الجمعة، 12 أغسطس 2011

ضرب الفساد والمفسدين واجب وطني


٭ مع مطلع كل فجر وبزوغ كل شمس تتكشف امام اعيننا صور مذهلة عن الفساد وسرقة اموال الشعب ومقدراته وتسقط عن وجوه آلاف من المفسدين الاقنعة الكاذبة الخادعة بعد تلبسهم بجرائم نهب اموال الدولة وسرقة مقدرات الامة وتحويلها الى جيوبهم الخاصة دون واعز من ضمير او خوف من الله وحسابه وعذابه في يوم تشخص فيه الابصار وتبلغ فيه القلوب الحناجر وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد!
٭ ودوننا تقارير ديوان المراجع العام التي تدمي القلوب وتبكي العيون وتكشف بشفافية تامة انماطا مختلفة من الفساد واختلاس المال العام وذهاب المليارات من اموال الشعب لجيوب قلة من الناس دون وجه حق في وقت تعيش فيه مواقع خدماتنا من مدارس ومستشفيات في وضع بائس كئيب وتظل تشكو لطوب الارض من انعدام الحد الادنى من الامكانات التي تعينها على اداء رسالتها المقدسة نحو المواطنين!
٭ ولانه لا توجد كوابح تحد من السرعة الجنونية التي تنطلق بها سيارات الفساد فان المأساة تبلغ مداها عندما يتعلق امر الفساد بوزارة سيادية هي وزارة الزراعة وبنكها الزراعي المنوط بهما اطعام الجائع وكسوة العاري وتوفير ما يسد الرمق ويقيم الصلب للملايين من ابناء هذه الامة وللحيوان والطير وكل ذي كبد رطب وتعمل على توفير كرامة الامة والوطن حتى لا يمد يده للآخرين ليستجدي طعامه وشرابه وملبسه وحتى يتحقق شعار «الثورة الغالية» نأكل مما نزرع ونلبس مما نصع والذي حوله الفساد والمفسدين الى مجرد شعار زائف يدعو للضحك والسخرية وعجز القادرين عن التمام!!
٭ ويتعاظم الجرم ويتجاوز حدود المعقول والمقبول عندما تتسبب تقاوى عباد الشمس «المضروبة» في فشل زراعة سبعمائة الف فدان من محصول عباد الشمس ولكم ان تتصوروا ما تم سكبه من عرق وبذله من جهد وتعب وانفاقه من اموال طائلة على عمليات اعداد الارض وحرثها وزراعتها وريها ونظافتها من الحشائش وغير ذلك من الامور المتعلقة بالعمليات الزراعية ليكون الحصاد في خاتمة المطاف ونهاية الطريق هشيما تذره الرياح ورمادا تشتد به الريح في يوم عاصف وليذهب الموسم بغضه وغضيضه ويصبح هباء منثورا لتزداد المعاناة في نفوس الآلاف من المزارعين واسرهم المسحوقة!!
٭ وبعد اسدال الستار على المشهد الاخير من المسرحية الموجعة يتم انزال الستار لتبدأ مسرحية جديدة اكثر الما وحزنا وغبنا هي مسرحية الزج بهؤلاء المزارعين الابرياء في غياهب السجون لعدم قدرتهم على ارجاع اموال السلفيات التي حصلوا عليها من البنك الزراعي لتمويل الموسم خاصة وانهم قد خدعوا بتوقيع اقرارات ملزمة باسترداد السلفية في حالة فشل الموسم.
٭ وان تجاوزنا جريمة ان الشركة التي استوردت التقاوى المضروبة لم تكن مسجلة بالسودان وقت استيراد التقاوى وان تسجيلها وتوفيق اوضاعها تم بعد عام من استيراد التقاوى وان شركتين آخرتين شاركتا بفعالية في الصفقة دون ان يكون لهما وكيل معتمد من الشركة المنتجة للتقاوى فكيف يمكننا ان نتجاوز جريمة ان هذه التقاوى وفقا لتقرير لجنة برلمانية يمكن ان تتسبب في سرطان الكبد!
٭ وببساطة شديدة فان المسألة لا تعني غير «ميتة وخراب ديار» واتلاف اكباد الملايين من اهل السودان من الذين يستهلكون زيت عباد الشمس المنتج من هذه التقاوى الملعونة!
٭ وتعني اضافة اعباء جديدة على خزينتنا التي يعشعش عليها العنكبوت حيث ان الامر يتطلب توفير ملايين الدولارات لاستيراد الادوية التي يحتاجها علاج سرطان الكبد!
٭ وتعني ثالثا اهدار جهد كل كادرنا الطبي وعلى مختلف تخصصاته في مواجهة هذه الكارثة الجديدة!!
٭ وتعني رابعا اهدار مواردنا البشرية التي لا شك ان مرض سرطان الكبد سيتسبب في حصد ارواحها وربما يتطلب الامر اقامة مقابر جماعية لمواجهة الابادة الجماعية التي تتسبب فيها التقاوى «المسرطنة» والاشخاص الذين قاموا باستيرادها!
٭ ورغم فداحة الجرم فان المجرمين الفاسدين ينامون ملء جفونهم في غرفهم «المكندشة» واسرتهم الوثيرة فقد مات فيهم الضمير وتحجرت قلوبهم وتبلدت مشاعرهم واعماهم رنين الدينار عن ما لحق بالابرياء من موت ودمار وخراب ديار وسجون مطلمة موحشة وهكذا ينجلي ظلم الانسان لاخيه الانسان في ابشع صوره واقبح وجوهه!
٭ من هنا نستطيع ان نقول ان الفساد في بلادنا تجاوز كل حدود المعقول والمقبول بعد ان اعمى بريق المال والحصول عليه بأية طريقة كانت عيون ضعاف النفوس من الذين جاءت بهم الاقدار لتصريف اعباء الدولة ساعدهم على ذلك ضعف الرقابة على اموال الدولة والحرص على صيانتها والمحافظة عليها واغراهم انعدام القانون الرادع الذي يجعل منهم عبرة لمن يعتبر واستظلوا بظل الحماية التي يوفرها لهم بعض النافذين في السلطة وكما يقول المثل «العندو ضهر ما بنضرب على بنطو».
٭ بالامس القريب لم يكن بالسودان فسادا بهذا الحجم المخيف ولا مقارنة البتة بين فساد الامس الذي لم يكن يتجاوز الافراد وفساد اليوم الذي عم البر والبحر و«شوارع الزلط» كمان، التي تنطلق فيها سيارات المدن وشاحنات «الخلا» وعربات الحكومة التي تحمل قناديل البنقو جنبا ا لى جنب كراسات الاجابة على الامتحانات!
٭ بالامس كنت تبحث عن من تعطيه الرشوة والتحري عما اذا كان سيأخذها منك ام يقودك الى غياهب السجن، واليوم بت هدفا غاليا لطلاب الرشوة والباحثين عنها حتى اصبحت الرشوة في عرف البعض حقا مشروعا و«تسهيلات» لابد منها لانجاز المطلوب والخلاص من «زنقات» شارع الزلط ومطباته و«كماينه»!!
ومن اسف فان الدولة على علم تام ومعرفة اكيدة بالاسباب الحقيقية التي ادت لهذا الوباء الفتاك والمرض القاتل خاصة وان هناك هوة سحيقة بين الراتب الذي يتقاضاه صغار العاملين بالدولة وفي مختلف المجالات وتكلفة المعيشة حيث تصبح الموازنة بين الدخل والمنصرف معادلة تستعصي على الحل ولا حل لها الا في طلب الرشوة والسعي لها والحصول عليها وعلى عينك يا تاجر!
٭ ونعلم ان كبار المسؤولين من اصحاب الرواتب العالية والمخصصات الكبيرة انما يدفعهم الى ذلك الثغرات العديدة في القوانين واللوائح الملتوية التي تمكنهم من السرقة والنهب في وضح النهار خاصة وان تلك الوظائف العامة الرفيعة لا تملأ الا بالاشخاص «الواصلين» ممن ينطبق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم «اذا سرق فيهم الشريف تركوه»!!
٭ ثم اي فساد اكثر من ان يشغل شخص واحد نافذ اربع او خمس وظائف في وقت واحد لكل وظيفة من الراتب والامتيازات ما يصيب امثالنا بالصدمة القاتلة في وقت تعاني فيه البلاد من طوابير العطالة والبطالة والفاقة والتشرد والجلوس في ضل الضحى او تحت اعمدة الكهرباء!
٭ ومن اسف ان نوصم بالاستغفال والضحك على «دقوننا» عندما يقول مسؤول نافذ وفي منصب دستوري انه لا يعمل مباشرة في التجارة بجانب منصبه الذي يشغله ولكنه يكتفي بمشاركة بعض التجار وان كبار المسؤولين يعلمون بذلك!!
٭ ودعونا ننتقل في سياحة روحانية مع امير المؤمنين الراشد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وارضاه لنعيش هذا المشهد الرائع الذي يدل على الحكم الراشد.
٭ خرج امير المؤمنين يوما الى السوق في جولة تفتيشية فيرى ابلا سمانا تمتاز عن بقية الابل بامتلائه فيسأل ابل من هذه؟ قالوا ابل عبد الله بن عمر. فانتفض امير المؤمنين كأنما القيامة قامت. وقال.. بخ.. بخ.. ابن امين المؤمنين؟ وارسل في طلبه. وحين وقف بين يدي والده سأله: ما هذه الابل يا عبدالله؟ فاجاب انها ابل انضا ـ اي هزيلة، اشتريتها بمالي وبعثت بها الى المرعى اتاجر فيها وابتغي ما يبتغي المسلمون!
٭ يقول خالد محمد خالد في كتابه خلفاء رسول الله فعقب عمر في تهكم لاذع «ويقول الناس حين يرونها.. ارعوا ابل ابن امير المؤمنين.. اسقوا ابل ابن امير المؤمنين وهكذا تسمن ابلك ويربو ربحك يا ابن امير المؤمنين؟ ثم صاح به: يا عبد الله خذ رأسمالك الذي دفعته في هذه الابل واجعل الربح في بيت مال المسلمين.!
٭ ان عبد الله بن عمر لم يأت امرا منكرا انما يستثمر ماله الحلال في التجارة الحلال ولكنه لانه ابن امير المؤمنين يحرمه امير المؤمنين مما هو حق له مظنة ان تكون بنوته لعمر قد هيأت له من الفرص ما لا يتوفر لغيره من الناس.
٭ يا ا هل المشروع الحضاري والاسلام السياسي يقول لكم الاستاذ خالد محمد خالد «ان عمر يمسك الميزان في رهبة لا تماثلها رهبة وهو يدرأ اهله من ان يكونوا اهل حظوظ ومزايا فحسب بل انه ليضطرهم الى ان يعيشوا معه فوق صراط احد من الشعرة وارق من الشعرة حتى لكأنما رزئوا بقرابة عمر بدل ان يهنوا بها ويندقوا فيها»!!
٭ يا اهل المشروع الحضاري خذوا الدرس والعبرة وقوموا يرحمكم الله بجز رؤوس الفساد فاليوم عمل بلا حساب وغدا حساب بلا عمل.
٭ اقطعوا رؤوس المفسدين وجزوها حتى تعود للشعب حقوقه وممتلكاته المسروقة والمنهوبة وحتى تعود له قيمه وتقاليده وموروثاته التي ضربتها السياسات الخرقاء التي حولت معظم هذا الشعب الى مختلسين او سحاتين او من الذين ينهبون امواله!
٭ يا اهل المشروع الحضاري لقد ضربتم عنق مجدي في دولارات يمتلكها فكيف لا تضربوا عنق مجرم في مليارات سرقها من خزينة الشعب واحذروا قوله صلى الله عليه وسلم «انما اهلك من كان قبلكم اذا سرق الشريف تركوه واذا سرق الضعيف اقاموا عليه الحد ويم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
٭ جفت الاقلام وطويت الصحف وعند الله تجتمع الخصوم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق