد فشل الأساليب التي كانت متبعة في مرحلة الحرب الباردة ضد هذه التنظيمات ،مؤكداً بأن الهدف الذي تحاربه الوكالة الآن اصعب كثيراً من السوفيت فهؤلاء الناس مؤمنون وهم يعيشون استناداً على إيمانهم الذي لا يستبدلونه بأية إغراءات مادية.
ويمكن في ذلك الاشارة للعملية التي قامت بها أجهزة الأمن الاسبانية بالقبض على 41 متهماً بتهمة التحضير لمهاجمة قطارات الانفاق في عدة مدن اوربية ولكن المحققين فشلوا بعد استخدام كل الوسائل في الحصول على اعترافات أو العثور على المتفجرات أو اية ادلة ضد المتهمين حتى اضطر الاسبان لكشف مصدرهم أمام المحكمة وهو مخبر باكستاني زرعته المخابرات الفرنسية في معسكرات تدريب الاسلاميين في باكستان ،الامر الذي اثار غضب الفرنسيين الذين فقدوا مصدرهم بعد ان اضطروا لسحبه من المعسكر.
ورغم ان الحديث عن التطرف الاسلامي وتهديدات القاعدة هو اساس الحملة العالمية ضد الارهاب وتركيز الاعلام على هذا الجانب، إلا أن هنالك منظمات ارهابية تمثل خطراً وتهديدا أمنياً اكبر باعتراف اجهزة الأمن الامريكية.
فاستناداً على تصنيف مكتب التحقيقات الفيدرالي F.B.I فإن منظمة نمور التأميل تعتبر اخطر المنظمات المتطرفة في العالم وان وسائل عملها هى التي ألهمت المنظمات المتطرفة في العالم ومنهم القاعدة، وهذه المنظمة هى التي طورت عملية استخدام التفجيرات الانتحارية بل هى التي اخترعت الاحزمة الناسفة وكانت اول من استخدم النساء في الهجمات الانتحارية.
ولقد عمم مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي على موقعه الالكتروني طلباً من كل دول العالم للتنسيق من اجل محاربة النشاطات السرية لهذه المنظمة والتي تجمع الاموال لتمويل نشاطاتها بواسطة هيئات تعمل تحت غطاء منظمات انسانية، ولقد استفادت منظمة نمور التاميل واستغلت الحملة العلمية لجمع الاموال لضحايا التسونامي لجمع أموال لاعمالها. ولقد تمكن جهاز F.B.I من القبض على عدد من عناصر هذه المنظمة في العام الماضي وتمت محاكمتهم بتهمة تصدير صواريخ ارض جو واسلحة اخرى ومناظير ليلية كل ذلك يدل على ان الاعمال الارهابية ليست بصناعة إسلامية.
نواصل في الجزء الثاني والأخير ونحاول الإجابة عن السؤال المهم وهو ماهو موقف امريكا اذا لم تتمكن من ضمان دعم السودان الكامل لها في حربها ضد الإرهاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق