الأحد، 3 أبريل 2011

ليس بالحوافز وحدها يعيش المفسدون

ملاحظات
مدخل أول:
«يومئذٍ يصدر الناس اشتاتا ليروا اعمالهم. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره» سورة الزلزلة «6 - 7 - 8»
مدخل ثانٍ:
«ما بال الرجل نوليه على ما ولانا الله فيقول هذا لكم وهذا اهدي اليّ. أفلا جلس في بيت ابيه وامه ونظر أيهدى اليه ام لا»
حديث شريف
مدخل ثالث:
«والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمدا يدها»
حديث شريف
«1»
«للفساد» قوة باطل ماحقة، تدمر طهارة النفس، وتدير زنبة العقل حتى ليغدو خبالا ويتداعى المجتمع بفعل «تسونامي» غياب الضمير وانهيار الاخلاق، وحينها، يبدو وميض الصحو ـ غريبا ـ في ساحة النفاق:
تتآكل القيم ـ وليزهو السقوط في سارية الانحطاط.. ماردا، يفت في عضد الحكم والمجتمع باسم شهوتي السلطة والثروة.. جموحا فوق جموح وجنون فوق جنون.. تترامى حولهما شعارات براقة تستكين نعومة وهي بعد ذات نفاذ الصبر، وقلة الحيلة ودمدمات الغضب وفحيح اللاڤا حين تنثال سيولها جمرا ووعيدا. هذا «الفساد اللافح» اورد القرآن الكريم تبعاته وشخص ابعاده وسماته ونتائجه بعد ان وسع مفهومه في السياقات المختلفة. واول ما يرمى «الفساد» دعائم البناء ويهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وقد تصدى للظاهرة، علماء في مجال السياسة والاقتصاد والادارة والقانون واستخلصوا الخصائص والمظاهر وحللوا الاسباب ودفعوا بالحلول الممكنة، ولاننا بشر، فان «الفساد» يظل صفة، من صفاتنا، في كل وقت يغيب فيه الايمان بالحق، تتمرغ غرائزنا الدنيا، في قبيح الملذات، غشا وتدليسا وكذبا وادعاء، ولقد يفيد التاريخ في قراءات النتائج المرة: فها هي السلطة تعمى في تاريخنا المثال حسني مبارك والقذافي وزين العابدين بن علي ولينفضح امر ما سرقوا من شعوبهم وليرتد طرف كل منهم وابنائه وزوجته ملوما محسورا.. ويسجل التاريخ لهم اسوأ النهايات وتورد ذاكرة العباد قبلهما جان كلود دوفالييه ـ رئيس تاهيتي، وشاوشيسكو رئيس رومانيا وسوهارتو رئيس اندونيسيا وماركوس رئيس الفلبين وزوجته بالاضافة لحالة روتاي ـ دو مع شركات هونداي وسامسونغ ودايو وموبوتو سيسيكو ـ الكنغو ـ والذي يقرأ كتاب رجل المخابرات السابق الامريكي John Perkins المعنون confession of an american hitman يستطيع ان يعرف كيف تتدخل الدول الكبرى في سبيل تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية في تحويل الحكام الى لصوص يحترفون سرقات شعوبهم، و«للفساد» تاريخ عريق في المسار البشري، لعله بدأ بوسوسة ابليس التي اخرجت ابانا آدم من الجنة، وهو في كل الاحوال اختبار لقوة النفس وصمود الارادة وصحو الضمير.
«2»
فرضت ظاهرة «الفساد» في الآونة الاخيرة نفسها على الساحة من حيث الاعلان عنها ولكنها في واقع الحال كانت ماثلة لدرجة انها صارت القاعدة فعُد كل ظاهر وامين، أبله امام جيش الشطار، من اهل الفهلوة و«البرطعة» وكان «للفساد» اهل ومنعة واساطين من الدهاة، وليس بعيدا عن ذلك اعلان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، في 72 ابريل 9991 «الجزائر دولة مريضة بالفساد.. مريضة بممارسة المحسوبية والمحاباة والتعسف في النفوذ والسلطة وعدم جدوى الطعون، مريضة بالامتيارات التي لا رقيب عليها ولا حسيب مريضة بتبذير الموارد العامة ونهبها بلا ناه ولا رادع». ولقد يرتبط بصراع «مافيا الفساد الكبير» التصفيات الجسدية «انتحار الرئيس محمود الزعبي في سوريا بعد صفقة الطائرات..» التي تمت باستغلال النفوذ ومعه نائبه «سليم يسر» بالتواطؤ مع رجل الاعمال السوري «منير أبو خضور» وفي ذات السياق يمكن قراءة «فضيحة نواب القروض في مصر» والتي لعب «جهاز الرقابة الادارية» في مصر برئاسة اللواء هتلر الطنطاوي دورا
كبيرا في كشفها ومتابعتها الى ان قدم المتهمين للمحاكمة بعد ان سحبت حصاناتهم. وكذلك قضية التقاوى والمبيدات الفاسدة. فقد اثبتت التحريات وقتها تورط «يوسف والي» «وزير الزراع» وأحد قيادات الحزب الحاكم بالتواطؤ مع شركة اسرائيلية واشارت التحقيقات وقتها الى «يوسف عبد الرحمن» الرجل الثاني في وزارة الزراعة، وقد اصطلح على تسمية تلك الوقائع بقضية الفساد الكبرى، وكان الاستاذ الصحفي مجدي حسين قد تصدى لكشفها ولعلي اضيف من باب التداعيات المفيدة ان قرار نيابة امن الدولة العليا قد شمل السيدة ------ الذراع الامين ليوسف عبد الرحمن ووكلاء شركات اجانب ومهندسي الوحدة الزراعية «هشام عفيفي» ويلاحظ على المهم «يوسف» انه
ـ بعد 61 عاما من التحاقه بوزارة الزراعة اصبح يتولى 53 منصبا على مدى خمس سنوات.
ـ امتلك عدة «شاليهات» بالساحل الشمالي وعدداً من العربات وعدة مزارع وعزب.
ـ وقبلها في بلادنا كشفت لجنة الرقابة الادارية بمجلس الشعب ممارسات شركة باسط التجارية وقروض البنوك التجارية وكان يرأس تلك اللجنة آنذاك الاستاذ بدر الدين سليمان وتصدى كل من الاستاذين امين بناني وعباس الخضر كما يتصدى الآن الدكتور الفاتح عز الدين للرقابة التشريعية الفاعلة.
٭ هذا «فساد» كبير Grand Corruption ومن اهم صوره:
ـ تخصيص الاراضي بكل انواعها بقرارات فوقية باسباب ومبررات واهية.
ـ تحويل اموال المعونات الاجنبية الى جيوب النافذين Development Dilema
ـ تسهيل القروض بدون ضمانات
ـ طرد وابعاد الشركات والاشخاص المنافسين.
ـ ريع المنصب «الاتاوات»
ـ تبرعات الدول والاشخاص من اهل الثراء لمنظمات المجتمع المدني، سواء ذات الطابع الخيري او العلمي. والتصرف فيها بغير دواعيها.
للحق، لم تكن الارادة السياسية بعيدة عن «محاربة الفساد» فقد انعقدت على فترات مختلفة سمنارات وطنية واقليمية ودولية تحت شعار طهارة الاداء «ومحاربة الفساد».
٭ 81 ـ 13 اغسطس 0991 انعقد سمنار المال العام، في مجلس الشعب «القاعة الخضراء وفي قاعة الصداقة» وقدم ما يقرب من الـ 51 ورقة جادة. انتهت المداولات فيها الى توصيات دقيقة «قانونية ـ ادارية ـ اقتصادية ـ تربوية» وتبنى السمنار ضرورة تشريع على المركز القانوني للمال العام.
٭ المؤتمر الرابع لاجهزة الامبودزمان الافريقية الذي انعقد بالخرطوم 81 ـ 12 سبتمبر 5991 والذي تميز بحضور اقليمي ودولي كبير. فقد انتهى الى قيمتين اخلاقيتين تبنتهما كثير من الدول الافريقية:
«الموجهات الاخلاقية للخدمة المدنية» تحت مسمى «اعلان الخرطوم» للموجهات الاخلاقية، الصيغة الاكثر عدلا في ممارسة الوظيفة العامة.
وطرحت في ذلك المؤتمر الكثير من الاوراق التي ناقشت «ظاهرة الفساد» واساليب محاربته والتصدي لنتائجه الخطيرة. وللغرابة فان كثيرا من الدول الافريقية قد عملت باعلان الخرطوم لاخلاقيات الخدمة العامة.
٭ الندوة القانونية المتخصصة المصاحبة لاجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العدل العرب، الخرطوم 3 ـ 4 مارس 2002 والتي ناقشت في سياق اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية والبروتوكول الملحق بها عددا من الاوراق التي عنت بالمحاربة المؤسسية لظاهرة الفساد.
٭ ورقة قدمها «الاستاذ ع. العزيز خالد» باسم التحالف الوطني استعرضت في اقتدار:
ـ قسم الاداء الديني والاخلاقي
ـ المقابل المجزي للعمل
ـ العقوبات الرادعة
سن قانون لمحاربة الفساد
ـ حماية المبلغين عن الفساد
ـ ضبط اخلاقيات الاداء المهني.
٭ هناك دراسات اكاديمية «ماجستير ـ دكتوراة» تعرضت للمسألة وانتهت ملاحظاتها الى:
ـ غياب المؤسسية
ـ شخصنة الوظيفة العامة
ـ غياب الرادع القانوني والوازع الاخلاقي
ـ ضعف الاجهزة الرقابية
ـ عودة الاشخاص محل الشبهة الى مواقع عمل اخرى
ـ ظهور الثراء البين دون ما يسوغه «دخلا فعليا»
ـ تمويه نتائج لجان التحقيق والتقصي.
ـ غياب ثقافة المسؤولية الاخلاقية والدينية والقانونية.
٭ خطاب السيد رئيس الجمهورية امام المجلس الوطني في 6991.. وجاء فيه: و للاجهزة الموكولة بحراسة المال العام ومكافحة الثراء الحرام ادوار فاعلة يجب ان تتضاعف لاجتثاث الفساد ومحاسبة وبتر مظاهره.
الفساد المؤسسي من خلال استغلال المنصب في اي من السلطات الثلاث «اتحاديا ولائيا محليا» ويرتبط بذلك العاملين في مجال الاعلام والعلاقات العامة والفن في اكثر من صورة:
ـ الحصول على امتياز غير قانوني
ـ الحصول على تسهيلات بنكية
ـ تمرير تصاديق الاستثمار والاعفاءات
ـ الاتجار بالسلع الفاسدة.
التعاقد على شراء مبيدات فاسدة
ـ تمرير العطاءات
ـ الشراء المباشر
ـ بيع مؤسسات القطاع العام باسعار زهيدة
ونجد قائمة الفساد تبدو الرشوة في حالة خجل..
وفي كل الاحوال فان الفساد يبدو نهما في كل وقت يتراجع فيه المنصب العام ليكون ملكا خاصا تسقط فيه شرعية الاداء حين تجتمع في قلب الممارسة:
ـ المحسوبية، القبلية، الجهوية، اعتساف السلطة، تجاوز السلطة التقديرية سواء بالتوسع او في خطأ التفسير او التطبيق او استغلال النفوذ.
ملاحظات:
ـ الشركات الحكومية تمت تصفيتها او خصخصتها.. تستدعي الالمام الكامل بظروف نشأتها واسماء العاملين فيها.. وموقفها الاقتصادي.. وطبيعة نشاطها وتسجيل تجاوزاتها المالية والادارية.. واخضاع المسؤولين عنها للتحقيق والمساءلة.
ـ من المهم لوزارة العدل «الجهة المعنية بمحاربة الفساد، ان تعد «ملفا كاملا» لكل لجان التحقيق والتقصي التي شكلت لمعرفة ومتابعة النتائج التي توصلت اليها.
ـ وزارة العدل امام تحد ديني واخلاقي كبير.. فهي التي تحول الارادة السياسية الى واقع ملموس.
٭ تقارير اداء المصارف.. في اي تجاوزات قانونية.. وتبدو مسألة تبييض الاموال واردة تماما.
ـ مافيا تزوير تسجيلات الاراضي.. وما يترتب على مثل ذلك التسجيل من نتائج قانونية تتعلق بالاستثمار.
ـ دخول السلع الفاسدة
ـ التعيينات دون المسوغات الاجرائية القانونية.
ـ من المهم ان نثبت ان الرئيس الامريكي كلينتون قد اعتذر للشعب الامريكي عن استعماله لتلفون البيت الابيض في غير ما يتعلق بالعمل الرسمي.. فتأمل.
ونواصل ان شاء الله في الاسبوع القادم حيث نورد قائمة بأمثلة كثيرة لانواع الفساد المستشري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق