الأحد، 7 أغسطس 2011

الحوار والتصالح في خطاب الرئيس (2-2) الخيــارات الإستراتيجية للدولة السودانية .. الحــوار الوطني

راي 15(الأرشيف)
الحوار والتصالح في خطاب الرئيس (2-2) الخيــارات الإستراتيجية للدولة السودانية .. الحــوار الوطني
زين العابدين صالح
إن دعوة السيد رئيس الجمهورية للحوار الوطني بهدف إحداث تحول ديمقراطي حقيقي وتغيير وتحديث في الحكم وآلياته وهياكله ودعوته لمشاركة كل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني ومراكز الدراسات والبحوث وحتى الأفراد، إلا أن الدعوة سوف تجد معارضة ليس فقط من قبل بعض المعارضين الذين أصبحوا لا يجدون غير لغة المعارضة التي أدمنوها وصعب عليهم تجاوزها وأيضا هناك معارضة سوف تكون من داخل المؤتمر الوطني نفسه من بعض القيادات التي تعتقد أن الحوار ربما يؤدي إلى تغييرات جوهرية في بنية الدولة وربما يخسرون مقاعدهم من جرائها وهؤلاء لا يستطيعون التفكير بعيداً عن الذات وسوف يتحولون إلى أدوات معيقة للحوار ويعملون على تعطيله بشتى الطرق من خلال استخدام اللغة الاستفزازية المنفرة وإطلاق تصريحات مثل التي تقول إن الحوار يجري من خلال البرنامج السياسي للمؤتمر الوطني وأن المؤتمر الوطني هو الذي سوف يشرف على الحوار وهو المناط به توجيه الدعوات لمن يحضر الحوار كلها تصريحات بدأت تخرج من هنا وهناك من بعض قيادات المؤتمر الوطني بسبب تنفير القوى السياسية من الحوار، وهؤلاء يعتقدون أن مصالحهم الذاتية أهم لهم من الانخراط في حوار لا تعرف نتائجه.
والقضية المهمة والتي يجب التطرق لها هي قضية ممارسة الحركة الشعبية في الشمال لنشاطها السياسي وهي تمثل أحد المشاكل المطروحة الآن وتسبب أرقاً للوطن في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق وأعتقد أن تصريحات قيادات الحركة الشعبية كانت تسير في ذات الاتجاه للحوار الوطني حيث قال السيد ياسر عرمان الأمين العام للحركة الشعبية في حوار أجرته معه جريدة الأحداث قال “ السودان محاط بمعادلات جديدة وثورات تحيط بالبلاد وانفصال الجنوب والحزب الوطني يحتاج إلى من يحاورهم لا يمكن أن يخوض التجربة القادمة منفردا الشروط الموضوعية لا تؤهله لذلك عليه البحث عن الإجماع الوطني لبدء دولة جديدة بالشمال دولة تستفيد من التجارب السابقة” وهي دعوة تسير في ذات الطريق الذي ذهب فيه خطاب الرئيس لبناء الجمهورية الثانية وقضية حل مشكلة الحركة الشعبية تحتاج إلى حكمة وليس ردود فعل غاضبة تحاول أن تجعل العقدة في المنشار إن الحركة الشعبية حزب مسجل وكان من المفترض أن يعتبر الذين ذهبوا إلى الدولة الجديدة استقالوا من الحزب وتعقد الحركة الشعبية مؤتمرا تؤكد فيه فصلهم باعتبار أنهم أصبحوا مواطنين في دولة أخرى لا يحق لهم أن يكونوا أعضاء في الحركة الشعبية في الشمال ومن بقي هم يمثلون الحركة الشعبية في الشمال ومعالجة القضية ضمن الأسرة الواحدة ولكن الذي عقد المشكلة هي المجموعات التي أعطتها الحكومة حرية العمل في التصدي للحركة الشعبية وبالتالي اعتقدت أنها هي التي يجب أيضا أن تشكل ملامح السودان الجديد وهي مجموعة أصبحت معول هدم لا تستطيع أن تعيش إلا في ظل النزاعات والصراعات وأعتقد أنها تتكسب من تلك الأزمات وهي تدفع الوطن لمزيد من الحروب والعنف وإذا كان المؤتمر الوطني والسلطة تشتكي من التدخلات الأجنبية والتي تعتقد أنها لا تريد الخير للسودان فلماذا تدفع مواطنيها دفعا للذهاب إلى الأجنبي والاستعانة به والآن إذا لم تكن الحكومة وقيادات المؤتمر الوطني حكيمة فإن قضية جنوب كردفان تسير في ذات الطريق الذي سارت عليه قضية دارفور وهي قضية تحتاج لمعالجة من الذين يشتغلون على العقل والحكمة وليس الذين يتملكهم الانفعال وأعتقد أن الرئيس إذا كان فعلا يريد للحوار الوطني أن يحقق مقاصده أن يسرع بحل مشكلة الحركة الشعبية ما دامت قياداتها قد أكدت على الحوار وأكدت على أن يكون هناك جيشا واحدا وأن السلاح يجب أن لا يكون إلا في يد المؤسسات الرسمية المنوط بها حمل السلاح.
لا أعتقد أن هناك من يرفض أن تحل كل مشاكل السودان داخل السودان من خلال الحوار الوطني ومن خلال المؤسسات السياسية السودانية والابتعاد عن الخروج بمشاكل السودان خارج الحدود ولكن هذه السنة نفسها قد خلقتها الإنقاذ عندما رفضت الحوار مع القوى السياسية وذهبت إلى منظمة الإيقاد تبحث عن حل للمشكلة وهي كانت الخطوة نحو التدويل كما أن القوى السياسية الأخرى المعارضة كانت قد غادرت السودان وذهبت للخارج تبحث عن الحلول يجب هذه السياسية أن يتجاوزها الجميع وأن تصبح الحلول من داخل السودان ولكنها تحتاج لخلق الأدوات الفاعلة من أجل ذلك وبناء الثقة بين القوى السياسية لذلك أقترح من أجل حل مشكلة الحركة الشعبية مع المؤتمر الوطني تدخل طرف وطني ثالث يحاول التقارب بين الطرفين وأن يكون الطرف الثالث محايدا يسهم في عملية التقارب يمكن أن تكون شخصيات وطنية يثق فيها الطرفان أو مجموعة من منظمات المجتمع المدني تحاول أن تعالج العملية من جميع جوانبها وحتى انعكاساتها في الخارج والتي بدأت تأخذ بعدا ليس في مصلحة الوطن. الحوار لكي ينجح يجب أن تطفأ جميع النيران المشتعلة وحتى الطرف الثالث يجب أن يوكل له مسؤولية إقناع الحركات الدارفورية التي لم توقع على وثيقة الدوحة المشاركة في الحوار الوطني الجامع.
قبل الشروع في عملية الحوار الوطني يجب التمهيد للحوار الوطني سياسيا وشعبيا من خلال حوارات صغيرة تفتح في الجامعات ومراكز الدراسات والبحوث وفي أجهزة الإعلام والصحافة وكل المنابر المتاحة بهدف نشر ثقافة الحوار بين النخب السودانية وأن تكون الحوارات مفتوحة تستضيف تيارات فكرية مختلفة تهيئ الكل من أجل الحوار الوطني ويبتعد الجميع عن لغة المهاترات والاستفزازات ويأتي الجميع للحوار بقلب مفتوح ونعلم جميعا أننا نملك ثقافة ديمقراطية ضعيفة وتكاد تكون عند البعض معدومة وهي ظاهرة في مؤسساتنا السياسية التي تناضل من أجل الديمقراطية وهي فاقدة لها تماما لذلك يجب أن نجعل من التمهيد للحوار وضع قاعدة أولية للثقافة الديمقراطية وينتقل الحوار من الأسفل إلى أعلى تدريجيا بهدف خلق الوعي الجماهيري ومشاركة أكبر قطاع من الجماهير في الحوار الوطني وهي التي تدفع للتقليل من لغة العنف كما أن السيد رئيس الجمهورية نفسه يجب أن يبتعد عن لغة الإثارة والتحدي التي درج على استخدامها في اللقاءات مع الجماهير فهي لغة لا تساعد على الحوار بل تنفر الناس منه ويجب على الجميع الانضباط لأن الحوار الهدف منه التقريب بين وجهات النظر المختلفة.
إن القوى السياسية التي تقبل المشاركة في الحوار يجب أن تعلم أن الحوار يعني الوصول لمناطق وسط مشتركة بين الجميع لخلق التوافق الوطني وإذا كانت هناك قوى حاكمة أو معارضة تعتقد أنها سوف تفرض رؤيتها على الآخرين أو أن وجهة نظرها هي التي يجب أن ينصاع لها الجميع هي تكون قد كسرت قواعد الحوار الوطني فالحوار يطلب من الجميع تنازلات للوصول لمقاربة بينهم والكل المشارك في الحوار يجب يعلم أنه سوف يتنازل من أجل استقرار الوطن ومعافاته وليس تنازلا بسبب ضغط من قوى سياسية أخرى وكما ذكرت سابقا أن الحوار عندما يصل لمقاصده ويشكل الأرضية الوطنية للتقارب يكون انتصارا للجميع معارضة وحكومة وإذا فشل الحوار يعد فشلا للجميع حكومة ومعارضة ولكن ذلك يتطلب عن الجدل البيزنطي الذي ليس له نتائج مرجوة.
المحكمة الجنائية الدولية أعتقد هي واحدة من المشاكل التي يجب أن تكون على أجندة الحوار الوطني باعتبار أن هناك اختلاف حولها بين الحكومة والمعارضة وهي أصبحت تشكل إعاقة أساسية في علاقات السودان الخارجية وهي أيضا سوف تكون جزءا من المقالة الثانية في المداخلة ولكنها تشكل أحد القضايا التي يجب أن يصل فيها الحوار الوطني لقرار جماعي لكيفية التعامل معها بعيدا عن المزايدات السياسية فإذا كان الحوار يتناول جميع القضايا التي تؤسس للجمهورية الثانية أو السودان الجديد بعد عملية الانفصال يجب أن تخضع قضية المحكمة إلى حوار وطني حولها يضع حدا للمشاكل التي نتجت عنها.
في الختام أؤكد أن الحوار الذي دعا إليه السيد رئيس الجمهورية في خطابه أمام الهيئة التشريعية يجب علي الجميع أن يعتبروه بداية جديدة تؤسس للسودان الجديد و يحاولون من خلاله إطفاء كل النيران المشتعلة في السودان وتأسيس دولة السودان الديمقراطية دولة المؤسسات والقانون وتوسيع دائرة الحريات فهي دعوة جديرة بالبحث والوقوف عندها ويجب أن تأخذها القوى السياسية مأخذ الجد وتكون بداية لبناء الثقة بين الجميع.
والله هو الموفق.
(

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق