الجمعة، 12 أغسطس 2011

تراسيم


فوجئ الذين اعتادوا على أداء صلاة الجمعة بمسجد النور بالرئيس في مسجدهم.. اعتاد الرئيس أن يزور المسجد الذي أقيم لإحياء ذكرى والده من حين لآخر.. وبما أنّ الرئيس كان قد عاد فجر ذات اليوم من بكين فقد توقع المصلون أن يختار البشير مسجداً قريباً من مسكنه بالقيادة العامة.. ولمّا اعتلى المشير المنبر ظنّ كل عباد الله أنّ الرجل سيحدثهم عن ثمرات رحلته إلى سور الصين العظيم.. ولكن الرئيس من ذاك المنبر أطلق النار على اتفاق السلام الإطاري الذي وقعه بأديس أبابا نائبه في الحزب الدكتور نافع علي نافع. رصاصة البشير لم تحرق الاتفاق وحده.. بل جعلت شبح الحرب قريبا.. الحركة الشعبية بشمال السودان اعتبرت الخطوة تصعيداً استفزازياً.. ومضت بالكامل نحو الخطة (ب).. الخطة البديلة تعتمد على الضغط على المركز من الأطراف.. وللحركة ثلاث جبهات يمكن تحريكها.. دارفور التي تعيش الحرب منذ سنوات.. جنوب كردفان التي دخلت بالفعل مرحلة المواجهة.. فيما تنتظر ولاية النيل الأزرق دورها في الحريق. الحركة الشعبية تعتمد حساباتها على مناخ التغيير الماثل على المشهد الإقليمي.. وترى في نموذج بنغازي ما يشجعها على تجشم مشاق الحرب.. وقبل أن تبدأ تنفيذ خطتها كان العالم يقلب ظهر المجن لحكومة الخرطوم.. مجلس الأمن يحاول أن يوسع من مهام القوات الأممية الموجودة في دارفور لتشمل كل السودان.. وفي ذات الوقت يعضد من فاعلية القوات الأجنبية بمنحها تفويضاً جديداً يبيح لها استخدام القوة. كذلك تعتمد حسابات الحركة على المشقة الاقتصادية التي تعيشها الخرطوم بسبب انحسار النفط جنوباً.. ولكن الذي يفوت على حسابات قطاع الشمال المسنود بنفوذ حكومة الجنوب أنّ النّار إن اشتعلت فستجعل من العسير للجنوب تصدير نفطه.. وبما أنّ مداخيل الجنوب تعتمد كليّاً على الزيت فتصبح جوبا الخاسر الأكبر من أي حريق في مناطق التماس. سياسياً أي ضغط عبر الهامش سيجعل حكومة الخرطوم تكسب تعاطفاً جماهيراً من النخب المركزية.. حرب الهامش التي ترفع شعارات علمانية وليبرالية مما يسهل اصطفاف القوى التقليدية ضدها. ستجد الحركة الشعبية أنّ مهمة تكوين حلف ضد الخرطوم ليس أمراً يسيراً.. فقد اعتذرت حركة العدل مبكراً.. في الوقت الذي كان ياسر عرمان يهندس اتفاق كاودا كان القيادي المتعنّت بالحركة الشعبية اللواء دانيال كودي يعود للخرطوم مصالحاً.. فيما صرّحت الدكتورة تابيتا بطرس أنّها لا تعرف لماذا أقيلت من وزارة الصحة.. الخرطوم اعتادت أن تمارس سياسة فرق تسد في صفوف أعدائها.. ونجحت في أن تصنع من حركات دارفور مجموعات لا تري بالعين السياسية المجردة. الحرب ليست خياراً جيّداً لكل الأطراف.. ولكن الاستفزاز يجعلها الخيار المتاح.. ياسر عرمان يصرح من الخارج أنّ الفريق الحلو يمثل القائد العسكري لقطاع الشمال.. فيما تفكر الخرطوم في استدعاء مالك عقار ليحدد موقفه من التصعيد الحربي. ضبط النفس ربما ينقذ الموقف.. ولكن للأسف العقلاء أقلية صامتة هنا وهناك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق