الجمعة، 16 ديسمبر 2011

أولى ثمار الربيع العربي


اقترب حزب حركة النهضة الإسلامي التونسي بزعامة راشد الغنوشي من نيل المركز الأول في انتخابات المجلس التأسيسي التونسي، بعد مؤشرات بتصدره أول انتخابات منذ الاحتجاجات التي تفجرت في بداية العام الجاري، وتعتبر الانتخابات التونسية أولى ثمار الربيع العربي الذي قدحت تونس شرارته،وستكون التجربة التونسية بالون اختبار لباقي بلدان المنطقة العربية إيذانًا بانتقال الربيع إلى مرحلة جديدة تحقق آمال الشعوب العربية وخصوصا مصر وليبيا اللتين استلهمتا "ثورة الياسمين".
تقدم الإسلاميين في الانتخابات التونسية التي ستعلن نتائجها الرسمية اليوم ليس مفاجئا للذين تابعوا الحراك في المشهد السياسي التونسي في الأشهر الماضية التي تلت ثورة 14 يناير، التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي، حيث بدت حركة النهضة أكثر تأثيراً وحضوراً شعبياً في تونس،وترجع ثقة التونسيين في الحركة إلى نظافة أيدي الإسلاميين وبعدهم عن تهم الفساد، وكذلك خلوّ أحزابهم من المتحولين الجدد إلى الديمقراطية ممن خدموا في الأنظمة السابقة من سدنة الشمولية والدكتاتورية،وطرح برنامج عملي وعلمي وواقعي يخاطب هموم شعبهم ?تطلعاته،وهو ما يتوقع أن يحدث في الانتخابات المصرية والليبية.
برنامج حركة النهضة الإنتخابي تحت عنوان " برنامج تونس المستقبل" حدد خمس سنوات لتطبيقه ومن أبرز عناصره بناء حكومة وحدة وطنية، ونظام برلماني و محكمة دستورية، وتحويل تونس إلى مركز مالي إقليمي ذي إشعاع دولي و تحقيق تنمية جهوية حتى لا يبقى بين التونسيين فقير،وإستحداث 590 ألف وظيفة و ضمان تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل في مختلف المسؤوليات، و بناء ثقافة وطنية تجمع بين التجذر والإنفتاح،وإصلاح الأجهزة الأمنية بما يخدم أمن المواطن و حقوقه و يعتبر الإسلام مرجعية وسطية لكل هذه الأهداف الإقتصادية والإجتماعية والثقافية ? السياسية والأمنية،وخلاصته قيادة تونس نحو ديمقراطية إسلامية.
ولكن القوى الليبرالية التي شاركت في الثورة تخشى من خروجها خاوية الوفاض من الانتخابات كما تخشى أن يتبنى الإسلاميون سياسات معادية للغرب ومواقف راديكالية تجاه المجتمع،غير أن الراجح هوأن يحافظ الإسلاميون على الحياة المدنية، كما أبدوا التزامهم بالحفاظ على حقوق المرأة، وأن يتبنوا أسلوبًا مشابهًا لذلك الذي يتبعه إسلاميو تركيا.
واعتبر الغنوشي أن النموذج التركي هو الأقرب لحركة النهضة بحكم نقاط التشابه الكثيرة بين الحركة وحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بزعامة رجب طيب أردوغان، مشيرا إلى أن كتبه كانت من أبرز المراجع التي اعتمدها الحزب التركي في تأسيس أدبياته النظرية.
وكان لافتا في تصريحات الغنوشي الأخيرة التي سبقت الانتخابات تأكيده على أن حزبه لن يغلق فنادق وأماكن بيع الخمور، ولن يفرض الخمار والحجاب على المرأة بل سيسعى لخلق مناطق ترفيه للطبقات المتدينة تحترم القيم الإسلامية، منوها بالتجربة التركية على هذا الصعيد.
ويعتبر الغنوشي من علماء الإسلام الذين يؤمنون بأن الإسلام يتفق مع الحداثة والديمقراطية، ويرى الفيلسوف التونسي أبو يعرب المرزوقي أن حركة النهضة ذروة ما وصل إليه الفكر الإصلاحي في العالم الإسلامي.
يُدرك الغرب ومعه بعض علمانيي المنطقة العربيَّة أن المستفيد الأكبر من "ثورة الياسمين" هو الإسلام، سواء على المستوى الشعبي أم على المستوى الحركي والتنظيمي، فالصك الذي قدَّمه زين العابدين بن على لحكم تونس على مدى ثلاثة وعشرين عامًا لم يكن سوى محاصرة الإسلام وضرب ثوابته وأسُسه وحصره في مساجد وزوايا محفوفة بالمخاطر، يكمن الرعب على أبوابها نتيجة الرقابة الصارمة لها.
حركة النهضة و مؤسسيها أستاذ الفلسفة راشد الغنوشي والمحامي عبد الفتاح مورو والدكتور المنصف بن سالم الذين إنضم إليهم لاحقا عدد من النشطاء من أبرزهم صالح كركر، وحبيب المكني، وعلي العريّض استطاعوا تطوير جماعة صغيرة إقتصر نشاطها في البداية عام 1972 قبل إعلانها رسميا في 1981على الجانب الفكري من خلال إقامة حلقات في المساجد وجمعيات القرآن الكريم ومن نشاط سري إلى حركة جماهيرية واسعة لديها جذور قوية في المجتمع على الرغم مما تعرضت له من مضايقات وحظر نشاطها واعتقال نحو 8 آلاف من كوادرها في عهدي الحبيب بورقيبة وزين الع?بدين بن علي، لكن تلك التحديات والمحن عززت مكانتها شعبيا وقوت عناصرها وصقلت كوادرها،ويرى مشفقون أن الفترة السابقة بما حملته من عبر ونجاحات ستلقي بظلالها على مستقبلها ويشفقون عليها من تباينات يمكن أن تمس وحدتها بين تيارين الأول قيادتها التي عاشت في الغرب وتشربت الديمقراطية والليبرالية المنفتحة، والثاني قيادة الداخل والآلاف من عناصرها الذين خرجوا من السجون بعد فترة طويلة يميلون إلى التشدد في المواقف ومعالجة قضايا المجتمع بعد ما ذاقوه من بطش وكبت.
بحكمة قيادتها والتفاف التونسيين حولها تستطيع حركة النهضة تقديم نموذج إسلامي جديد في المنطقة ، وفي ذهنها حديث توماس جيفرسون كاتب إعلان الاستقلال الأميركي عام 1776 ،الذي قال "عندما يخاف الشعب من الحكومة فذلك طغيان، وعندما تخاف الحكومة من الشعب فتلك الحرية".
( تعليق: 0)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق