الأحد، 7 أغسطس 2011

ما بين المدغمسة وغير المدغمسة

لفت نظري أن المحكمة التي نظرت قضية السيدة القوّادة التي تحمل شهادة جامعية في الشريعة وتعمل مشرفة على احدى داخليات السكن الجامعي للطالبات، قد قضت عليها بالاضافة الى السجن بغرامة مالية، كما شملت أحكام الغرامة المالية الطالبات الأربع أيضاً، وأصل القضية كما نشرت في الغراء صحيفة الأهرام اليوم أن شرطة أمن المجتمع وبعد ان توفرت لها بعض الشواهد والشبهات حول ما يدور من ممارسات لا أخلاقية في احدى الداخليات، داهمت هذه الداخلية والقت القبض على المتهمات الخمس، الطالبات الأربع ومشرفتهن التي درست الشريعة، إضافة إلى أن الشرطة قد وضعت يدها على مضبوطات أخرى ذات علاقة بـ «الموضوع»، ومن مجريات التحري والقضية اتضح ان المشرفة القوادة التي كانت تشتغل كعامل وسيط في فعل الفاحشة بين طلاب المتعة الحرام من الفاجرين من الرجال، وبين هؤلاء الطالبات، كانت تقبض نظير العملية الواحدة من عملياتها القذرة هذه مائة جنيه مقابل كل عملية جمعت فيها بين رأسين بالحرام، ومن المؤكد ان الطالبات كن يقبضن أيضا أموالاً أكثر بكثير مما تقبضه القوادة نظير بذلهن اجسادهن لمن يطلبها من الذئاب البشرية، والقضية بلا شك مؤسفة ومحزنة، وتنكأ العديد من الجراح وتثير العديد من الاتهامات في وجه أنظمتنا السائدة كافة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، فالأمر أكبر وأعمق وأخطر من اختزاله في كونه مجرد قضية دعارة عادية لا يخلو منها أي بلد وأي مجتمع، وانما تحتاج هذه الحادثة لمزيد من التقصي والبحث والدراسة لسبر غورها، والوقوف على حجمها واسبابها، ليس بقصد الترصد والتربص وانما بغرض الوقوف على حقيقتها تمهيداً لاحتوائها وتجفيف كل منابعها، وهذا هو الدور المرجو من الجهات والمؤسسات والناشطين المعنيين بدراسة وتتبع مثل هذه التشوهات المجتمعية..
بيد أن الذي استوقفني وأثار حيرتي هو الحكم بالغرامة المالية الذي صدر ضد المتهمات الخمس، واللائي ان دفعنه فلن يكون الا من ريع وعائد ممارسة القوادة بالنسبة للمشرفة، والدعارة بالنسبة للطالبات، فهل يجوز للمحاكم قبول مثل هذه الأموال التي يشتبه في خبث مصدرها.؟ وما هو الحكم التأصيلي على هذا المال، هل هو حلال يجوز قبوله والتصرف فيه دون تشكك او تردد، او انه تحوطه الشبهات مثل الربا لا تجيزه أو تحلله الا الضرورة الملجئة؟، ومن يقرر في ذلك هل هو القاضي أم مجلس الفقه أم مستشارية التأصيل.؟ الشاهد في اثارة هذا الموضوع هو اننا وباعتراف قياداتنا العليا كنا محكومين طوال هذا الزمن بشريعة مدغمسة انتهى أجلها الآن، وبدأ عهد الشريعة غير المدغمسة، ولهذا ظننت أن إثارة مثل هذا الموضوع يمكن أن تنقي الشريعة من أية دغمسة قد تلحق بها، أو قد يشكل فيصلاً بين الشريعة المدغمسة التي كنا محكومين بموجبها، والشريعة غير المدغمسة التي يفترض أن نُحكم بها من الآن فصاعداً، وأظنني سأصيب أحد الأجرين، أما أجر المصيب، واما أجر المجتهد..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق