الاثنين، 22 أغسطس 2011

حزب وجمهوريتان


في شبه محاضرة رمضانية حول التحديات التي تواجه السودان، خاطب الأستاذ مهدي إبراهيم القيادي في الحزب الحاكم نخبة من الجالية السودانية في واشنطن بلغة مطرزة بالآيات القرآنية ومفعمة بروحانيات الشهر الكريم، تحدث عن القضايا الحاسمة التي أحاطت بالسودان، ودافع عن سياسات الإنقاذ دفاع الصوفي عن شيخه.
وحاول إبراهيم أن يقلل من أثر انفصال جنوب السودان وتداعيات ذلك من حيث الشكل والمضمون، وأن يبرر بذكاء لسياسات الإنقاذ الخاطئة التي تنتقدها المعارضة، ولم يستنكف في نفس الوقت أن يرمي المعارضة ورموزها بتواضع دورهم ودرايتهم، ويصورهم كأهل الكهف وهم يجولون بورقهم البالي بين جيل جديد ليس لهم منه نصيب.
كان مهدي إبراهيم يتحدث عن مدينة فاضلة في السودان تحت راية الإنقاذ، وسط دهشة مستمعيه، غير السودان الذي يعرفه أهله، داعياً الجميع إلى اللحاق بصف الإنقاذ والتحلق تحت راياتها.
ورغم ثقافة المتحدث وبراعته في زخرف القول وقدرته على التعبير عن قناعاته الخاصة، إلا أن الواقع الماثل في بلادنا وحجم التحديات والخسائر التي تعرض ويتعرض لها الوطن بسبب سياسات الحكم الخاطئة وحظه العاثر، أكبر في الواقع من حلم المريدين، فقوة الكلمات وعذوبتها لا تطفئ نار الفقر في بلد بلغت نسبة الفقر فيه حسب الإحصاءات الحكومية الرسمية 47 في المئة، وحسب إحصاءات الأمم المتحدة 76 في المئة.
وطن تستعر فيه الحروب الصغيرة في غربه وعلى حدوده الجنوبية، ويتبارى فيه حملة السلاح حتى بلغت حركات العصيان ما يناهز المئة حركة مسلحة.
وطن أصبح مرتعاً للقوات الدولية من كل حدب وصوب، يتلقى في كل سانحة تهديدا ووعيدا من المجتمع الدولي بحق وبغير حق.
وطن أجبر أن يحتفل قادته بتنازلهم عن ثلث مساحته بقوة المجتمع الدولي مهما كانت المبررات بسبب سوء السياسات التي قادت لذلك.
إذن هي أسئلة كثيرة لم تكن الإجابات عنها كافية ومقنعة، لتتوازى مع الوعي المتنامي لدى العامة والمهتمين بتفاصيل الحدث اليومي، ومشاهد التجاوزات والتعديات سواء على المال العام أو الحقوق المدنية أو حتى حق الحصول على مياه صالحة للشرب.
وأحسب أن قادة الحزب الحاكم مطالبون اليوم دون غيرهم، وهم على مشارف ما يدعون له من مرحلة جديدة، بالتخلي عن رغبة الاستماع إلى صدى رغباتهم وأصواتهم وسياساتهم بعد محصلة العقدين من الانفراد بالسلطة وما خلفه من مشهد ماثل، وإبداء القدر الكافي من المرونة السياسية للتعاطي مع معارضيهم لأسباب كثيرة، أهمها أن ثقافة الحزب الواحد المهيمن وقدراته الخارقة في إخضاع معارضيه رغبا ورهبا قد انهارت تماما مع انهيار الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يحكم مصر، ويقبض على أنفاسها لثلاثين عاماً بكل أسباب القوة. ومن أهمها أيضا أن السودان بعد انفصال الجنوب وتداعياته السالبة على عهد الإنقاذ مهدد أيضا في أطراف أخرى بسبب سوء المعالجات السياسية والأمنية سواء في دارفور او جنوب كردفان أو النيل الأزرق، وهي مناطق تتطاول فيها الأيدي الخارجية بكل إملاءاتها التي لا يقوى الحزب الحاكم على مجابهتها، مما يقتضي تقديم تنازلات لمواطنيه حتى لا يجبر على تقديمها للمجتمع الدولي على حساب السيادة الوطنية.
ويبقى العامل الأكثر أهمية وهو تطور قدرات الإرادة الشعبية في ضوء الثورات الشعبية المطالبة بالحرية والديمقراطية والمشاركة السياسية الفاعلة، ولا يعني استخفاف بعض قيادات الحزب الحاكم بالمعارضة ورموزها التاريخيين، أن هذه الإرادة غائبة أو ان قوة الأنظمة وآلياتها القمعية ستكون قادرة على صدها أو كبحها متى اكتملت شروط حراكها وانطلاقها إلى غايتها، لذا فإن كلمة سواء بين أهل السودان أجمعين قد تكون صمام أمان لوحدته وسلامته.
ويبقى السؤال هو: هل سيقبل الحزب الحاكم بشروط الانتقال إلى مرحلة جديدة تؤسس لبناء السودان على أساس من الديمقراطية الحقيقية والعدالة والمشاركة الشعبية التي تدعم بناء الكيان الوطني، وتطلق عقال التنمية والبناء في دولة يملكها الجميع دون فئة، أم أنه سيدمن النظر إلى نفسه في المرآة؟ سؤال تجيب عليه تصورات أهل القرار للجمهورية الثانية التي بشَّر بها المبشرون وينتظرها المنتظرون. وكما قال عيسى عليه السلام «بثمارها تعرفونها».
حسن أحمد الحسن/ واشنطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق