الجمعة، 12 أغسطس 2011

لابد من تصفية حسابات الجمهورية الأولى حتى لا تكون الثانية امتداداً لها!

رأي(الأرشيف)
٭٭ لا نجافي الحقيقة عندما نقول بمنتهى الاطمئنان ان أهل الاسلام السياسي وحدهم يحملون نسبة 95% مما في جسد الحاضر السوداني من اسقام وامراض وعلل، ومافي وجه المستقبل من تقاعس واخفاق وتساؤم وفشل!!
٭٭ فشواهد التاريخ تقول وتؤكد ان الحركة الاسلامية عبر مسمياتها الثلاثة (جبهة الميثاق ثم الجبهة القومية الاسلامية واخيراً المؤتمر (بشقيه) الوطني والشعبي) ظلت تتشبث بالحكم طوال 34 عاماً متصلة وتحديداً منذ عام 1977 أو ما يعرف بعام المصالحة الوطنية التي وقعها السيد الامام الصادق المهدي مع نظام مايو، وحتى يومنا هذا! فمنذ ذلك التاريخ ظلت الحركة الاسلامية تسعى إلى السلطة والحكم من واقع التقرب زلفى لسلطة مايو وسلطانها وصولجانها، والتسبيح بحمد (أمير المؤمنين) الرئيس الراحل جعفر محمد نميري، وخلع الالقاب عليه خاصة بعد ان قام الرجل واخذته (الهاشمية) بإعلان قوانين الشريعة الاسلامية التي قام بوضعها الثلاثي (عوض الجيد محمد احمد والنيل ابو قرون وبدرية سليمان) لتجني الحركة الاسلامية لوحدها ثمار تلك القوانين دون ان تبذل جهداً لزراعة شجرتها أو سقايتها ورعايتها!!
المهم فقد استفادت الحركة الاسلامية من معطيات المصالحة الوطنية في وقت خرج منهارجلها الاول الصادق المهدي خال الوفاض صفر اليدين مكسور الخاطر، اذ انه لم يحصد غير العدم والندم خاصة وان بنود المصالحة تتمثل في (1) الموافقة على الدستور الدائم الراهن مع تعديله (2) الموافقة على مبدأ الجمهورية الرئاسية (3) الموافقة على مشروع الولاية الثانية (4) الموافقة على التنظيم السياسي الواحد (5) الموافقة على اطار اتفاقية اديس أبابا!
٭٭ أما أهل الاسلام السياسي فقد أطلت عليهم ليلة القدر وابتسم لهم الزمان ابتسامة عريضة بعد ان أدت هذه المصالحة (الظالمة) إلى فتح ابواب السجون على مصراعيها لتتنفس القيادات الاسلامية الصعداء، حيث تم اطلاق سراحهم جميعاً وعلى رأسهم كبيرهم الذي علمهم (السحر) د. الترابي وانفتحت أمامهم بسبب هذه المصالحة أبواب الحريات والعربدة في مسرح السياسة السودانية لتبدأ مرحلة التخطيط الاستراتيجي المدروس بعناية فائقة والهيمنة المطلقة على اتحادات الطلاب بالجامعات والمعاهد العليا والمدارس الثانوية باعتبارها الروافد الاساسية التي تتشكل منها القوات النظامية (الجيش والشرطة والامن)،وتشكل منها قيادات القضاء والخدمة المدنية في مختلف جوانبها وتخصصاتها، وخريجوها هم المناط بهم ادارة الاقتصاد والمال والجهاز المصرفي وهم رجالات الاعلام في اجهزته المختلفة المقروءة، والمرئية والمسموعة، بجانب سيطرة الحركة الاسلامية على النقابات واتحادات الشباب والنساء!!
٭٭ من كل ذلك، يتضح ان أهل الاسلام السياسي وضعوا خطتهم واعدوا عدتهم للسيطرة على مفاصل الدولة منذ عام المصالحة الوطنية، وظل البناء يتواصل خطوة بخطوة وبتمهل شديد وبمنتهى المكر والذكاء، ونميري واجهزته الامنية غافلون عن ذلك تماماً بعد ان تفنن اهل الاسلام السياسي في اطلاق الالقاب والنعوت على الرجل، حتى جاء عام 84 لتبدأ مرحلة الاطاحة بنميري بعد ان احس القوم بأن بناءهم قد وصل إلى مرحلة النهاية!!
٭٭ وعندما احس الرئيس بالخطر الداهم قام باعتقال الجماعات الاسلامية والزج بهم في السجون ريثما يعود من رحلته الشهيرة والاخيرة لامريكا حتى يقوم بالخلاص منهم ورميهم في قاع البحر ليكونوا طعاماً للحيتان والاسماك!
٭٭ غير ان العناية الالهية انقذت الحركة الاسلامية من (هلاك) محقق ومجزرة لا تقل عن المجزرة التي تعرض لها الشيوعون، ساعدهم في ذلك المخطط الامريكي للخلاص من الرئيس (الملهم) بسبب اعلان قوانين الشريعة الاسلامية وما صاحبها من تطبيق شائه من واقع ما يسمى بمحاكم العدالة الناجزة التي كانت تعقد في الميادين العامة وتحت الاشجار و(الخيام) المنصوبة على قارعة الطريق، وعقوبات الجلد والقطع من خلاف وغير ذلك من العقوبات التي شكلت صدمة عميقة لدى العالم الغربي!
٭٭ بعد نجاح الانتفاضة وسقوط نظام مايو، اصبحت الدولة من أدناها إلى اقصاها رهينة في يد الحركة الاسلامية حيث كان معظم اعضاء المجلس العسكري الانتقالي من الاسلاميين وكذلك مجلس الوزراء الانتقالي الامر الذي ادى إلى وضع قانون انتخابات منحاز بشكل سافر للاسلاميين وتم توزيع الدوائر الانتخابية بما يخدم الاسلاميين، واضحت كل أموال البلد بيد الاسلاميين وهذه الاشياء أدت بدورها إلى ان تفوز الجبهة القومية بدوائرانتخابية لم تكن تحلم بها ساعدهم على ذلك الربكة الحادثة في صفوف الاحزاب الكبرى خاصة الحزب الاتحادي الديمقراطي والانتكاسة التي تعرض لها الشيوعيون بعد محاكمات يوليو 71 والتي ادت إلى انحسار المد الشيوعي في الجامعات والمدارس الثانوية والنقابات بسبب حالات القمع التي مارسها عليهم نظام مايو!
٭٭ بعد نجاح الانتفاضة ايضاً رفع الشارع السوداني شعار (كنس آثار مايو) ومحاكمة سدنتها إلا ان ذلك لم يحدث لانه لم يكن لمايو من آثار أو سدنة غير (الجماعة) الذين تغلغلوا في كل مفاصل الدولة واصبحوا اشبه بشوكة حوت في حلق الانتفاضة،بل ذهبوا أبعد من ذلك عندما افتعلوا الكثير من الازمات والمشاكل واخذوا يحركون الشارع ضد سلطة هم شركاء فيها بسبب الزيادة الطفيفة في اسعار السكر على ايام حكومة الامام الصادق، ومع ذلك لم يعدموا من يقف معهم ويساندهم حث وجدوا ضالتهم المنشودة وللمرة الثانية في الامام الصادق المهدي الذي ساندهم وأيدهم بقوة ووضع يده في ايديهم لاجهاض اتفاقية السلام التي وقعها الميرغني مع الراحل جون قرنق، والتي كانت تمثل الحل العادل والعاجل والحاسم لمشكلة السودان الاولى، خاصة وانها جاءت خالية من الشروط أو الاملاءات التي تقود إلى تفتيت وحدة السودان وجاءت مبرأة من شبهة التدخل الاجنبي حيث كانت سودانية مية المية!!
٭٭ ،في الثلاثين من يونيو وفي ليل بهيم وظلام دامس، وقعت الواقعة وهشمت الفأس الرأس واجهز أهل الاسلام السياسي على النظام الديمقراطي الذي شاركوا فيه رغم الادعاءات الكاذبة والمضللة (للترابي) بأنهم لا يؤمنون بالعنف والانقلابات العسكرية، حيث اعترف الرجل في خريف عمره بأنه قاد البشير للقصر رئيساً وذهب هو إلى السجن حبيساً!!
٭٭ في قراءات سياسية يتحدث د. الترابي عن علاقة عناصر الحركة الاسلامية بما تم من انقلاب اسلامي داخل القوات المسلحة، والذي جاء تحت مسمى ثورة الانقاذ الوطني، اذ يقول الرجل بالفم المليان (فالحركة الاسلامية لم تقتصر علاقتها بالقوات المسلحة على عناصر محددة يتم تجنيدها سرياً وتنظم،اذ لا يمكن ان تفلت ابداً من المراقبة اللصيقة لاسيما ان الحياة العسكرية حياة وثيقة، ولا يمكن للمرء ان يفلت من مراقبة الامن العسكري) ويمضي قائلاً (كان من الممكن أن يحدث ذلك ثم تتعرض الحركة لان تنكشف وتضرب أو ان تحاول محاولة محدودة، ولكنها آثرت أن تخاطب القوات المسلحة خطاباً مفتوحاً)!!
٭٭ ودعونا نمضي مع الدكتور حيث يواصل قائلاً (منذ بدء تطبيق الشريعة الاسلامية فقد انفتحت الحركة الاسلامية على القوات المسلحة انفتاحاً مكشوفاً، ولانه كان مكشوفاً لم يحذر منه أحد ولو كان سرياً لانكشف وقدر خطره ولتم ضربه، وبهذا الانفتاح دخلت قطاعات كبيرة من القوات المسلحة الجامعات وتأهلت للدراسات الاسلامية الشرعية، وبعد الانتفاضة اصبحت الحركة الاسلامية مدافعة عن القوات المسلحة وتعزيزها وعدم تخذيلها بتمجيد المتمردين وانحازت الحركة الاسلامية انحيازاً واضحاً للقوات المسلحة لسنوات طويلة في وقت كان فيه الآخرون يمجدون اعداء القوات المسلحة بأخطاء نميري كأنهم يحاسبون نظاماً عسكرياً)!
٭٭ ويمضي (الشيخ) الدكتور ليقول (لم يكن قيام ثورة الانقاذ تآمراً محدوداً؛ لأن القوات المسلحة كانت في حالة استعداد، وكانت كل القوات مقيمة بوجه دائم في معسكراتها وما كان لمجموعة صغيرة متآمرة (اصلاً) ان تفعل شيئاً في حضور كل القوات المسلحة)!
٭٭ ويواصل قائلاً (كان لابد من قاعدة واسعة فعلاً وغالبة وطبعاً الحركة الاسلامية غلبت في القوات المسلحة بسبب آخر هو ان القوات المسلحة كلها تستمد من المدارس، والمدارس غلبت عليها الوطنية في الخمسينيات وغلبت عليها اليسارية في الستينيات وغلب الاسلام في السبعينيات من هذا القرن، ولذلك كان الضباط الذين تولوا السلطة اسلاميين بالضرورة؛ لان المناخ العام كله كان اسلامياً وهذا يظهر في انتخابات الخريجين الوطنية الاولى اليسارية ثم الاخيرة الاسلامية ويظهر في اتحادات الطلاب والنقابات وفي كل شئ).
٭٭ ويختتم بالقول (لما قامت الثورة كانت فتنة المقاربة والمكاملة بين ما هو عسكري وما هو مدني قد تم تجاوزها لحد كبير).
المصدر: الحركة الاسلامية السودانية من التنظيم إلى الدولة د. علي عيسى عبد الرحمن.
٭٭ ما تقدم ذكره هو سرد مختصر لبعض جوانب استراتيجية أهل الاسلام السياسي للوصول إلى الحكم عن طريق الانقلاب العسكري،واللجوء إلى القوة والعنف في انتزاع السلطة وبصورة تتنافى تماماً مع الاسلام الحنيف، وتتطابق تماماً وتتوافق مع المبدأ الميكاڤيلي القائم على نظرية (الغاية تبرر الوسيلة)!!
٭٭ فالغاية هي الوثوب على السلطة والاستيلاء عليها بصورة لا يقرها الاسلام ولا يقبلها ولايرضاها، بدليل ان استلام السلطة وتداولها في الاسلام يقوم على مبادئ البيعة والشورى والقبول من أبناء الاسلام كما حدث في الخلافة الراشدة، بل حتى على ايام (الملك العضوض) فقد طلب سيدنا معاوية بن سفيان من القبائل العربية ان تبايع ابنه يزيدا، فانبرى أحد زعماء القبائل قائلاً (أمير المؤمنين هذا وأشار بسيفه لمعاوية فإن مات فهذا وأشار بسيفه ليزيد، فإن أبيتم فهذا وأشار لسيفه) مما يشير إلى ان ناس الجبهة اشاروا إلى سيوفهم وتلك هي الوسيلة التي اتبعوها للوصول لغايتهم!!
٭٭ في (الجمهورية الأولى) - ان صح التعبير - أورد (تجار الدين) البلاد والعباد موارد الهلاك والدمار والخراب، ومارسوا في حكم الشعب أبشع أنواع الظلم والقهر والاستبداد، وسخروا كل امكانات الدولة والشعب لحماية نظامهم وسلطتهم وسلطانهم في وقت تعرضت فيه البلاد للتقسيم والتمزيق والشتات، وتعرض فيه الشعب للذل والهوان والفقر، وبسبب سياسات هؤلاء (التجار) دخلت بلادنا إلى غرفة الانعاش، وحشرت في نفق مظلم طويل، ثم يأتي هؤلاء (القوم) ليحدثونا عن الجمهورية الثانية وما أدراك ما الجمهورية الثانية!
٭٭ ولأن المؤمن كيس فطن فلا يمكن ان يلدغ من جحر مرتين، حيث لابد من تصفية حسابات الجمهورية الأولى حتى لا تصبح الثانية امتداداً للأولى!!
٭٭ ولعل الخطوة الأولى تتمثل في ضرورة تحقيق الفصل التام بين (تنظيم أهل الاسلام السياسي) والدولة، خاصة فيما يتعلق بالقوات النظامية لأن هذه القوات هي ملك لكل شعب السودان بمختلف ألوانه السياسية والدينية والعرقية والثقافية، وليست ملكاً لجهة سياسية واحدة كما يزعم د. الترابي في افادته أعلاه رغم انه أصبح اليوم في (حيص بيص) ولا حول ولا قوة له!!
٭٭ ان الشعب السوداني العظيم هو الذي يقوم على حد المساواة يدفع كافة مستحقات القوات النظامية من ضرب يمينه وعرق جبينه ومن حر ماله، ويدعم صفوفها بأبنائه وفلذات كبده حتى يؤكد قوميتها وحيدتها واستقلالها، وان كل ابناء الشعب السوداني سواسية أمامها كأسنان المشط!!
٭٭ والخطوة الثانية في تصفية حسابات (الجمهورية الأولى) تتمثل في محاكمة كل المفسدين الذين عاثوا في الارض فساداً وقاموا بسرقة أموال الشعب في وضح النهار، وعلى عينك يا تاجر وليس في السودان من صادفته ليلة القدر حتى يمتلك العديد من العمارات والعربات والزوجات والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، ولابد من تفعيل وتطبيق قانون من أين لك هذا؟ لأن هذا القانون من قوانين الله سبحانه وتعالى وليس من قوانين البشر!
٭٭ وثالث الخطوات يتمثل في رد الحقوق لكل فرد تم طرده من الخدمة تحت ما يسمى بالاحالة للصالح العام وتعويضه التعويض العادل، ولابد من افراغ أجهزة الدولة من كل الذين سطوا عليها تحت شعار (سد الثغرة دي يا شيخنا)!
٭ وما أكثر القضايا التي تحتاج لمعالجات وحلول، ولكن لا يتسع المجال لذكرها في هذه المساحة المحدودة!
٭٭ والخلاصة ان الشرفاء من أبناء هذا الوطن لا يمكن ان يقبلوا بأن تكون ما يسمى بالجمهورية الثانية هي امتداد للجمهورية الأولى، إلا كما يقبل المؤمن بالله سبحانه وتعالى ان يعود إلى الكفرة، والعياذ بالله من ذلك!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق