الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

لخبير في مكافحة الفساد دكتور حسين محمود لـ(السوداني ) 1- 2

لخبير في مكافحة الفساد دكتور حسين محمود لـ(السوداني ) 1- 2

مال واعمال

الفساد يقلل من تدفق الاستثمارات ويجذب المستثمرين الفاسدين
الشرطة والتعليم والصحة والمياه أكثر القطاعات تأثراً بالفساد
الرجل أكثر فسادا من المرأة، والرشوة أبرز صوره

انتشار الفساد وراء الثورات بالوطن العربي
المصادفة لعبت دورها في إجراء هذا الحوار حيث كنت أبحث عن معلومات في موضوع آخر أكملته ثم اتجهت إلى ترتيب للحوار وذلك بحضور محاضرة عن الفساد نظمها المركز العام لبناء القدرات البشرية حول "أسس تطويق الفساد الإداري والمالي بالمؤسسات" والتقيت بالدكتور المصري وخبير الحكم الرشيد ومكافحة الفساد حسين محمود حسن التابع لمركز دعم القرار بمجلس الوزراء المصري، وهو يعد أحد المشاركين في وضع استراتيجيات وطنية لمكافحة الفساد بعدد من الدول العربية، و عقب حدوث الثورة المصرية الأخيرة استضيف في القناة الفضائية المصرية عبر حلقتين للحديث عن قضايا الفساد في مصر، (السوداني) حاورته حول الفساد وانتشاره وانعكاساته على قطاعات العمل والمجتمع، وارتباطه بما يحدث من ثورات حاليا في الوطن العربي ثم كيفية وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد.
حاورته : ابتهاج متوكل
تصوير: سعيد عباس
* أسباب زيارتك السودان؟
إن الزيارة تهدف إلى نقل بعض الخبرات الاقليمية والدولية فيما يختص بتحليل وقياس الفساد وسبل مكافحته من خلال وضع استراتيجية وطنية، على اعتبار أن السودان ومصر دولتان بينهما كثير من التقارب في الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية حيث تلقيت دعوة للمشاركة في دورة تدريبية نظمها المركز العالمي لبناء القدرات البشرية (فكان من الواجب أن أقطع زيارتي للأردن وألبي الدعوة ويكون لي الشرف بالمحاضرة في السودان).
* ماذا يعني الفساد؟
بصفة عامة الفساد يعتبر قديما جدا، إن الفساد وجد منذ قيام أول حكومة منظمة في التاريخ وجاءت في المدنية الاغريقية الأولى ، ظهر الفساد ولكنه لم يأخذ حيز من الاهتمام والتركيز إلا منذ بداية التسعينيات بالتركيز عليه وأنشئت منظمات دولية معظمها غير حكومي من بينها (النزاهة العالمية - الشفافية الدولية - ...) كلها بدأت تدق ناقوس الخطر على الفساد.
وعندما نسمع كلمة فساد تتبادر إلى الذهن أشياء كثيرة ولكن المختصون يحددون المقصود بالفساد من أجل المكافحة وكيفية التصرف معه (يعني مش نكافح اشياء هلامية) والفساد هو استغلال السلطة لتحقيق مكاسب خاصة (مادية أو معنوية أو غيرها تعود على نفسه أو شخص آخر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة) سواء في القطاع العام أو الخاص أو منظمات المجتمع المدني.
* حجم آثار تفشي الفساد؟
لديه آثار واضحة على القطاعات المختلفة، وهنا نقف عند الآثار الاقتصادية التي تدور حولها معظم الأبحاث الدولية وأكدت أن الفساد له تأثير قوي جدا على الحياة الاقتصادية من نواح عدة.
فالفساد يقلل من تدفق الاستثمارات للدول لأنه يزيد من تكلفتها والوقت لاستصدار التصاديق والإجراءات المطلوبة للاستثمار وبالتالي يقل ربح المستثمرين، ويخلق عدم الاستقرار ويجعل المستثمر غير مطمئن على وضع استثماراته مما يحجم الكثير من المستثمرين لدخول الدولة الفسادة، كما يجذب مستثمرين فاسدين للدخول فيها لأنهم يجيدون التعامل مع الفساد وبالتالي ينهبون ويساعدون على سرقتها، ويقلل من إنتاجية الاستثمار في القطاعات العملية مثل الصحة والتعليم (مثلا عندما يصرف على أحد هذه القطاعات حوالى مليار جينه مفروض يكون حق المواطن (50) جينه نجد في الحقيقة يصله (10 ) جينهات) من المبلغ المخصص فعلا للمواطن ، كما يتدنى مستوى الخدمات فيها والقيام بوظيفتها الرئيسية وتكثر مظاهر الانهيارات في المستشفيات والمدراس وذلك بسبب الفساد.
كما يؤدي تفشي الفساد إلى هجرة العقول إلى الخارج لأن المتميزين في الدول الفاسدة لا يجدون فرصهم ويحسون بعدم الشفافية والباسطة في إدارة الشئون وبالتالي يهربون إلى بلاد أخرى بعدما تكون الدول صرفت عليهم وجهزتهم للحياة العملية، نجدهم يصابون بالإحباط ويصبحون أمام خيارين: المكوث في بلادهم دون إنجاز.أو الهروب الى بلاد اخرى وآثار الفساد كثيرة جدا ليس لها حصر وهذا نموذج فقط .
* وماذا عن الانعكاسات الاجتماعية للفساد؟
تنعكس آثار الاجتماعية في ظهور تناحر بين فئات وطبقات تستأثر بالمنافع، وهذه التأثيرات السيئة تنعكس في انعدام الثقة بين المواطن والحكومة الذي يتدريج إلى أن يحدث عدم استقرار سياسي، (واعتقد أن من أهم أسباب الثورات التي حدثت في مصر وتونس وحاليا اليمن وسوريا هو انتشار الفساد) و صار إحساس المواطن أن الفساد أصبح منهجيا وفقدوا الأمل والثقة في قدرة الحكومة على مكافحة الفساد.
هذه التأثيرات السالبة دفعت العديد من المنظمات الدولية إلى تكثيف العمل في مكافحة الفساد لأنه أكثر ما يصيب الفئات الضعيفة المهمشة والمرأة أكثر من الرجل بجانب المواطنين الذين يسكنون في المناطق البعيدة أكثر من العواصم ، مما زاد اهتمام المنظمات بمسألة الفساد، للتنبيه على موضوع الفساد ووضع الخبراء مؤشرا دوليا لقياسه.
* أيهما أكثر فسادا الرجل أم المرأة؟
كشفت الإحصائيات أن المرأة أقل فسادا من الرجل: ونقول: (ياريت تعتمدوا على المرأة أكثر من الرجل في شغل الوظائف الحكومية) لأنهن أقل فسادا من الرجال.
* أسباب انتشاره؟
نجد أن أسباب الفساد كثيرة أولها التسامح الاجتماعي معه ، بالرغم من اضطرار البعض إليه إلا أن التساهل نحوه زاد وذلك بأخذه مسميات أكثر لطفا من أسمائه الحقيقية (البقشيش).
كما أن المواطنيين في كثير من الأحيان لا يعرفون آليات التبليغ عن شكوى الفساد وما هي الجهات القانونية التي يلجأ إليها (في مرات عديدة يردد البعض أنها ما تعمل حاجة)
ثم يأتي السبب الثالث: التشريعات والقوانين الموجودة لا تساعد على مكافحة الفساد (مثلا تجد مواطن عاوز يمشي يكشف عن جريمة فساد تمت في مكان ما، ولا يجد قانونا بهذا الخصوص) نسبة لعدم قوانيين تحمي المبلغ من الأذى الذي يمكن أن يصيبه من التبليغ أو الشهادة في جرائم الفساد، عدم وجود قوانيين تمنع المسؤولين الكبار من استخدام وظائفهم للمصالح الخاصة (شركاتهم – أقربائهم – عائلاتهم – قبائلهم ) وبالتالي فالقوانين التي ينتمون إليها لا تضع حدا بين الخاص والعام.
وإذا افترضنا رفع ثقافة ووعي المواطنين وإيجاد قوانين جيدة لمكافحة الفساد إلا أن الواقع يبين أن مؤسسات مكافحة الفساد في الوطن العربي غير مستقلة، وهي مطلوب منها أن تراقب السلطة التنفذية، ولكن تجدها في الحقيقية هي أصلا تابعة للسطلة التنفيذية وتعمل بأوامرها وبالتالي تصبح غير مستقلة وغير قادرة على مكافحة الفساد.
كما أن البيئة الدولية والمنظمات الدولية وخلافه تساعد أحيانا لأنها تدعم الفاسدين في مختلف الدول العربية من أجل أن تحقق مصالحها. كل هذه المحاور تمثل أهم أسباب انتشار الفساد.
* ما هي أبرز صور الفساد؟
أهم صوره على الإطلاق هي جريمة الرشوة، لما يقبل شخص يطلب أو يقبل ميزة غير مستحقة (عشان يؤدي عمل من أعمال وظيفته أو يمتنع عنه أو يؤديه بشكل خاطئ) هناك صور أخرى وبدا حديثه عن رشوة الموظف الدولي يعني موظف موجود أو تابع لمنظمة أجنبية تعمل بالسودان مثلا، يجب وضع قانون يجرم هذا الشخص (مش نقول مليش دعوة)
وهي من الصور المهمة التي انتشرت حيث يمكن أن أستخدم وظيفتي في الحصول على بعض المال مثل وظيفة سائق بمؤسسة حكومية يستطيع أخذ السيارة الحكومية ويعمل بها لحساب مصلحته.
ويتصرف أحد المسوؤلين اؤتمن على مال عام دون أن يعرف أحد وذلك بأساليب مختلفة زيادة الفواتير وغيرها من إجراءات التحايل، وفي هذا الجانب نجد بعض الأشخاص يظهر عليهم الثراء خلال فترة وجيزة دون أن يكون هناك توافق بين الدخل والمال الذي يمتلكه.
أما جريمة غسل الأموال، فهي إعادة استخدام المال الذي تحصلت عليه بطرق غير مشروعة في عمل مشروع.
فيما تهدد إعاقة سير العدالة، الموظف العام حتى لا يقوم بعمله، تهديد قاضى بالحكم لصالحه أو العكس ، (أريد أن اؤكد أن أنواع الفساد ليس لها حصر كل يوم في جديد وممارسات مختلفة ولكن الصور التي ذكرت هي المنتشرة في دول العالم كافة .
* كيف يقاس الفساد؟
حتى بداية التسعينيات لا يتخيل أحد أن الفساد يمكن أن يقاس لأنه شيء اجتماعي، هناك بعض المحاولات الجادة لقياس الفساد قادتها منظمة الشفافية الدولية وهي غير حكومية مقرها برلين في عام 1993م بدأت في نشر مؤشر إدراك الفساد العالمي وهو من اسمه قد لا يعكس الحقيقة بدقة ولكنه يقيس الانطباع العام والسائد لدى المواطنين، إلا أن ترتيب الدول في هذا المؤشر فيه مشكلة مثلا سنغافورة الأولى في العالم ومصر رقم (111) ربما تكون في العام المقبل أدنى أو أعلى وهذا هو الخطأ المنهجي لأن الاختيار والترتيب وفق مجموعة أسئلة يسأل منها بعض الخبراء في أي دولة، كما يعتمد على بعض المسوحات التي تقوم بها بعض المنظمات تكون حول هل يوجد فساد أم لا والنتجية تأتي حسب ردود تلك المسوحات، في سنغافورة معظم الناس قالت ليس هناك فساد وأخرى الفساد فيها منتشر جدا، وبالتالي ترتيب الدول يعتمد على هذه الإجابات، ولكن يظل هذا إدراك وهو ليس السبيل الوحيد لقياس الفساد في العالم.
* هل من نماذج أخرى؟
توجد مؤشرات تابعة للبنك الدولي وأخرى لمكتب الأمم المتحدة ومنظمات الشفافية كما هناك بعض الدول التي بدأت تضع مؤشرات وطنية، والمهم في هذه المؤشرات الوطنية أن نعرف المشكلة ومن ثم نضع الحلول.
في مصر منذ عام 2007م بدأت تضع مؤشرا وطنيا لمدركات الفساد حيث (90%) من المواطنين المصريين أقروا بوجود فساد بينما رأى أكثر من (60%) أنه ليس هناك أمل في المعالجة.
كما أن هناك وسيلة التحليل للفساد من الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية لكي يكمل بعضها البعض، القياس والتحليل هو عملية مهمة في مكافحة الفساد حتى نعرف ما هو الفساد أصلا ودرجة انتشاره وأسبابه ، كما يوجد قياس التجربة عبر تحقيق تنفذه المنظمات في المؤسسات الحكومية يعتمد على سؤال: هل تطلب منكم رشوة؟ وقياس التجربة مفيد جدا في مكافحة الفساد.
* هل تستفيد حكومات الدول من هذه المؤشرات؟
إن هذه المؤشرات يجب أن تكون تنبيها للحكومات حتى تتخذ إجراءات أكثر استجابة لمكافحة الفساد ولكن نجد أن الحكومات تأخرت مما أدى إلى تفشيه في الدول .
* حدثنا عن حجم الفساد في الوطن العربي؟
الحديث عن الفساد في الدول العربية المختلفة يكون من كل دولة لها ظروفها وخصائصها الذاتية ، ولكن دائما نقطة البداية المقارنة بين الدول النفطية وغير النفطية هل فيها فساد أم لا؟ لأن ارتفاع مستوى المعيشة في أحيان كثيرة يخفي مظاهر الفساد ويضعف رد الفعل الشعبي لأن المواطن توفر له حياة كريمة من كل ناحية مما يليهم عن النظر إلى المكافحة .
* ما هي قطاعات الإنتاج الأكثر تضررا من انتشار الفساد ؟
عند النظر إلى عموما على مستوى الوطن العربي نجد أن هناك ثلاثة قطاعات أكثر تأثراً لأنها الأكثر احتكاكا بالمواطنين، وأي فساد فيها يشعر به المواطنون بسرعة وهي: الصحة؛ لأن كل شخص يذهب المستشفى يتعامل مع الرشاوي بالتالي فيها فساد كبير، والتعليم لأن هذا القطاع لا يخلو من مشكلات توفير أماكن الدراسة والجلوس والكتب وغيرها. وخدمات المياه والصرف الصحي؛ لأن علاقة المواطنين بمرافق هذين القطاعين الأكثر التصاقا وتأثيرا عليهم.
كما أن هناك شكوى من الشرطة في معظم الدول العربية.
* وماذا عن الفساد في التعامل مع المساعدات دولية؟
لا نستطيع أن نطلقها بالتعميم لأن المساعدات الدولية فيها الجيد والسيئ حيث يمكن الاستفادة منها، والتحفظ على بعض البنود التي لا ترغب فيها الدول، ولكن تظل المساعدات الدولية يذهب جزء كبير منها مرتبات ومصروفات للخبراء الذين يحضرونها وبالتالي نصف المساعدات تنفق عليهم رغما من ذلك الدول لا تقول " لا للمساعدات" إضافة إلى ضعف الرقابة على هذه المساعدات والمعونات يحصل فيها تبديد و فساد مما يستوجب تشديد الرقابة عليها حتى نجني ثمارها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق