تعقيباً على المحاضرة التي قدمها الأستاذ غازي صلاح الدين بقاعة الشارقة بتاريخ 18 يناير 2012، برعاية من صحيفة الإنتباهة لسان حال منبر السلام العادل، نورد هنا وباختصار – قد يكون مخلاً – بعض الملامح من قارئ متابع لما يكتب في الساحة الإسلامية وغير موافق على منهج وأسلوب وآليات الحركة الإسلامية تجاه مواطنيها وشعوبها بغض النظر عن معتقداتها. فالمواطنة والتواطن هي أس الأديان عامة والإسلام على وجه الخصوص. وقد استبعدنا الألقاب العلمية والأدبية ذات التخصص من مجال السياسة والعمل العام ونأمل أن يحذو حذونا الآخرون عفا الله عنا و عنهم. 1. لقد أطل علينا السيد غازي بلسان جديد، عفيف وحاذق لم نتعوده من إخوة له يستخدمون الأنوف والحناجر ولا يميطون الأذى عن ألسنتهم وعن أسماعنا صباحاً ومساءً وما بينهما. 2. وفر المحاضر الكاتب تعريفاً مريحاً للحركات الإسلامية وإخراجها من دائرة الصوفية والطائفية المختفية داخلها، والتي في أغلب مساراتها قد تنافي المبدأ الديني المعتمد على "أقرأ" وليس على "من لا شيخ له فشيخه الشيطان" 3. أمّن وباطمئنان على مجهودات جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده القاصدة إلى الإصلاح الشامل، كما أشاح بوجهه وقلمه عن أفكار سيد قطب وأبو الأعلى المودودي وهو في الحالين قد يكون مصيباً. 4. أكد أن الحركات الإسلامية ليست لبيرالية وإنما هي حركات محافظة بل وفي تحفظها "تزداد نفوراً من الهندسة الاجتماعية" كما أن شك البعض في ديمقراطية هذه الحركات أمر لا يمكن أن يكون شكاً كما يقول أستاذ غازى؛ لكن هذا الشك هو عين اليقين ويمكن لنا أن نرجع إلى تاريخ الممارسة لهذه الحركات منذ كانت طفلة غريرة حتى اليوم. 5. إن أهم ما يؤكده السيد غازي في ورقته – محاضرته – الرصينة أن مستقبل هذه الحركات الإسلامية مرهون رهناً كاملاً بسلوكها تجاه مواجهة الواقع وعدم مفارقة النص في آن، ويصيب المحاضر أن بعض هذه الحركات قد أدمن الشعارات المكررة والثابتة دون تجاوزها إلى الواقع المعيش. وهنا أتذكر قول الإمام على رضي الله عنه عندما أصر عليه أنصاره بقبول التحكيم المهزلة "إن القرآن بين يدي المصحف لا ينطق وإنما ينطق به الرجال". 6. يعترف الكاتب ونتفق معه بأن مهمة الإسلاميين ستكون صعبة، وقد أوضح مدى هذه الصعوبة والتي نختصرها في مدى قبول هذه الحركات بالآخر والاعتراف له بحقوقه المدنية والدينية في إطار التواطن. هذا ما كان من أمر "شكراً"، وسنورد هنا ما يكون من أمر أجل "لكن". 1. فرَّ السيد غازي بجلده من إسقاط كل ما ذكره عن الحركات الإسلامية عن واقع هذه الحركات في بلده السودان، وقد نجد له بعض العذر لأنه ومن باب المسكوت عنه نصاً، كاد يقول "إياك أعني واسمعي ياجارة" أو أراد أن يشير إلى اللبيب الذي يفهم بالإشارة. 2. كان مسروراً ومليئاً (حتى الثمالة؟) بالصعود سراً وعلناً ويخفي وراء هذا الصعود مهالك لا نظن أن هذه الحركات قادرة على القفز فوقها وقد أشار إليها بوضوح، وهذا يؤكد الحكمة والعقلانية التي عهدناها في الشيخ الجديد. 3. يركز السيد غازي على القدرات التنظيمية الهائلة لدى هذه الحركات ونظن أنه جانب الصواب كثيراً. هذه القدرات لم تصاحبها "الهندسة الاجتماعية" مما جعلها تنظيمات صفوية ومتعالية على مجتمعاتها بل ومتعنصرة دينياً وثقافياً قفلت الأبواب أمام الإنسان بسبب النسب الديني لا غير. وتناسى أن هذه القدرات لم تكن فكرية بقدر ما كانت مالية ومادية أو كسباً كالإتجار في ما يعرفه السيد غازي أكثر مني. ثم أن القدرة التنظيمية أملتها الضغوط عليها وظروف العمل السري، ولن تصمد هذه القدرة مع بسط الحريات وإشاعة الديمقراطية وعند ذلك ستكون هذه الحركات مثل قريناتها تماماً. 4. ظهر هذا "الصعود" المفرح في نتائج ثورات الربيع العربي المذكورة لأن هذه الحركات قد لاقت أكثر من الأمرين في بلدانها كما هو معلوم وكان لابد أن تجد نصيبها من التجربة. 5. لكننا لا نرى أية بوادر لهذا الصعود المفرح في السودان؛ لأن الحركات الإسلامية في السودان وجدت نصيب الأسد في التاريخ السياسي للسودان المستقل بل والتهمت السلطة والقرار منذ سبتمبر 1983 أي ما يقل عن أربعين سنة بسنة واحدة. ونظن، بدون إثم في بعض الظن هذا أن هذه الحركات قد استنفذت أغراضها، ليس ببعدها الديني النصي ولكن نتيجة لممارساتها التي أفرغت الدين والتدين من محتواه والشواهد على ذلك وإن اختفت على القليل لا تختفي عن السيد غازي وعن عامة الناس المتابعين من أمثالنا. ولابد للسيد غازي والجماعة أن يتداركوا أمر الـ 15 و 20 % من الرصيد الاقتراعي مصدر القوة كما يقول وبذكاء نحسده عليه. فهو ينسب هذه الحصة للإسلاميين ولا ندري إن كان يقصد الحركات الإسلامية كمصطلح صنعه هو أم جميع الإسلاميين. ونعرف معاً أن متغيرات السياسة والمجتمع والظروف المحيطة بها لن تحتكم لمجرد الولاء للنص، ونهمس في أذن السيد غازي أن شعوب القرن الواحد والعشرين لا تجادل في النص أبداً ولكنها تسأل عن قول يتبعه عمل كما ذكرت أنت صادقاً. 6. ما كنت أود للسيد غازي أن يذكر العلمانية تصريحاً أو تلميحاً وما كنت أود له وهو مفكر نحترم فيه عقله الدائم أن يسلك سلوك العوام وأهل الشعارات الذين يحرفون الكلم إذ وكما قال، لم يغب الدين عن الدولة في أية حقبة من تاريخ البشرية ولم يكن فصل الدين عن الدولة هدفاً علمانياً وإنما كان الهدف الأول والأخير والدائم ألا يكون اختلاف الاعتقاد سبباً في التفرقة والتعنصر وأكثر من ذلك كنت كثير الألم في ذكره للأية الكريمة "وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون" (الذاريات 56) وفي التسطيح المفجع بشأن هذه الأية الكريمة وتأويلاتها الراسخة، وهذا لعمري لا يليق بأمثال السيد غازي وهو سيد العارفين بمقاصد العلمانية ومقاصد الأديان منذ بداياتها حتى اليوم، فالعلمانيون متدينون وندّعي أن تدينهم كان ولا يزال أكثر عقلانية ووعياً بمقاصد الأديان من غيرهم من الحركات الإسلامية، والكلام في هذا المجال يطول ونحلم بأن يفتح الباب لإبداء الرأي الآخر وإلا كان مصير الحركات الإسلامية هو التفريط في حق الناس أن لا إكراه في الدين. 7. إن الحركات الإسلامية تتحرك في مجال اجتماعي غائم وملئ بالأمية والجهل والمرض والجوع والحرمان، بل ملئ بالأبوية البطريكية وعبادة الأصنام من البشر والأوهام، لأن هذه الحركات شغلت الناس بالسماء أكثر مما تشغلهم بالأرض (الواقع المتروك) وفي هذا إسفاف وربما تضليل لأننا نفهم جيداً أن الدنيا مطية الآخرة وليس العكس. 8. المشكلة التي ستواجه الحركات الإسلامية ستكون من داخلها وفي تعدد مذاهبها وطرقها لأن الدين عند هذه الحركات أصبح وسيلة كسب سلطة وعيش ونفاق يتدثر بأفكار دينية غيبية مشكوك في موضوعيتها وعقلانيتها. 9. كاتب هذا التعليق ومن يتفق معه يسعد كثيراً بظهور "الإسلاميين الجدد" ويسعد أكثر بالإشارات الإيجابية جداً لهؤلاء القادمين الجدد الساعين للشراكة في نظام عالمي أكثر إنسانية من ذي قبل ولن يكون الدين، أي دين، إذا ما أحسن العمل من أجله عاملاً من عوامل التفريق بين الأمم والشعوب. وأخيراً، أكرر أن هذا استعراض مخل إذ لم نتطرق لمنبر السلام العادل الذي تبنى الدعوة وتمت الاستجابة، فكون أن لكل مقام مقال لا يسمح لمثل هذه الوثيقة النادرة والغنية والموضوعية أن تعرض في منبر كان أحد أسباب الانقسام باسم الدين ولا يزال يمارس المزيد من الاستعداء على أبناء الوطن الواحد من الشعوب والقبائل والعقائد. وهذا المنبر يؤكد التحديات والمخاطر التي تواجه الإسلاميين الجدد والعلمانين على حد سواء وهي قطعاً ليست نيران صديقة! (بقلم: ميرغني عثمان بن عوف- تلفون 0912390196- Ibnoafpeace1@yahoo.com ).. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق