الأحد، 3 أبريل 2011

الثورات الشعبية والسيادة الوطنية

رأي
عاصم عطا صالح: تناول عدد من الكتاب والمختصين في عدة دول مفهوم السيادة الوطنية ومنهم الأمين العام السابق للامم المتحدة كوفي عنان والذي تناول الموضوع في احدى المجلات العالمية وقام بترجمته واعادة نشره قبل عدة سنوات في الصحف السودانية الاخ عمر شمينا المحامي، وجاء فيه بأن هنالك مفهومين للسيادة الوطنية احدهما مفهوم الدول الصغيرة ودول العالم الثالث والتي تحاول الحفاظ على سيادتها امام محاولات التأثير من جانب الكبرى والتي ترى ان من حقها التدخل لحماية المدنيين وتطبيق المعايير الدولية لحقوق الانسان. والواضح ان لكل من الطرفين مفهوماً مختلفاً للسيادة الوطنية فهنالك طرف يعتقد بأنه يستطيع ان يمارس كل انواع البطش والتسلط والتجاوزات ضد الشعوب تحت غطاء السيادة الوطنية ويرفض اي تدخل من الدول الاخرى والمجتمع المدني والطرف الآخر وخاصة الدول الغربية ترى غير ذلك بل ربما كان بعضها ينتهك فعلا السيادة الوطنية للدول الصغرى وغير المطيعة بدعوى حماية المدنيين وتطبيق معايير حقوق الانسان الدولية.
ولكن القرار رقم «3791» الصادر من مجلس الامن والذي بدأت القوات الدولية بموجبه هجماتها الجوية والبحرية ضد القوات الليبية قد وضع النهاية للخلاف حول مفهوم السيادة الوطنية والتي اصبح لها تفسير واحد هو مفهوم المجتمع الدولي والدول الكبرى والذي يعطيها الحق في التدخل المباشر في الصراع بين الحكام المتسلطين وشعوبهم وينهي عمليا مفهوم معظم حكام دول العالم الثالث للسيادة الوطنية ولا يعتبر التدخل العسكري المباشر لحماية المدنيين بل وحماية الثورات المسلحة انتهاكا لها.
لذلك فإن صدور وتطبيق القرار رقم «3791» يصبح مؤشرا خطيرا بالنسبة لدول المنطقة والتي تشهد صراعا عنيفا بين الحكام والمحكومين في ليبيا واليمن وسوريا والبحرين والدول التي بدأت فيها حالات التذمر والتوتر وقد تناول عدد من الكتاب خطورة الموقف وامكانية تفجره بالسودان لوجود ظروف مشابهة لتلك الظروف التي أدت الى اشعال الثورات الشعبية واسبابها التي تتلخص باختصار في الفساد وانعدام الحريات وعدم تداول السلطة في المواقع الهامة بالدولة ببقاء حكام ووزراء في مواقعهم عشرات السنين.
ولقد تم قبل عدة سنوات تشكيل مجموعة عمل من خبراء ومفكرين وسياسيين واطباء نفسيين توصلت الى ان عطاء المسؤول في الموقع التنفيذي يتناقص حتى يكاد ينعدم بعد قضاء اكثر من عشر سنوات في المنصب التنفيذي. ولعل ذلك ما دفع برئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت «توني بلير» ان يتنازل عن منصبه قبل ان يستكمل فترة رئاسته الثالثة رغم انه وصل الى المنصب عن طريق الانتخاب الحر المباشر وتبقى له عامان لتنتهي فترة رئاسته.
اما عن الحريات فليس سرا ان هنالك معتقلين من سياسيين وصحفيين تجاوزت فترة اعتقالهم ما نص عليه قانون الامن الوطني ولا يزالوا بالسجون دون ان يقدموا للمحاكمة.
وبالنسبة للفساد فهو حديث العامة والخاصة وقد تناولت الصحف تقارير المراجع العام ورفض بعض المؤسسات لمبدأ المراجعة واتجاه الحكومة لانشاء مفوضية للفساد.
وتجدر الاشارة الى ان تناول هذه المهددات والتي تجعل السودان مؤهلا للتغيير ان لم يتدارك المسؤولون الامر قبل فوات الاوان يتم بواسطة اقلام من كوادر ا لحركة الاسلامية ويهمهم نجاح تجربتها في الحكم وأشير في ذلك الى كتابات دكتور الطيب زين العابدين وخالد التجاني النور وغيرهما من الكوادر الاسلامية المعروفة.
واذا كانت بعض قيادات المؤتمر الوطني لا تزال ترى بأنها تملك القوى الكافية لسحق المعارضين فلتنظر حولها لتدرك بأن الاجراءات الامنية والعسكرية لم تعد تحمي الانظمة ووجود قوات الامن في حالة استعداد لفترات طويلة له آثار ضارة ومعروفة. واذا كانت السلطة الحاكمة ستضع القوات الامنية في حالة استعداد كلما اعلنت قوى المعارضة وشباب الفيس بوك عن موعد خروجها في تظاهرات فان اقل ما يمكن ان يسببه لها ذلك من اضرار هو:
1 ـ وجود قوات كبيرة في حالة استعداد متواصلة له تكلفة مالية عالية ومنصرفات باهظة من بدل استعداد واعاشة كاملة للقوة وغيرها من التكاليف.
2 ـ تكرار فترات الاستعداد مع تكرار الاعلان عن المظاهرات يؤدي الى حالة توتر وسط القوات الامنية قد يصل مرحلة التذمر.
3 ـ وجود الجنود والضباط في مواقع عملهم او في الحراسات حول المواقع الهامة لفترات طويلة يدفعهم للنقاش حول اسباب وجودهم بعيدا عن اسرهم بل قد تصل احيانا للحوار والنقاش فيما بينهم حول جدوى الاستعداد واسبابه فاغلبهم من ابناء اسر بسيطة تشارك بقية المواطنين معاناتهم.
مع وجود كل هذه الامور وما يدور حولنا من كل جانب وما يكتب في الصحف الورقية والالكترونية ويشاهد في الفضائيات هنالك من يرون بأننا معصومون من انتقال عدوى الثورات الشعبية لبلادنا واننا نختلف عن الآخرين.
نعم نحن نختلف فعلا عن الآخرين والاختلاف في تقديري في امرين: الاول ان الظروف قد منحتنا الفرصة لنتدارك الامر وان القوى السياسية الرئيسية لا زالت تؤمن بحل الخلاف عن طريق الحوار لادراكها لخطورة تفجر الموقف رغم ما تتعرض له القوى من استفزازات وتجريح من قيادات هامة في النظام وهي القيادات التي لا زالت في حالة انكار للواقع الماثل امامنا والذي يؤكد ان اساليب الحكم السابقة بما فيها من نهب لثروات الشعوب واذلالها لم تعد مقبولة وانها الى زوال وان السودان لن يصبح جزيرة معزولة يستمر فيها تطبيق تلك الاساليب البالية ولا بد من التعامل بجدية وصدق مع دعوات التغيير عن طريق الحوار قبل ان تعصف الثورة الشعبية بالجميع حكام ومعارضين وستجد الثورة الحماية الكاملة من المجتمع الدولي الذي لن يسمح بعد صدور القرار رقم «3791» لاي نظام باستخدام القوة ضد شعبه.
والاختلاف الثاني بيننا وبين الآخرين يتمثل في وجود قوات دولية اجنبية في بلدنا يبلغ عددها عشرات الآلاف في الجنوب ودارفور وكردفان وفي العاصمة الخرطوم.
وعندما بدأت القوات الدولية توجيه ضرباتها الجوية والبحرية ضد القوات الليبية تم طرح السؤال حول مدى الحاجة لقوات ارضية حسب تطور العمليات وان كان واقع الحال يشير الى ان الاحتمال الاكبر هو الاكتفاء بالضربات الجوية.
ولكن الوضع في السودان يختلف لان القوات الدولية الارضية موجودة فعلا في مواقعها المختلفة داخل بلادنا وان من مهامها المعلنة حماية المدنيين بل ان المسؤولين عن هذه القوات سبق ان تعرضوا للانتقاد العنيف لعدم تدخلها في النزاع المسلح المحدود في أبيي.
والقوات الاجنبية او الدولية الموجودة في بلادنا لها امنها ومخابراتها فقد سبق ان اعلن حلف الناتو بأنه لن يرسل قوات الى دارفور ولكنه سيدعم القوة الافريقية بالجوانب الفنية والتدريب وتنسيق المعلومات الاستخبارية واذا تطورت الامور لمواجهة عسكرية مع المجتمع الدولي وفقا للقرار «3791» كسابقة فان قوات المجتمع الدولي ستكون في وضع افضل منها في أية دولة اخرى ا ن لم يكن باستخدام قواتها الموجودة فعلا على الارض فعلى الاقل الاستفادة بما لديها من معلومات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق