وزير المالية أعلن عن نية الحكومة تعطيل مشروع مطار الخرطوم الجديد.. والاستفادة من تمويله الذي يفوق الـ(800) مليون دولار.. في بنود صرف أخرى أكثر إلحاحاً.. ألا يحتاج مثل هذا القرار إلى نظارة نظر .. لينظر أبعد قليلاً من مرمى الأزمة المالية الحالية.. ربما يظن وزير المالية أن (المطار) هو مجرد صالات ركاب بهيجة تسر الناظرين.. ونوع من الفخامة وربما (البوبار الرسمي).. المطار الجديد - سادتي- هو مشروع إيرادي من الدرجة الممتازة.. لأنه بمواصفاته العالمية القياسية سيصبح منافساً لمطاري القاهرة ونيروبي.. ويتوفق عليهما في كونه حلقة وصل (Hub) تربط شمال وجنوب القارة الأفريقية وشرقها وغربها.. خاصة إذا خفضت الحكومة أسعار وقود الطائرات بما يجعل من مطار الخرطوم الجديد محطة تزود جاذبة للطيران الدولي.. ولو تمدّد بصر الحكومة أبعد قليلاً من أرنبة أنفها.. تفتح المجال الجوي السوداني على مصراعيه.. تحرير الأجواء السودانية بحيث تصبح كل مطارات السودان التي تستطيع استقبال الطيران الدولي.. نيالا.. دنقلا.. بورتسودان ومروي.. وربما مطار الأبيض أيضاً.. مفتوحة لكل حركات الطيران.. فالسودان– لا يزال- بلداً (حار جاف ومترامي الأطراف) كما كان يكتب أستاذنا عبد الله عبيد في عموده الشهير "من طرف الشارع".. حركة الطيران الدولي – بما فيها العابر فوق سماواتنا دون الهبوط - والمحلي تحقق عائدات ضخمة بالعملة الأجنبية.. وبصورة غير مباشرة تساهم في ترفيع البنية التحتية لمزيد من الاستثمار الأجنبي.. والمشكلة الأكبر.. أن مشروعات المطارات الكبرى.. تحتاج إلى سنوات طويلة.. وعندما توقف الحكومة مشروع مطار الخرطوم فإنها تقتل الأمل في عدة سنوات قادمة.. ربما تتآكل خلالها بعض البنية التحتية التي أنجزت من المطار حالياً.. وترتفع تكلفة التشييد بصورة باهظة ربما تزيد من تعطيله سنوات أخرى. ليس من الحكمة تجميد مثل هذا المشروع الحيوي.. إلا إذا كنا ننظر إليه بعين مترعة بالرمد.. تفترض أن مطار الخرطوم الحالي.. والذي خنقته المباني الشاهقة من حوله يستطيع أن يمارس مهامه في المستقبل الذي ربما تصبح فيها كثير من الدول حولنا تجاوزنا.. فالشقيقة جارتنا تشاد شرعت في تشييد مطار دولي عملاق كلفته أكثر من مليار دولار.. ولم تجمده رغم ظروفها الاقتصادية.. صحيح .. الأزمة الاقتصادية التي نمرّ بها كالحة .. لكن الأصح أنها كانت بسبب مثل هذه السياسيات التي لا تحسن ترتيب الأوليات.. فهناك كثير من بنود الصرف الأخرى التي تحتمل التهذيب والتشذيب.. وهناك موارد معطلة لم تستغل.. وأكبر من كل هذا.. هناك الاستثمار الأجنبي الذي نفرط فيه بسياساتنا الانغلاقية.. ونهدر فرصه الذهبية بحماقتنا البيروقراطية.. والفساد الضارب في الأطناب.. الذي يجعل أموال المستثمر غنيمة في يد المتربصين خلف دهاليز الإجراءات الحكومية.. وربما المتنفذين فيها.. بالله عليكم لا تعطلوا ولا تجمدوا مشروع مطار الخرطوم.. أكثر مما تعطل.. فهو مورد اقتصادي مهم.. بغيره سنصبح أكثر دول القارة الأفريقية تخلفاً.. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق