الحـــرب علــى الفســـــاد!! «2 ــ 2»
قلنا إن الدولة اعترفت بأن المراجعة الداخلية فشلت في مراجعة ومراقبة المال العام وأن المراجع العام شكا حتى تورَّمت شفتاه من تجاوزات تشيب لهولها الولدان وأنه لا يجرؤ على دخول بعض الأبواب المغلقة في وجهه بالرغم من أن القانون يمنحه تلك السلطة وتحدَّثنا عن الشركات الحكومية التي قاربت السبعمائة باعتراف رئيس ديوان الحسابات بوزارة المالية هذا إذا استثنينا الشركات الوهمية التي تحدَّث عنها الرجل والتي، رغم وهميتها، حصلت على قروض من البنوك وأهم من ذلك إذا سكتنا عن التحايل الذي منع المراجع العام من مراجعة الشركات التي تقلُّ حصة الحكومة في أسهمها عن عشرين في المائة.. يا سبحان الله!! من تُراه منح من قام بذلك التشريع سلطة عدم إخضاع مال عام يُستثمر في بعض الشركات للمراجعة؟! أليس ذلك تبييتًا للنية في الإفساد ثم كيف يخضع ذلك المال لسلطة الدولة ولسلطان الشعب ممثلاً في برلمانه الذي يُفترض أنه يتلقّى تقرير المراجع العام حول المال العام؟!
هل تذكرون تلك القصة التي رويتُها لكم عن شركة الليموزين الحكومية التي استأجرنا إحدى سياراتها في مهمة خارج العاصمة حين قلت إن السائق الحكومي كان يتجاوز نقاط التفتيش بين الخرطوم والقضارف على كثرتها.. لا توقفه صفافير ولا يملك أحد أن يراجعه أو أن يأخذ منه قرشاً بينما جميع الشركات الخاصة تدفع في كل نقطة تفتيش وهي صاغرة!! كيف تنافس تلك الشركات الخاصة سيارة الحكومة؟!
صدِّقوني إن هذه واحدة من مئات التجاوزات التي تنهش لحم القطاع الخاص وما خفي أعظم فهل يمكن لوزارة الداخلية مثلاً أن تفرض جمارك على وحدات أو شركات تابعة لها وهي التي تتبع لها الجمارك؟! هل تذكرون تلك القصة القديمة حول إعفاءات المنظمات التي كانت تستغل تلك التسهيلات وتتاجر بها في سوق الله أكبر منافسة القطاع الخاص الذي لا بواكي له ولا نصير؟!
كانت الشركات الحكومية ولا تزال تضيِّق على القطاع الخاص في أرزاقه وعندما تنافس شركة حكومية تابعة لجهة سيادية في عطاء حكومي من بربِّكم يجرؤ على منح العطاء لشركة القطاع الخاص المنافسة وكيف تنافس وهي التي لا تتوافر لها الإمكانات ولا التسهيلات ولا النفوذ؟!
من أساليب البلطجة التي تعمد إليها الشركة الحكومية مثلاً أن تُعيِّن وكيل وزارة المالية أو غيره رئيساً لمجلس إدارتها وبالتالي تضمن الحصول بقوة الوكيل على عطاءات الحكومة خاصة في وزارته!!
وكذلك تعين الشركات الكبرى أحياناً وزراء الدولة «المالية مثلاً» حتى يحميها من وزارة المالية!!
عندما تنشئ جهة سيادية شركة تأمين مثلاً فهل تجرؤ الشركات الخاصة على المنافسة بل هل تملك الهيئات والوزارات الحكومية أن تؤمِّن في شركات التأمين الخاصة أم أن الأمر محتكَر «كسر رقبة» لشركة تلك الجهة السيادية؟! نفس السؤال يُطرح فيما يتعلق بالبنوك العامة والخاصة التي لا حول لها ولا قوة بل إن البنوك الحكومية التابعة لجهات سيادية «وأنا ما بفسر وأنت ما تقصر» لا تخضع لرقابة بنك السودان أو قل لا تلتزم بالسياسة البنكية التي يصدرها بنك السودان ولعل تلك التجربة المريرة التي تعرَّض لها ذلك البنك الكبير تكشف جانباً من الأزمة وأعني بها مشكلة تغوُّل مراكز القوى وتصعير خدِّها للصغار بل للقانون الذي لا يحق لمن يتجاوزه أن يطمع في أن يحتل له مكاناً تحت الشمس أو أن يفكر في نهضة وهل من مفسدة أكبر من التطاول على القانون؟!
صدِّقوني إن قلت لكم إن ما ذكرته في هذين المقالين يمثل نماذج قليلة من الأبواب التي تهبُّ منها رياح الفساد في المركز القريب من رقابة السلطات جميعها بما فيها الصحافة المكبَّلة بقرارات منع النشر وبسطوة الإعلان فكيف بالولايات البعيدة عن كل أنواع الرقابة في دولة تعاني من ضعف مريع في كفاءة الخدمة المدنية وفقر مدقع يسوق الناس من رقابهم نحو اختلاس ما يسدُّ الرمق وانعدام للرقابة خاصة الصحافة؟!
كيف العمل في دولة وزّعت السلطة في شكل إقطاعيات على أحزاب كثيرة معلوم أنها ما انتظمت في السلطة إلا لهدف محدَّد لا داعي لذكره!!
إقطاعيات تُجيز لكل صاحب إقطاعية أن يفعل ما يشاء فالكوتة والحصة ممنوحة للحزب المخيَّر في أن يختار من يمثله حتى ولو كان في دهاء إبليس أو في غباء هبنّقة!!
أرجع لأقول إننا استعجلنا في تطبيق الحكم الفيدرالي فلا إمكانات تُتيح لنا أن نفعل ولا تجانس يطمئننا أن ذلك النمط من الحكم اللامركزي لن يهدِّد وحدتنا الوطنية ولا كفاءة إدارية تجعلنا نحيط بتحدِّياته!!
ترى ما الحل؟! هل نثور ونحذو حذو ثورات الربيع العربي التي أتاحت أرضية نظيفة للقادمين الجدد بعد أن تم تفكيك كل ركام الماضي أم نصبر؟! لكن هل يملك حكامنا أن يجنِّبونا مرحلة الاضطرار إلى الثورة؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق