الهوية السودانية إشارات أكاديمية مأذومة (1-2) |
مشاركات |
في الندوة التي نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (معهد الدوحة) بتاريخ 29/11/2011 بعنوان: "العرب والقرن الإفريقي: جدلية الجوار والانتماء" التي اشترك فيها عدد من الأكاديميين السودانيين في مقدمتهم بروفسيور الطيب زين العابدين، وبروفسيور يوسف فضل حسن وآخرين. ذكر د. النور حمد أن الحكومة السودانية لا ترى في السودان سوى أنه قطر عربي وإسلامي، وأشار د. الباقر عفيف مدير مركز الخاتم عدلان إلى أن السودانيين يجب عليهم الاعتزاز بهويتهم الإفريقية، وقال إن السودان دولة مأذومة لأن بعض السودانيين يعتبرون أنفسهم عرب، وقال أن هناك غموضاً في الهوية السودانية؟! و في مقاله بجريدة السوداني بتاريخ 14/11/2011 طالب د. عبده مختار أن نعيد النظر في قناعاتنا في مسألة الهوية لتعديل بوصلة الهوية بالتركيز على البعد الإسلامي/ الإفريقي بدلاً من البعد العربي/ الإسلامي، وقال اقترح أن نعطي الأولوية في التعبير عن هويتنا للبعد الإسلامي ثم الإفريقي ونقول نحن مسلمون أفارقة، وكل حجته والأسانيد التي قدمها تستند إلى تجربته التي تقوم على جهل الآخرين بهوية السودانيين العربية لأن العروبة في ظنهم تقوم على اللون، وبما أن السودانيين سود أو سمر البشرة فيجب أن لا يرتبطوا بالعروبة، وإذا ما طبقنا هذا الفهم اللوني العنصري يترتب على دولة مثل الهند بسكانها الذين يصلون إلى أربعة أضعاف سكان الدول العربية أن يعيدوا تصنيف هويتهم لأن هناك بيض (صفر) وسمر وسود. ويبدو أن المأذوم ليس هو الدولة السودانية؛ ولكن بعض السودانيين الذين يعتقدون أن الهوية يتم تحديدها بواسطة حكومة أو كلام في ندوات ومؤتمرات ومراكز دراسات أو فهم خاطىء لدى بعض سكان الدول العربية. ليس هناك خلافاً في أن سكان السودان مثلهم مثل معظم سكان العالم العربي خارج جزيرة العرب، هم خليط من أجناس متعددة تأثروا بالهجرة والثقافة العربية الإسلامية، وفقدوا هويتهم الأصلية لتحل مكانها هوية عربية إسلامية جديدة هي التي شكلت الخريطة الجغرافية التي تسمى الآن بالدول العربية، وأن هذا التداخل والاختلاط قد وصل إلى مناطق سمراء وسوداء اللون. ظهرت قضية الهوية السودانية منذ بداية الحركة الوطنية السودانية وتزايد الجدل حولها بعد أن قرر الإنجليز إلحاق الجنوب بالشمال وتشرذمت النخب السودانية حول قضية الهوية والانتماء، هل هو للعروبة والإسلام أم للإفريقية. إن جدلاً وحوارًا طويلاً ظل يدور حول هوية السودان وانتمائه، وظل هذا الجدل يحاول التقصي في أعماق التاريخ السحيق دون أن يقدم إجابات مقنعة أو واضحة حول قضية الهوية، وهل يحددها الانتماء الثقافي بمعناه الشامل أم الجغرافي القاري. ظلت النخب السودانية على امتداد أكثر من نصف تبحث عن هوية لم تكن تحتاج لكل هذا العناء والبحث، وطرح التساؤلات التي تنبع من عقول بعض المثقفين التي غرقت في متاهات من التشكيك أفقدتها القدرة على التبصر والتعمق في الواقع القائم الذي يشكل هوية السودان التي تزداد قوةً ورسوخًا بطريقة حتمية وغالبة. لم نكن نحتاج لأن نبحث عن هوية السودان خارج نطاق وادي النيل والحراك السوداني للمجموعات التي عاشت فيه، وكلها تحدثنا أن تطور السودان حضارته وثقافته ولغاته على امتداد التاريخ القديم والحديث كانت دائماً تتجه وترتبط بالهجرات والثقافات الوافدة من الشمال وليس من الجنوب، ولا يوجد ما يؤكد في تاريخ وادي النيل من شماله في مصر إلى جنوبه المعروف بشمال السودان، ما يؤكد بطريقة دامغة غير هذا الارتباط القوي البين والحاسم في مسيرة السودان على الأقل خلال آلاف السنوات الأخيرة، وهي التي شكلت واقع السودان اليوم وهو واقع تشكل مع المد والغزوات التي أتت من الشمال الإفريقي وليس الجنوب الإفريقي. الحضارات السودانية القديمة والعلاقات الحديثة كلها ظلت على الدوام مرتبطة بموجات كر وفر وتفاعل مع مصر القديمة، الثقافة واللغة المسيطرة دخلت السودان من الشمال والشرق، والفنون والنقوش التاريخية القديمة تأثرت بالشمال، وفي العصر الحديث ظل تأثر السودان بحضارات الشرق العربي وثقافته شاملاً ودامغًا في كل مناحي حياة وسلوك السودانيين شمالاً ووسطًا وشرقاً وغربًا، وكذلك معظم تقاليدهم وعادتهم وإن تنوعت وتعددت قبائلهم. الغابة والصحراء في السابق انشغلت النخب برؤية حالمة شعرية حول الهوية اسمها مدرسة (الغابة والصحراء) التي واجهت العديد من الانتقادات ثم ما لبثت أن اندثرت بعد أن أثارت الكثير من الغبار هو قضية الهوية. بعض المثقفين السودانيين بحكم تربيتهم السياسية المبكرة في أحضان الثقافة الغربية تعمدوا أن يثيروا درجة من عدم اليقين حول موضوع الهوية عن طريق عقد مقارنات غير علمية أو موضوعية. يقول الدكتور منصور خالد في حديث له عبر هيئة الإذاعة البريطانية: إنَّ عراك الهوية في السودان هو عراك في غير معترك. وقال: "ليس هناك من ينكر أن السودان بلد تسود فيه الثقافة العربية، وأن اللغة العربية هي لغة التواصل يين أغلب أهله؛ لكن السودان أيضًا يضم ثقافات إفريقية وأعراق إفريقية ولديه تاريخ قديم يعود إلى بداية التاريخ". ولكن أمريكا أيضًا لها تاريخ قديم يحتضر الآن في مستوطنات الهنود الحمر في أوكلاهوما واريزونا وداكوتا، فهل تتشكل الهوية بفعل الثقافات المتنحية أم بالثقافات المتقدمة والمترقية؛ دورات التاريخ عبارة عن حضارات تتراجع وحضارات تتقدم. إن السؤال الذي يطرح نفسه هو، هل توجد ثقافة إفريقية بدون لغة أفريقية جامعة؟ وهل يستقيم مثل هذا التعريف؟. توجد لغات إفريقية وأغلبها لغات متنحية وضعيفة يعتمد أهلها على اللغتين الإنجليزية أو الفرنسية كلغة موحدة وتقاليد وعادات أفريقية متعددة لا رابطة قوية تجمعها وتوحدها وتخلق هوية جامعة. الأفريقية مجرد واقع جغرافي في قضية الهوية، فمصر وليبيا بلدان أفريقيان مثلاً، ولكنهما بلدان عربيان، كما أن وجود الأقليات لا يقلل من كون السودان بلدًا عربيًا إذا ما اختارت أن تعيش تحت مظلته وتتحدث العربية وتتبع العادات والتقاليد السائدة في أغلب أنحاء السودان وهذا هو واقع الحال، ويكفي أن نقول إن أكثر 80% من سكان السودان يتحدثون اللغة العربية بدرجات متفاوتة بدلاً من أن نقول إن السودانيين من أصول إفريقية هم أكثر من الذين ينحدرون من أصول غير عربية؛ لأن من المتفق عليه أن أغلب سكان العالم العربي هم خليط من عرب وشعوب أخرى في أفريقيا وآسيا، والثقافة لا ترتبط بالقارات، فلا توجد ثقافة قارية بالمعنى الصارم إذ توجد العديد من الثقافات داخل القارة، ونحن نعرف أنه توجد الثقافة الفرنسية والثقافة الإنجليزية، والثقافة اليابانية، والثقافة الهندية؛ إن الفتح العربي للأندلس لو قدر له أن يستمر في أسبانيا، لكانت أسبانيا اليوم دولة عربية مثلها مثل المغرب والجزائر. لقد استغرقت عملية تعريب شمال ووسط السودان قروناً من الزمان، وسوف يستغرق اندماج بقية أجزاء القطر التي لم تلحق بهذه الثقافة والهوية بصورة كاملة وقتًا أطول. اللغة العربية هي أكبر وأقوى مؤشر للهوية في السودان وكل الدول العربية والعالم، وهي لا تعتبر مجرد وعاء أو كلمات للتعبير عن الآراء والأفكار؛ ولكنها الوعاء الذي يثقل الثقافة وهي أداة التعبير عن حركة المجتمع، وهي تلعب دورًا هامًا في توجيه مسار الأمة وتاريخها، ولا شك أن اللغة العربية هي الموجه لكل مسار الحركة الثقافية منذ مئات السنين لكل السودانيين، والعروبة لسان وكل من تحدث بهذا اللسان في هذا النطاق الجغرافي المتصل فهو عربي.. قرأت مقالاً للكاتب علي حمد إبراهيم يقول فيه نقلاً عن كتاب د. عبد الوهاب بوب، إن الشيخ علي عبد الرحمن الزعيم السياسي المعروف قال يومًا: "إن السودان جزء من العالم العربي، وكل من يحيد عن وجهة النظر هذه عليه أن يرحل من هذا البلد". ووصف هذا الحديث بأن فيه قصر نظر، ولا أدري كيف ينطبق عليه وصف قصر النظر، وهل يملك السودان إلا أن يكون بلدًا عربيًا وإن ظل بلداً متعدد القبائل، فالانتماء للعروبة هو لغة وثقافة ودين؛ لأن الإسلام نزل بلسان عربي فصيح، فأنت لا تستطيع أن تكون أمريكيًا أو بريطانياً إذا لم تتحدث الإنجليزية، وأنت لا تستطيع أن تكون فرنسيًا إذا لم تتحدث الفرنسية، بل أن بعض الدول تشترط لمنح جنسيتها أو هويتها إجادة لغتها. وأعتقد أن الشيخ علي عبد الرحمن لم يقصد أكثر من أن أي إنسان لا يعرف لغة القوم الذين يعيش بينهم فلن يكون مشاركًا أو متفاعلاً معهم بصورة فعلية وإن ظل بجسده معهم. وأعتقد أن الإشارة كانت تنبيهًا مبكرًا للقادة من جنوب السودان بأن يهتموا بنشر اللغة العربية التي حاربها الاستعمار حتى ينصهروا مع ثقافة الوسط التي شملت معظم البلاد، لأنها اللغة الحية الوحيدة لمعظم أهل السودان شماله وجنوبه وشرقه وغربه، وليس اللغة الإنجليزية مثلاً التي لا يجيدها إلا قلة ضئيلة من سكان الجنوب إلى الآن. (بقلم: د. صلاح محمد إبراهيم ).. |
الأربعاء، 14 ديسمبر 2011
لهوية السودانية إشارات أكاديمية مأذومة (1-2)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق