الثلاثاء، 5 أبريل 2011

المتغيرات الجديدة في الثورات الشبابية

المتغيرات الجديدة في الثورات الشبابية
مشاركات
قبل عدة أيام تناقلت وسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية والمحلية المؤتمر الصحفي الذي عقده نائب رئيس الموتمر الوطني بولاية الخرطوم مندورالمهدي، الذي تحدث فيه عن حركات الاحتجاج التي بدأت تتململ وتظهر في ساحات الفيس بوك (الله لاحرمنا منه) وتسعى جاهدة الخروج إلى الشارع ورفع شعارات ذائعة الصيت في هذه الأيام (كالشعب يريد إسقاط النظام، وارحل) وما شاكلها من شعارات. ولم يختلف الرجل في تحليله وتفنيده لهذه الحركات الشبابية الفيسبوكية عن نظرائه في مصر واليمن وليبيا، وفضل الرجل ألا يرهق عقله بشيء من التفكير والتمحيص والتدبر، بل اكتفى بالاستعانة بنظرية المؤامرة وقال إن هؤلاء الشباب محركين ومدعومين من قبل أحزاب (المؤتمر الشعبي والشيوعي)، ولكن هذا غير صحيح لأن هؤلاء الشباب لديهم مطالب حقيقية وموضوعية بل حقوقية في نفس الوقت، كيف لايخرج مثل هؤلاء الشباب طوعاً ومن دون أي تحريك من أي جهة وهم ينظرون إلى البلاد وهي تنشطر إلى نصفين بسبب تصرفات ساسة، نكون غير دقيقين إذا قارناها بتصرفات المراهقين التي تقوم على الفعل ورد الفعل، كيف لايخرجون ونسبة النزوح الداخلي بلغت 4،5مليون نازح أي واحد بين كل 8 من السكان، كيف لايخرجون وهم يتأكدون بأن موضوع الشركات المحصنة ضد ضربات المراجع العام لم يصبح فرية يستخدمها أعداء الدين للنيل من شرف الحكومة التي تحمل لواء دولة الشريعة والنقاء العرقي، خاصة بعد أن أعلن رئيس الجمهورية تصفيته ل22 شركة تتبع للحكومة. كيف لايخرجون وهم في كل يوم يسمعون الشتائم التي يتنافس المسؤولين في إطلاقها فيخرج عليهم أحدهم ويقول لهم لقد كنتم شحادين قبل مجئ الإنقاذ، ويأتي آخر ويقول بأنهم سيدوسون وسيسحقون كل من يفكر في الوقوف ضد الحكومة، ومنهم من يذهب إلى أبعد من ذلك ويقول سنجهز لهم القبور لندفنهم فيها. الرسالة التي نود أن نرسلها هي أن زمان تحريك الأحزاب للشباب قد ولّى (زمانو فات وغنايو مات) كما يقولون، وأصبح للشباب شخصياتهم الاعتبارية والمستقلة في عصر مرعب الطغاة (الفيس بوك). فلننظر سوياً إلى التغيرات التي أحدثتها الثورات الشعبية التي عمت بعض دول الوطن العربي. لقد أحدثت ثورتا تونس ومصر الأخيرتان تحولات كبيرة في عملية التعاطي السياسي، فبعد هاتين الثورتين لم يصبح مفهوم الثورات كما كان موجود في أدبيات السياسة السابقة؛ فقد دخلت في بطن هذه الثورات مجموعة من المفاهيم الجديدة، وتولّدت عناصر جديدة لم تكن موجودة في الماضي. لم تصبح الثورات كما كانت في حالتها التقليدية، والتي كانت تدفع عجلتها الأحزاب السياسية والنقابات والاتحادات، فبعد أن شاخت الأحزاب وأُصيبت بأمراض الكهولة، وبعد أن سيطرت الأنظمة الشمولية على كل مفاصل الاتحادات الفئوية والنقابات العمالية لم تجد الشعوب التي تعاني من حالات الكفاف ملجأ يقيها من ويلات سياسات تلكم الأنظمة المتسلطة، وبعد عناء شديد ظهرت شرارة الشباب التي أعلن الشباب من خلالها تمردهم المدني ضد هذه السياسات، وسخطهم وعدم رضائهم بالأوضاع التي يعيشونها. إذن هذا أول متغير يطرأ على مجريات الثورات، فالذين أشعلوا فتيل الثورة في تونس وفي مصر هم الشباب، والذين يقومون الآن بالتذمر وعدم الانصياع للسلطات في ليبيا والبحرين واليمن هم الشباب. والمتابع لهذه الثورات يلحظ أن الشباب قد قاموا بسحب البساط من تحت أقدام قيادات وزعامات الأحزاب السياسية، وقد حدث عكس الذي كان يحدث في السابق، فقد فرض الشباب سيطرتهم على مجريات الثورة، وكانت قيادات الأحزاب السياسية عبارة عن توابع لهؤلاء الشباب يتجمعون وينصرفون بأمر الشباب. وهنا في السودان أيضاً تناقلت وسائل الإعلام خبراً في الأسابيع المنصرمة بأن هنالك مجموعة من الشباب أطلقوا على أنفسهم مصطلح (شرارة) رتبوا للخروج في تظاهرة في 21\مارس، ولكن يبدو أن الجهات الأمنية قد أجهضت هذه المحاولة قبل خروجها وقامت باعتقال العشرات. إذن فيلحظ أن الشباب هم المتسيدين لهذه الثورات فقد ازداد دورهم في اندلاع هذه الثورات بالمقابل غياب تام للمؤسسات السياسية والنقابية، والاكتفاء فقط بالدوران حول فلك الشباب. أما المتغير الثاني فيظهر في مستوى الوعي العالي الذي يتمتع به الشباب في الجوانب السياسية والتنظيمية، فقد وضح من خلال هذه الثورات التنظيم العالي الذي يتسم به هؤلاء الشباب، فالبرغم من أنهم لاينتمون إلى حزب واحد ولايعتنقون إيديولوجيا واحدة، فقد توحدوا جميعاً تحت مظلة (الإخاء، العدالة، المساواة، العدالة، الديمقراطية، دولة المؤسسات، محاربة الفساد، الحرية، محاربة العطالة، مناهضة التوريث). وقد أظهر الشباب حنكات قيادية لم تتوفر حتى لدى قيادات وزعامات الأحزاب، الذين كانوا يبصمون بالعشرة على كل المخرجات التي تأتيهم من الشباب. فقد أصبح الشباب مصدر إلهام لهؤلاء الزعامات، يستمدون منهم الأفكار والقيم والمبادئ، ويتعلمون منهم فنون النضال وأسرار الثورات، ويتعلمون منهم ممارسة العمل السياسي الرشيد. وانطبق على هؤلاء الشباب المثل الشعبي ذائع الصيت (الحوار غلب شيخو). فإذا تفحصنا ثورتي أكتوبر1964م وأبريل1985م في السودان، فنجد أن الشباب كانوا رأس الرمح في هاتين الثورتين، ولكن يلحظ أن دورهم سرعان ما تلاشى وغاب عن الأنظار بمجرد تحقق النصر وإعلان نجاح الثورة وسقوط النظام، والسبب في ذلك يرجع إلى أن الشباب كانوا يضحون بأرواحهم ومهجهم لينعم الجميع بأجواء مفعمة بالحرية والديمقراطية، وعند تحقيق هذا الهدف تنفرد الأحزاب السياسية بهذا الانتصار وتتلذذ بالشرب من أنهارعذبة فرات، وتترك الملح الأُجاج للشباب وبقية الثوار. فبمجرد سيطرة هذه الأحزاب على زمام الأمور، وجلوسها على كرسي السلطة تتناسى وتتجاهل كل نضالات وتضحيات الشباب، ويتفرغون لإدارة صراعتهم الحزبية وعندها تغيب مطالب الشباب التي كانوا ينادون بها. بل ويمكن أن تمارس هذه الأحزاب سياسات أفظع وأشنع من تلك السياسات التي ثار ضدها الثوار. وعندها تغيب حلاوة النصر التي تفوق طعم العسل المصفى، ويتجرع الشباب الحنظل والعلقم، وتعود حالة اليأس والغنوط مجدداً إلى نفوس الشباب إلى أن يمن الله على الشعب بانقلاب عسكري جديد لكى يمارس سياسات أكثر بطشاً وأشد فتكاً، والدوران مجدداً في هذه الحلقة الجهنمية التي حفظنا أدوارها عن ظهر قلب. ولكن هذا الحال في قاموس الثورات الحديثة أصبح غير موجود، فقد أصبح لصنَّاع الثورة صوت مسموع ومعمول به، بل أضحى الشباب الثوار يضعون شروطهم، ويطالبون بتوفير ضمانات حتى لاتضيع نضالاتهم أدراج الريح وتعود الأحوال كما كانت قبل الثورة، وبهذا يضمنون تحقق الشعارات التي كانوا ينادون بها أبَّان الثورة، بل أصبح لهم تمثيل رسمي في لجان الحكومات التسييرية التي تعقب الثورة وتسبق الاستحقاق الانتخابي. أما المتغيير الثالث والأخير والذي أعتبره حسب رؤيتي المتواضعة من أهم المتغيرات التي يجب الوقوف عندها، ألا وهو المطالبة بضرورة محاسبة كل من تعدَّى على القانون تحت ستار الحصانات المزيفة، وكل من مارس عمليات فساد مالية كانت أو إدارية، وتنفيذ مبادئ ومرتكزات العدالة العقابية والعدالة التعويضية وجبر الضرر لكل من طالته أيادي البطش والتنكيل. إذن ففي ظل الثورات الحديثة أصبحت مقولة (عفا الله عما سلف) غير معمول بها في الأدبيات السياسية، وأصبح العمل ب(ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب). لقد فهم زين الهاربين بن علي لغة الشباب ومطالبهم بعد فوات الآوان، واستوعب حسنى مبارك الدرس واستشعر التحولات التي طرأت على الثورات التي عجز الرصاص عن كبح جماحها، ولكن بعد أن تحرك قطار التغيير مغادراً محطة الخوف والتدليس والتمليس. هل يستوعب ساستنا من أمثال مندورالمهدي وزعماء أحزابنا هذه التغيرات الجذرية والتماشي معها، أم أنهم سيصرون على عدم النزول من أبراجهم العاجية تلك، ويتحدثون زوراً وبهتاناً بأن الأسباب التي حركت الشباب التونسي والمصري غير موجودة في حياتنا السياسية والاقتصادية، إذا حدث ذلك ثقوا تماماً أنكم ستقولون للشباب الآن فهمناكم، لكنكم ستقولون هذه الكلمة وأنتم على أعتاب سلم الطائرة لمغادرة البلاد، هذه الطائرة التي أصبحت لا تقي الهاربين من عمليات المحاسبة القانونية بسبب وجود مايعرف بالأنتربول والتزامات الأسرة الدولية بسياسات تجميد الأرصدة البنكية في المصارف السويسرية وغيرها من البنوك. (بقلم:بقلم: مجتبى عبدالرحمن محمود mugtba85@hotmail.com )..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق