استعرضت أمس الخلافات الأساسية التي وقعت للحركة الإسلامية السودانية منذ خلاف عام 1953 حتى مذكرة العشرة عام 1999. وهدفي تحليل الخلافات الحالية والمذكرات من منطلق موضوعي وعلمي ومنهجي ولأثبت أنها خلافات حقيقية ستؤدي حتما إلى متغيرات جوهرية في حاضر ومستقبل الحركة الإسلامية السودانية ونظامها الذي حكم عقدين ونيفاً، مثلما تغيرت الحركة خلال العقود الستة الماضية، فهذه طبيعة البشر وكياناتهم حتى الدينية لا تسلم منها ولعل التاريخ الإسلامي نفسه بعد عهد النبوة شهد تلك الخلافات الحادة وصلت حد الاقتتال بالسيف حتى بين الصحابة المبشرين بالجنة وزوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم قامت بعد الخلافة نظم وامبراطوريات إسلامية سادت ثم بادت منذ العهد الأموي حتى العهد العثماني اللذين حكما جزءا من أوروبا وانتهى العثماني في القرن الماضي وتمزق العالم الإسلامي ودخل في نفق التخلف والفقر والاستلاب الحضاري وإن بدأ ينبعث بوجه جديد مؤخرا.
الآن في السودان ومنذ فترة لا يلتقي اثنان وأكثر من عضوية بل قيادات في حركتهم الإسلامية حتى الذين ابتعدوا لقضاء شأن خاص أو عام سيما بعد مفاصلة (المنشية والقصر) إلا وكان شأن الحركة الإسلامية ونظامها الحاكم والبلد وما وصلت إليه من ترد سياسي واقتصادي واجتماعي وأخلاقي وأمني إلا كان في صدر النقاش ونهايته ومن ثمّ الدعوة والرغبة في عمل شيء ينقذهم ويخرجهم من النفق المظلم، ومع التدهور المستمر خاصة بعد اتفاق نيفاشا صار الأمر أكثر خطورة، ولعلي لا أذيع سرا إذا قلت إن الخلاف بدأ منذ ضربة د. الترابي في كندا عام 1991 وأنا أعلم كثيرا من خفاياه ولكنه تأجل ولم يحسم إلا بمذكرة العشرة لعدة أسباب يضيق المجال عن ذكرها. ولكن دعونا قبل تحليل المذكرات الأربع أو الخمس وليست الواحدة التي اشتهرت مؤخرا - وقد قرأت معظمها - أن نصف المشهد الخلفي لهذه المذكرات ودواعيها.
انقسم الإسلاميون بعد انقلابهم إلى عدة أصناف وتقسيمات أشهرها طبعا (المنشية – القصر) ولكن ثمة تصنيفات أخرى لا تغيب عن التحليل، ففي جانب أهل الحكم يجلس في أعلى القمة مجموعة قليلة متحكمة في وضع الخطط والبرامج والسياسات والتوجهات الداخلية والخارجية للنظام وتعيين (المطيعين) في المناصب، تدعمها أجهزة السلطة وقبلها شرعية تنظيمية اكتسبتها منذ قيام الإنقاذ، بل قبله لم تتغير بل استطاعت أن تزحزح (شيخها الترابي. وحول هذه المجموعة (السوبر تنظيم) العشرات يديرون دفة التنفيذ لا يبعدون ولو أخفق أو فسد بعضهم بل يتحوّلون من منصب إلى آخر في سائر المناصب المفصلية للدولة). ودون ذلك المئات من الموظفين بمستويات مختلفة وأصبح جميع هؤلاء من أعضاء الحركة موظفي إجراء أكثر من كونهم مساهمين في المشروع الإسلامي كما السابق، قبلوا بذلك إما بقناعة ساذجة بمشروع إسلامي (شعاراتي) أو رغبة أو رهبة. وآخرون وهم كثر ابتعدوا تماما سيما بعد مفاصلة 1999.
شهدت الحركة الإسلامية خلال هذه الفترة تحديات عظيمة ومواجهات من داخل السودان وخارجه خاصة بعد اتفاقية نيفاشا التي رآها الجميع أكبر نكبة وقعت على الحركة الإسلامية ونظامها الإنقاذي بل الوطن كله. فقد كانت النتيجة الحتمية لسوء إدارتها ومنهجها ووقوعها تحت الضغوط الدولية وخداعها عودة الحروب الأهلية بل توترات واحتقانات في معظم مناطق السودان وازدياد الضغوط والعزلة الدولية والتدهور الاقتصادي والمعيشي المستمر خاصة بعد انفصال الجنوب والخلاف حول البترول وأبيي وغيرهم ثم حراك المعارضة الكثيف، وأدى ذلك كله إلى شعور قواعد الإسلاميين وكثير من قياداتهم بقرب فشل وانهيار حتمي لمشروع الحركة الإسلامية الذي جاءت بانقلابها لأجله وقالت بفشل غيره، ويبدو أن نار الربيع العربي قد امتدت إلى كل العالم والسودان يقع في منطقة الضغط السياسي المنخفض. نواصل.
الأحد، 22 يناير 2012
مذكرات الإسلاميين وخلافاتهم "2"
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق