الأحد، 7 أغسطس 2011

رسالة لأهل الحل والعقد

رسالة لأهل الحل والعقد
مشاركات
إنه الفشل – الضخم – العريض – الهائل – المخيف، فهل فشل السياسات الاقتصادية في تحسين الأحوال الاجتماعية والمعيشية والمالية لجماهير الأمة السودانية، وتمثل هذا الفشل في الزراعة – الاستثمار – ومحاربة العطالة والعطش وتشغيل الخريجين – والفقر – والتنمية عموماً. ولنبدأ بالفشل الزراعي – وقد بدأ بعدم الاهتمام بالزراعة وبعدم الاهتمام بتأثيرها على اقتصاد البلاد. وهذا طريق ما كنا نظن أو نعتقد أن المؤتمر الوطني سيسلكه إطلاقاً وهو الطريق الذي أدى ليكون السودان فاشلاً زراعياً حتى أوصل المواطن الذي كانت حرفته الزراعة إلى تركها واعتبارها مهنة طاردة لا عائد منها فهجرها وهاجر من المناطق الزراعية بالريف إلى المدن واشتغل بالأعمال الهامشية، وصار الجميع يعملون بتجارة المفروشات على الطرقات وباعة متجولين وبالسمسرة وتجارة العملة والصرافات والمضاربات والأوراق المالية. وانصرف الناس عن العمل الجاد في مجال الإنتاج بأنواعه، والإنتاج هو العمود الفقري لبناء اقتصاد البلاد. وبدأ الأمر بإهمال وتدمير أكبر مشروع زراعي إنتاجي في أفريقيا والشرق الأوسط (مشروع الجزيرة) وكان التدمير بإيقاف زراعة محاصيل الصادر ومحاصيل الأمن الغذائي كالقطن والفول السوداني والقمح، وتم تدمير البنى التحتية للمشروع وكان التدمير الاقتصادي الثاني والإهمال لسكك حديد السودان الناقل الوطني الأقل تكلفة والرابط الوحيد لأطراف السودان حتى ظن الناس أن هناك من يتآمر ويتعامل مع الأجنبي لتدمير البلاد وتدمير اقتصادها، فالقرار الفوري بإعادة السكة حديد إلى سيرتها الأولى بل أكثر تطوراً وتقنية هو مطلباً وطنياً. وبعد ذلك جاءت بنات أفكار المؤتمر الوطني المسماة (بالنهضة الزراعية) وكان من أصوب أن تسمى (الكبوة الزراعية) لأنها لم تحدث النهضة الزراعية بالسودان، وظهر ذلك من خلال الممارسة العملية ومن خلال الأموال المهدرة التي رصدت لها والتي كان الفشل مصاحباً لكل ما قصدته من مشاريع، وكان ضعف الإنتاجية هو الميزة والعلامة البارزة لها و كان الاختلاس والتلاعب بالأموال والفساد في صرفها في غير مواضعها وظهر ذلك في قضية البذور الفاسدة والمبيدات منتهية الصلاحية في شراكة النهضة الزراعية الفاشلة مع شركة كنانة بمشروع الرهد الزراعي، وكلها كانت قضايا فساد مالي وإداري لتدمير الزراعة ولم تحاول النهضة الزراعية ملاحقة من تسببوا في ضياع هذه المليارات وتسببوا في ضياع المحاصيل الزراعية وعدم الإنتاج ودمار اقتصاد البلاد. مع كل ذلك نجد أن المؤتمر الوطني لا يعتبر بتدني وضعف الإنتاج الزراعي على الدوام ولا يعترف بفضل النهضة الزراعية ويصر على أنها الطريق الوحيد للنهوض بالزراعة. فعدم الاعتراف بالفشل يجعل النهضة الزراعية وكأنها كتاباً منزلاً يجب الالتزام به وتنزيل أحكامه على العباد. إن عدم الاعتراف بفشل النهضة الزراعية يمنع التوجه نحو طريق الإصلاح والتغيير إلى الأفضل للنهوض بالزراعة في السودان، وهذه معضلة من المعضلات التي تتحكم في عدم تجديد الأفكار وتجديد السياسات والتحرك في أطر محددة، فإذا توفرت القناعة بعدم جدوى أمر ما أو سياسة ما في أي مجال فمن الحكمة ترك هذه السياسة وعدم الاستمرار فيها وتغييرها بسياسات أفضل منها. ومن المحزن حقاً أن المؤتمر الوطني حتى هذه اللحظة يمجد سياسة النهضة الزراعية التي أوقفت زراعة القطن أهم محصول اقتصادي في السودان وما زالت تعقد مؤتمرات البلطجة الإعلامية لاستعراض إنجازات النهضة الزراعية؛ ولكن الحقيقة التي يعلمها كل سوداني وكل مزارع هي فشل النهضة الزراعية. ونتحول إلى الفشل في مجال الاستثمار، فقد توقف الاستثمار في مجال الإنتاج الزراعي والصناعي والحيواني واتجهت سياسات الاستثمار نحو الاستثمار العقاري وبناء الفنادق والعمارات والشقق والأبراج والمدن الخرسانية، وأيضاً اتجه الاستثمار في بناء الطرق والجسور والكباري وتوقف الاستثمار في مجال الإنتاج بأنواعه الزراعي والصناعي والحيواني. إن الاستثمار العقاري له أضراره على الاقتصاد، فهو ينمي اقتصاد المستثمر فقط؛ ولكن الذي ينمي اقتصاد البلاد والوطن فهو الاستثمار في مجال الإنتاج فهو ينمي اقتصاد البلاد ويمد المصانع بالمواد الخام لاستمرار الصناعات التحويلية من نسيج ودقيق وزيوت وتعليب للخضر والفاكهة وتجفيف البصل وغيره، ويوسع فرص العمل للعطالة والخريجيين ويخفف من حدة الفقر ويزيد دخل الفرد ويساعد في خفض أسعار السلع. لذلك يجب أن يطال الإصلاح والتغيير سياسات الاستثمار ويتم توجيهها نحو الإنتاج الزراعي والصناعي والحيواني. أما سياسة المؤتمر الوطني في محاربة الفقر والعطالة وتشغيل الخريجين، فكانت كلها عبارة عن مسكنات لم تلج إلى لب علة الخريجين والعطالة ومحاربة الفقر ومحاولة اجتثاثها نهائياً، فكانت سياسات بأسماء صاحبتها بلطجة إعلام مضخم للإيحاء بأن هناك منجزات تقنع العطالة والخريجين والفقراء بأن هناك اهتمام وعمل لحل مشكلاتهم والواقع عكس ذلك، فلا فقراً زال بل زاد ولا قلت أعداد العاطلين ولا الخريجين تم تشغيلهم. بل أن المؤتمر الوطني أخطأ كثيراً عند اتباعه سياسات الخصخصة وتخفيض العاملين وتوفيق الأوضاع والصالح العام فازدادت العطالة وارتفعت معدلات الفقر وفشل بعد ذلك مشروع التمويل الأصغر ومشروع دعم الأسر الفقيرة ومشروع دعم الخريجين ومشاريع زواج الخير، فكيف أتزوج وأنا عاطل وليس لي مصدر دخل، فشلت كلها لأنها كانت مرتبطة بالولاء والانتماء الحزبي ومرهونة بتمييز الجهوية وجهات مسؤولة يمكن اللجوء إليها. وكثرة الصناديق المالية للدعم ومسمياتها الكثيرة ولكنها لم توجه لدعم الشرائح المحتاجة للدعم بل كانت صناديق لإهدار المال وإفساد الذمم والكسب الحرام، وكانت صناديق أدت وسببت ضعف الأداء المالي لوزارة المالية لأن أموالاً بالمليارات تخصص لهذه الصناديق التي لا يأتي من ورائها عائد يؤدي إلى زيادة الإيرادات والمالية مجبرة على اتباع هذه السياسة بحكم اتباع البرامج الحزبية المنحرفة. لم يحاول المؤتمر الوطني الحل الجاد الحاسم لمشكلات العطالة وتشغيل الخريجين والقضاء على الفقر. والحلول الجادة تتمثل في قيام وإنشاء مشاريع قومية زراعية وصناعية وحيوانية مثل شركة جياد العملاقة. ويمكن بقيام مشروع ترعتي كنانة والرهد أن تقوم بمشاريع زراعية وحيوانية كبرى تمكننا من الاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض، مشروع مدينة الصناعات الإلكترونية السودانية ومشروع مدينة الأجهزة الطبية والإلكترونية بأنواعها المختلفة. هذه المشاريع لا شك تستوعب كل العطالة والعمالة الفائضة والخريجين من الفنيين والتقنيين ومن الزراعيين والبيطريين والإنتاج الحيواني والمحاسبين والإداريين والمهندسين والعمالة المهرة في كل المجالات. بهذا التفكير والفهم من المعالجات يمكن القضاء على مشكلات الفقر والعطالة والخريجين، وبهذا العمل يمكن أن نخرج من دائرة المسكنات لعلاج مشكلاتنا إلى رحابة الحلول الجذرية. والتغيير الاقتصادي الجدير بالاهتمام والإسراع فيه هو الحرب على الفساد في كل المجالات الاقتصادية والمالية، وكذلك الإسراع بتغيير السياسات الاقتصادية الخاصة بتخفيف المعاناة على المواطن وعدم التلاعب في أساسياته المعيشية مثل السكر واللحوم والخبز والخضر والأجور، وإذا كان وزير المالية يعلن قبل يومين أن ارتفاع سعر السكر سببه ضعف الرقابة، فهذا إعلان يؤكد فشل المؤتمر الوطني في انحيازه لقضايا المواطنين الملّحة لأن السكر هذا تحتكر تجارته وتوزيعه والتحكم في حركته الدولة المتمثلة في شركة السكر. فالفساد في هذا الأمر وهذه السلعة التي يرتفع سعرها باستمرار والفساد عموماً أمر لا يختلف حوله اثنان أنه مقصود من الدولة المتحكمة في السلعة تجارة وحركة وتوزيعاً. والحرب على الفساد من السياسة التي تستدعي الآن عدم التلكؤ فيها أو المماطلة حولها وحسمها بجدية. وأيضاً يجب أن يطال التغيير والإصلاح سياسات استقرار سعر صرف العملة والتضخم المستمر ومحاربة ما يسمى غسيل الأموال، ويتساءل الجميع من أين تأتي هذه الأموال التي تغسل؟!! وكلها من عيوب عدم الرقابة للأمن الاقتصادي. هذا القليل من الكثير الذي لم ينظر إليه المؤتمر الوطني بنظرة الفشل بل كان وما زال ينظر إليه بنظرة النجاح وأنه الأسلوب الأمثل من السياسات لمعالجة المشكلات الماثلة. والمسألة المحزنة حقاً أن المؤتمر الوطني يصر حتى اللحظة على تمجيد وتلميع هذه السياسات ولم يفكر في الاقتناع بعدم صوابها ونجاحها وأنها لم تحقق أهدافها والمراد منها. فهل بالنهضة الزراعية نهضت الزراعة في السودان؟ وهل بتعطيل الإنتاج وإيقاف إنتاج خام الصناعات التحويلية من قطن وبذرة الفول والقطن والقمح هل بتوقف هذه المحاصيل توقفت صناعة ومصانع ومحالج القطن ومصانع النسيج وصناعة الزيوت وصناعة الدقيق. هل بهذا تم النهوض بالاقتصاد أم إضعافه وتدميره وتخريبه وهذا الفشل الاقتصادي في سياسات الإنقاذ لا نجد له مبرراً ولا تعليلاً ولا بد من الاعتراف به والانقلاب عليه والأسئلة تتوالى، والسؤال التالي هل بمشاريع محاربة الفقر والتمويل الأصغر ومشاريع دعم الأسر الفقيرة ومشاريع دعم الخريجين ومحاربة العطالة، هل بهذه المشاريع تم القضاء على الفقر أو خفض حدته؟ وهل لم تعد هناك عطالة وتم استخدام الخريجيين وتخلصنا من الفقر والأسر الفقيرة؟ وهل تم تخفيض نسبة العنوسة والعزوبية؟. الإجابة على هذه الأسئلة توضح مدى نجاح أو فشل هذه السياسات. وإذا كانت نسبة 50% من الخريجين والعطالة تم استخدامهم وتشغيلهم ونسبة 50% من الفقراء زال عنهم فقرهم، عند ذلك يمكن أن يصر المؤتمر الوطني على نجاح سياساته ويعقد المؤتمرات الإعلامية ويقيم الاحتفالات والندوات التلفزيونية والاجتماعات الدعائية لسياساته وللنهضة الزراعية والصناعية والاجتماعية، وإذا كان الأمر كما أشرنا إليه فعليه الاعتراف بالفشل والتغيير العاجل. الشعب يريد أن يكون التغيير والإصلاح في المؤتمر الوطني منصباً في ابتكار سياسات تغيير وإصلاح ضرورية ومهمة وملحة تصلح الوضع الاقتصادي والاجتماعي حقيقة وصدقاً قولاً وفعلاً وليس هلامياً ولا جعجعة إعلامية، وأن لا تختصر الإصلاحات على الهياكل الإدارية والتنظيمية للحزب بل المهم تتعداها وتتجاوزها للأهم، لتغيير الشخصيات التي عقمت سياساً وعجزت عن تجديد أفكارها وراءها لإحداث الإصلاح والتغيير الذي يريده ويتمناه ويرجوه الشعب السوداني. والله المستعان.. (بقلم:أ‌. الطيب محمد الفكي آدم )...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق