الجمعة، 16 ديسمبر 2011

م يستبينوا النصح الا..!


مما يُفطر قلب المرء أن يرى بلاده تتقلب فى الأزمات ، لا تكاد تحل بأرضها أزمة حتى تمسك بخناقها أزمةٌ أخرى ..أزمة دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، أزمة الحدود مع دولة جنوب السودان ، أزمة الفساد المستشرى والذى أصبح مثل الأخطبوط يلتهم كل ما تقع عليه عيناه ، أزمة الاقتصاد الذى يتردى كل يوم، ومحنة الزراعة فى دولة يُفترض أن تكون من ضمن باقة الدول الأوائل فى هذا النشاط ، لتنتكس ويتهددها شبح المجاعات ، فبين كل أزمة وأُخرى تُوجد أزمة ..والقاسم الأعظم المشترك فى كل هذه الأزمات هو عدم الحل وانسداد الأفق أمام ما ?ُفترض أن يكون حلاً .
فى مثل هذه الظروف يتوقع الناس أن تلعب الصحافة دوراً رائداً فى الاسهام بتقديم الرؤى والأفكار والحلول وتعبئة الرأى العام وتنويره وجعله يلتف حول هذه القضايا أولاً ثم تقديم النصح للحكومة لأنها المسؤول الأول عن حل هذه الأزمات ، ولكن أسئلة عديدة تلح على الذهن الحاحاً ، تحتاج الى اجابات شافية ، هل هناك كلمة أو نصيحة لم تُوجه بعد للحكومة ، من قبل منتقديها ومعارضيها وبل من بعض مؤيديها على حدٍ سواء ؟ هل هناك نصيحة تسربت أو ضلت طريقها فلم يقلها الناصحون لها خاصةً ولعامة من يهمهم أمر السودان ؟ ولماذا تصر على عدم ا?تجاوب مع ما يُطرح من نقدٍ بنَّاءٍ يهدف الى تقويم مسيرة البلاد ودرء مخاطر الأزمات عن الوطن والتى أصبح السودانيون يتنفسونها ؟.
أماهر الكتّاب وأفذاذ المفكرين وقادة الرأى فى الصحافة السودانية ، الذين نقرأ لهم يومياً ونحتفى بما يخطه يراعهم المثقل بالهم الوطنى والذى تنثال منه درر النصائح ويواقيت الحلول ..هل بقيت لهم كلمات ونصائح وأفكار وعناوين برّاقةً لمقالات - تهز وترز - لم يكتبوها بعد ، أملاً فى اصلاح حال البلاد وحلاً لأزماتها المختلفة والمتصاعدة يوماً بعد يوم ، نقول أزمات مختلفة ومتصاعدة لأن جسد هذا السودان قبل وبعد بتره ، مُثخنٌ ليس به موضعٌ يخلو من جرحٍ أو طعنة ؟ .
يُقلق مضجعنا أن نرى كل هذه المقالات الناصحة والأفكار النيرة ، قد قدمها الحادبون على مصلحة البلاد ولكن بالمقابل لانرى أن هناك من اتعظ أو عقَل أو انتصح .. بل نرى ردة غير مسبوقة فى الأوضاع المأزومة ، والحادون يزدادون صلفاً وبُعداً كما بعدت ثمود .. بل ان وجود بعضهم فى مراكز صُنع القرار أصبح فى حد ذاته أزمة ما بعدها أزمة ، وآخرون ، غير آبهين ، هم بمثابة ماكينات تصنع الأزمات وتقدمها طازجةً للشعب السودانى ليبتلى بها ويتلظى فى أتونها.. أين ذهبت كل تلك السطور وكل تلك المليارات من الكلمات الناصحات التى كتبها أبنا? وبنات السودان وضمنوها متون الصحف والاصدارات ومنصات الورش والسمنارات ؟ نجزم بأن ما كُتب وقيل لو جُمع على صعيد واحد فى دُسرٍ وأسافير لناء بحملها العصبةُ من الرجال أُولى القوة ، ولو قُدم لأُممٍ أخرى لاستفادت منها فى الخروج من الأزمات وتسنمت قيادة الأمم ، لقد بدأنا نستشعر أن عدم قُدرة هذه النصائح والأفكار على تغيير الواقع فى السودان الى الأفضل هو فى حد ذاته أزمة مستفحلة تستحق الوقوف عندها ملياً !.
فأزمة مثل ظاهرة الفساد المُستشرى ، قد كتب الرواد عنها الى حد الاستهلاك.. ولكن لازال الفساد هو الفساد كالطود الشامخ لا تهزه المقالات التى تفضحه أمام الرأى العام بالأدلة والبراهين وتُشير الى مواطن أوكاره وتشرح أسبابه وتُجرِّم مرتكبيه وتلقى باللائمة على المسؤولين المُفّرطين فى حماية المال العام..فالهدف من وراء الكتابة عنه ليس ترفاً يُمارسه الكتَّاب بل هو فضحه وفضح مرتكبيه وتقديمهم الى محاكمات عادلة وناجزة تكفل استرداد الأموال المنهوبة الى خزائن الدولة ..الا أنه وللأسف الشديد ، لم تُفلح الكتابات والتقارير ا?صحافية فى تغيير واقع الفساد قيد أُنمله ..فلازال الفساد يستشرى ويتعملق ويتغول بنفوذه فى كل أوجه الحياة فى البلاد .. فى الوقت الذى يتزايد فيه تساقط ضحاياه وتتعاظم تأثيراته على الحياة الاقتصادية والاجتماعية ..ودوننا القراءات والمداخلات التى ظل يُحظ بها تقرير المراجع العام سنوياً ، وهو يحوى فقط وجهاً واحداً من أوجه عديدة للفساد فى السودان .. ففى كل عام يقدم المراجع العام تقريراً راتباً يحتوى على تجاوزات مذهلة فى حق المال العام تتجاوز عشرات المليارات فيتلقف الكتاب والحادبون على المصلحة العامة هذه التقارير فيشبع?نها نقداً ولطماً ونُصحاً وعندما يهل العام المقبل يأتى تقرير المراجع العام حافلاً باختلاسات وانتهاكات فى حق المال العام أعظم اذهالاً من تلك التى وردت فى تقارير سابقة فى أعوام سالفة وهكذا تدور ساقية الفساد عام اثر عام والكتاب والمفكرون كأنهم يُؤذنون فى مالطة وحسبنا تقرير المراجع العام لهذه السنة والذى جاء أكثر تفصيلاً اذ حوى هذه المرة أسماء لمسؤولين يحتفظون بحسابات مؤسسات حكومية تحت حسابات باسمائهم خارج الدورة المستندية المعروفة وعكس ما تُقره اللوائح المالية فى البلاد .
أقترح على أساتذتنا ومفكرينا الأجلاء أن يكفوا ، احتجاجاً ، عن تناول هذه المواضيع المستهلكة فقد سبق عليها القول ، لقد ظلوا يتناولون هذه المواضيع طيلة عقدين من الزمان ، بكل صدقٍ وتجرد ونكران ذات ، وفى المقابل لم تعرهم الحكومة أيما التفاتة .. بل ظلت كلما نُصحوها كلما ازدادت شططاً واستغْلت فى مواقفها ومعالجاتها وهى تُسفّه آراءهم .. وتقوى من « عيون الفاسدين» ..وهو موقف احتجاجى يحفظ لهم كرامتهم ومكانتهم فى القلوب..هذا اقتراح غريبٌ بعض الشئ ولكن يجب أن نتذكر أن المفكرين والكتّاب هم بشر يضعون عصارة جهدهم وخلاصة ?كرهم فى هذه المقالات والنصائح ويرجون من وراء ذلك أن تُثمر جهودهم اصلاحاً وانعدالاً للحال المائل فى البلاد ..فهم ليسوا آلات خرساء تكتب بانتظام من أجل الكتابة فحسب.. دون أن ترجو انصلاحاً من وراء ما تقدم من جهد يعود على الوطن بالخير والنماء والأمن والازدهار والاستقرار .. وطالما الأمر كذلك ، وحتى لاتضيع جهودهم هدراً فيمن لا يصيخهم سمعاً ، نرجو منهم أن يكتبوا لنا عن المخرج السليم والآمن من هذه الأوضاع التى علقنا فيها حتى لا يستهلكون أنفسهم بكثرة التكرار ، وأن يكفوا عن توجيه النصح الى حكومة المؤتمر الوطنى فهى حك?مةٌ عصيةٌ على النقد والاصلاح وحالةٌ ميئوسٌ منها وتعتقد دوماً أنها تملك أذكى المنتسبين فى السودان وأكثرهم علماً وفهماً وحزبها حزب المؤتمر الوطنى به عضوية أُوتيت مجامع الحكمة ومُكِّنت من نواصيها فما حاجتها الى نصائح وأفكار من هم دون أولئك فهماً وعلماً وذكاءً وحكمةً ؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق