الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

حول المدغمسة وغير المدغمسة


الأستاذ حيدر لك التحية والأمنيات الطيبة بصوم مقبول وذنب مغفور، وتجدني من المداومين على قراءة عمودكم اليومي، ومن أشد المعجبين بما يتضمنه من جرأة وإفصاح وتبيان للحقيقة وسبر لأغوار المدغمس والمغتغت.
والمدغمس كثير ومحير وأنت سيد العارفين وعطفاً على السؤال عن مشروعية الأموال التي تؤخذ من الوارد ذكرهن في مقالكم تحت العنوان أعلاه وإختلاط ذلك بالمال العام الذي تصرف منه المرتبات وتدفع الزكوات وفواتير العلاج...إلخ. وددت أن أحكي قصة قصيرة أحسب أن فيها عبرة وفيها استلهام للدولة الفاضلة النزيهة وكيف تفصل الأشياء و تفرز الكيمان... والقصة تعود إلي أن مواطنة في واحدة من الدول الإسكندنافية ذات جمال أخاذ وعلاقات واسعة بالرسميين في الدولة وغيرهم ... رأت أن تستفيد من هذه العلاقات في عمل استثماري ... فتقدمت بطلب رسمي للدولة للحصول علي إذن لإدارة منزل دعارة بصورة مقننة في دولة لا دينية ولا تحكمها تشريعات سماوية، فقط تتعامل بمنطق الأشياء والطبيعة التي تتوافق مع حاجات البشر وبالتأكيد ما يتنافي مع الأخلاق مرفوض فيها.
وافقت الدولة على طلب السيدة ومنحتها الإذن المطلوب (رخصة دعارة) ولما كان قانون الدولة يفرض على كل صاحب رخصة تجارية دفع نسبة 34% من دخله للدولة كضرائب و16% لصندوق الرعايه الإجتماعية، بدأت هذه السيدة في ممارسة نشاطها ودفع هذه النسب وبكل أمانة وشفافية... اليوم استقبلت كذا زبون دفع مبلغ كذا النسبة المفروض دفعها مبلغ كذا. إلا أن إدارة الضرائب وإدارة صندوق الرعاية الإجتماعية لاحظا أن هذه السيدة تدفع مبالغ كبيرة وأعلى من المعدل المألوف، فتم استدعاؤها لإدارة الضرائب وتم استيضاحها عن مصدر هذه المبالغ وكيف تتحصل عليها فأخبرتهم بحقيقة أمرها وأن هذا بزنس معترف به من قبل الدولة وهذه هي الرخصة، ما المشكلة !!! حينها تم تدارس الأمر بين الضرائب والرعاية الإجتماعية وتقرر بأنه لا يمكن تدوير هذا المال في المال العام الذي تصرف منه المرتبات والإعانات للعجزة والأطفال وذوي الحاجة ما ذنبهم أن يأكلوا مال الزنا وكيف يستقيم خلقاً أن تدفع هذه الأموال لأشخاص أبرياء أنقياء ... وتم رفع الأمر إلي وزارة المالية لتفتي في الأمر حيث أمرت المالية بتجنيب المبالغ التي تورد شهرياً وعدم تدويرها في المال العام حتى يتم البت في الأمر.
ودخلت وزارة المالية في جدل قانوني طويل، وقامت السيدة القوادة بفتح بلاغ ضد الضرائب والرعاية الإجتماعية ووزارة المالية تطالب بتطبيق القانون الذي لم يدرج مال الزنا من ضمن الأموال المحظورة وبأي قانون تمنع من مزاولة هذه المهنة وهي تحمل رخصة ومن سيعولها بعد أن تبلغ من العمر عتياً وقد ساعدها في ذلك العديد من منظمات المجتمع المدني التي تري من حقها أن تدفع الضرائب وأن تعمل بما أوتيت من مقومات وملكات.
تم رفع القضية إلى البرلمان وتم تداولها في جلسات عديدة وجدت من يساندها ووجدت الكثيرين الذين يعارضونها وبما أنها قضية حقوق وواجبات وقوانين فلم يستطع البرلمان البت في القضية حتى انتهت دورته (4 سنوات) وتم رفع القضية للبرلمان الجديد وتداول الأمر ولم يجد حلاً فحولها إلى البرلمان الذي يليه، وظلت هذه القضية تشغل بال البرلمان والصحافة لمدة عشر سنوات خلت وما زالت ... ومازالت السيدة تدفع وأموالها تجنب.
وإليك أن تتساءل؟ كم من صاحبة خمارة تم تغريمها؟ وكم من سكران تم جلده و تغريمه وكم من تاجر حشيش كذلك وكم من صفقات تمت تسويتها وكم من الأشياء قيل خلوها مستورة، ولعمري كلنا آكل الربا من غير قصد أو أوكلنا الربا مع سبق الإصرار .. وظهرت النتائج السيئة في مناحي الحياة شتي، جور السلطان ومرض السرطان وما بينهما وموت الهمة وإنعدام النخوة واللامبالاة، وتفشي الزنا والرذيلة واغتصاب الأطفال والكل يلهث والكل يلحس .... والسؤال الذي أضمه لما أسلفت وسألت من هو المسئول جنائياً وقضائياً عن خلط الحلال بالخبيث حتى لا يسهل الفزر وتتشابه البقر؟ ومن المسئول عن وعن وعن الرأي الديني والفتوي الشرعية في دولة ظاهرها اسلامي وباطنها شك بين الحلال والحرام، من المسئول عن تأصيل الأشياء وتأصيل القوانين المرتبطة بحياة الناس واقتصاد الدولة وسكر سكر سكر وهل كان في صدر الإسلام أموال كهذه وأحكام كهذه وإن كان كذلك هل كانت تضم هذه الأموال لبيت مال المسلمين؟وما هو الثابت في القرآن الكريم والحديث والسنة ؟... أفتونا يا أهل الخير بس شيلوها من باب فقه السترة.
لك التحية والتجلة
عصام الدين حسن
( تعليق: 0)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق