الخميس، 2 فبراير 2012

نحو إعادة بناء الشخصية السودانية

نحو إعادة بناء الشخصية السودانية
عادل ابراهيم حمد
في مستهل نشاطها الثقافي نظّمت (جامعة المغتربين) ندوة حول إعادة بناء الشخصية السودانية، أعدّها وقدّمها د. عبد الوهاب أحمد عبد الرحمن أستاذ التاريخ مساعد مدير الجامعة. يرى مقدم الورقة أنّ السودان وبعد تجربة حكم وطني لأكثر من نصف قرن، قد فشل في إقامة الدولة الوطنية الحديثة وتحقيق التنمية البشرية والإقتصادية والعيش في أمن و سلام و استقرار. و يعزو المحاضر ذلك إلى طبيعة الشخصية السودانية. لكن الورقة لم تعمد إلى تشخيص الحالة بقدر ما مالت إلى التوصيف فنعت على الشخصية السودانية ضعف انتماءاتها و ولاءاتها الوطنية وترجيح مصالحها الذاتية على المصلحة العليا للوطن والمواطنين. و بما أنّ زعماء و قادة و ساسة و مثقفي السودان الذين توالوا على الحكم هم أبناء البيئة السودانية ــ كما جاء في الورقة ـــ و نتاج طبيعي لمقوّماتها و مكوّناتها الجغرافية و التاريخية و تنشئتها الاجتماعية ونظمها التعليمية والتربوية وانحيازاتها الفكرية و الثقافية وانتماءاتها و ولاءاتها العائلية والطائفية والحزبية و العرقية القبلية الدينية و الجهوية، فقد ألقت هذه العوامل بظلالها القاتمة على إدارتهم و حكمهم للبلاد. ولكن مداخلات بعض الحاضرين قد عالجت ما بدا لي نقصاً في الورقة، فتساءل وزير الثقافة السموأل خلف الله: من يبني من؟ في استفهام تقريري يتحفّظ به على دعوة الورقة لنخب سودانية لإعادة بناء الشخصية السودانية رغم أنّ الورقة ذاتها تعتبر المثقفين السودانيين أبناء ذات البيئة المكونة للشخصية السودانية. أرى أنّ الشخصية السودانية ــ مع الإبقاء على التحفّظ حول وجود شخصية سودانية واحدة ــ هي وليدة بيئة بدوية، خرجت منها الشخصية التي تحمل سمات المجتمع البدوي من نبل وكرم وتكافل. و لكن لا بد و نحن نزعم العلمية في التناول من إدراك حتمية أخذ المنظومة بأكملها فنقر أنّ ما نعيبه على الشخصية السودانية هو أيضاً من ثمار البيئة البدوية التي أفرزت تلك الخصال الحميدة، و لذا يستحيل أن ننحو نحواً انتقائياً يكتفي بالدعوة لتثبيت مزايا الشخصية البدوية و تنجية عيوبها. ويقودنا هذا الفهم الكلي إلى معالجة تستفيد من حقيقة أنّ كل خصلة تحمل في داخلها عناصر و مقادير تجعل في الإمكان تحويل و تحوير الخصلة إلى مظهر و جوهر مختلفين فيتحول الإندفاع الزائد ــ مثلاً ــ إلى حماس مفيد. وبهذا النهج يمكن تحويل (المهلة) السودانية إلى تأني يفضي إلى التجويد. و تحوير (الأبوية) الراسخة في المجتمع السوداني ــ حتى أصبحت من سمات (المؤسسة) الحزبية ــ إلى سمة إيجابية من خلال دساتير حزبية تعترف بهذا الواقع بحيث لا نعيش المفارقة بين دساتير ديمقراطية و ممارسة ديكتاتورية. ويتم ذلك بنهج إصلاحى يتجنّب تماماً المنهج الثوري الذي لا يناسب الشخصية السوداني ذات الإيقاع البطيء . من سمات الشخصية السودانية التي تحتاج إلى إصلاح (النظرة الجزئية) التي تتقاصر عن رؤية المشهد من كل زواياه. وعلى هذه الملاحظة تفسر ظهور الدعوة أو التعبير عن الأشواق إلى انقلاب عسكري كلما ظهرت أخطاء في النظام الديمقراطي أو شكا الناس ضيقاً في معاشهم فيعبرون عن ذلك بأمنية (إن شاء الله ينط فيها عسكري) يحسم الفوضى الحزبية ويوفر الرغيف لأننا لا نأكل حرية. فإذا انبرى شخص يبصر بمخاطر النظام العسكري ويقدم أمثلة ونماذج مخيفة، نجيب بالفهم الجزئي المشغول بجزئية محددة (للزمن داك يحلها ألف حلال) و هي عبارة شائعة عندنا تعبر عن اعتراف ضمني بقصور في الطرح البديل وتنتظر قدوم الحل من طى الغيب. و تميل الشخصية السودانية إلى إبقاء الحال على ما هو عليه وهي صفة تنسجم مع الشخصية البدوية الكسولة ولذا يكون الحديث عن رفع معدلات الإنتاج غير ذى جدوى إذا اكتفى بتعميم عن ضرورة الإنتاج وكيف أنّ العامل الياباني ينتج أضعاف أضعاف ما ينتجه العامل في السودان. عموماً يمكن القول إنّ أخطر محاولات معالجة الشخصية السودانية هي محاولة (تركيب) شخصية غريبة في المواطن السوداني فتبدو الشخصية المقترحة مسخاً مشوّهاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق