الثلاثاء، 5 أبريل 2011

ظهر الفساد عندما خرج التّعليم ولم يُعد حتى الآن ....!


ظهر الفساد عندما خرج التّعليم ولم يُعد حتى الآن ....!
مشاركات
بدأ الوحي في رسالة خاتم النبيين بكلمة ( إقرأ ) مفتاحاً للعلم والمعرفة وتجلّت الحكمة الربانيّة البالغة لله سبحانه وتعالى حين قدّم العلم على سائر مناحي الحياة (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) { المجادلة (11) } ويكفي العلم شرفاً أن العلماء ورثة الأنبياء . والعلم مقياس يعتمد عليه لاختيار الأصلح في كل المجالات . وبناءً على ذلك فإنّ الله سبحانه وتعالى اصطفى ( طالوت ) ملكاً نظراً لما له من بسطة في العلم أولاً رغم أن معيار قومه كان مادياً إذ كانوا يرجون أن يتملّكهم رجل ذو سعة في المال ولكنّ قُدّمت الزيادة في العِلم (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) .{ البقرة : (247) } . لقد بلغ الاهتمام بالعلم مبلغاً عظيماً وتزداد هذه المكانة رفعةً بجعله فريضة ، فالعقيدة بلا علم تقود إلى البدع والشرك والضلال والفساد والعقل بلا علم يُصاب بنكسة فكرية وضعف معرفي والحكم الراشد يضع العِلم في البداية ثم يأتي المال لتنمية هذا العِلم: بالعِلم والمالِ يبني الناسُ مُلكهم لم يُبنَ مُلك على جهلٍ وإقلالِ ولا فائـــــــدة لعِــــــــلم بدون أخلاق: لا تحسبنّ العِلم ينفع وحده ما لم يتوج ربّــــــه بخلاقِ والمال بلا عِلم يضيع ولا تُحسن إدارته : والمال إنّ لم تدّخره مُحصنّاً بالعِلم كان نهاية الإملاق والعِلم كان علامة الشرف والسيادة عند القبيلة العربية كما عبّر عن ذلك الشاعر الجاهلي ( الأفوه الأودي ) : لا يصلــح النــــــــاس إلا سراة لهم ولا سراة إذا جُهالهم سادُوا تهدي الأمور بأهل الرشد ما صَلُحت فإنْ تولّوا فبالأشرار تنقادُ وسراة القوم : سادتهم ورؤسائهم والعلم إنْ لم يُضبط بمرجعيّة قيميّة منهجيّة يتحول إلى ظلم ودمار وفساد (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ) { الشورى 14} . وكان دعاء الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) : ( اللّهم إنيّ أعوذ بك من علمٍ لا ينفع) والحقيقة التي لا لبْس فيها أن العملية التعليميّة التّربوية هي منهج وتفكير ورؤية نخبة وإنجاز أمة بل هي فوق ذلك كله أمانة ومسؤولية يقول المفكر د/ يوسف إدريس: ( الخوف من مواجهة المسؤولية يُعتبر خيانة والخيانة ليست فقط أن تنضم إلى صفوف الأعداء، الخيانة أن تعرف الحقيقة المُهلكة لشعبك وتخفيها عن شعبك لتحمي نفسك أو لتحمي أناساً أخطأوا ) وتأتي صعوبة العملية التّربوية بأن موضوعها الإنسان بكل خصائصه وصفاته وطباعه وغرائزه ولأن الإنسان هو محل التعليم فهو وسيلة التنمية وهدفها والإنسان في القرآن أداة وهدف التغيير وهو محور الحياة فالهدف من القيّم الإسلامية الارتقاء بهذا الإنسان وتمكينه من أداء رسالته صدقاً وعدلاً وصلاحاً وتسامحاً وتراحماً والمصدر الرئيس للقيِم التّربوية هو القرآن الكريم وأعلى هذه القيم نجدها في التوحيد والتزكية والعمران : ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) { الشمس : 7- 10} . (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) وسياسة الأمة وتسيير أجهزتها في ميادين التعليم والزراعة والتجارة والصناعة لا مَفّر لها من الاعتماد على رصيد القيم التّربوية. الأمة السودانية عبر الحقب التاريخية تفخر بأنها كانت تملك رصيداً ضخماً من القيم التّربوية المستمدة من القرآن من خلال تجربتها منذ إنشاء الخلاوى مروراً بالتعليم الديني في سلطنة الفونج وانتهاء بالمدارس القومية التي جمعت كل أبناء السودان في وعاءٍ تّربوي واحد تحت مظلة قومية واحدة رغم التعدّد ( Pluralis) والتنوّع ( Diversity) يربطهم الانتماء الراسخ بالهوية السودانية وتصهرهم بوتقة الوحدة الوطنية ألفة ومودة وانسجاماً وتواصلاً ولم نعرف وقتها مفردات القبلية والجهوية والتّهميش والتّشظي والصّفوّية والحقد الاجتماعي وصراع السلطة والثروة والأجندة الخفية حيث كانت الخدمة التّعليمية متساوية وعادلة لكل أبناء السودان . قامت تلك المدارس على تأسيس قيم الشورى والحوار وتأصيل الانتماء وترسيخ الولاء المؤسس للوطن ، كانت التربية الوطنية (Civics) تُذكي الوجدان وتشحذ الأذهان وتعّمق معني المسؤولية الوطنية وتخرّج من تلك المدارس رجالاً صدقاً : وعلماً واسعاً وفكراً ثاقباً ومرجعاً قومياً أصيلاً ... واتّصفوا بأمانة الكلمة وطهارة اللقمة وامتد عطاء ذلك الجيل الزاهر إلى كل أركان الدنيا سفراء من ذهب في كل المجالات . اغتيلت المدارس القومية وانفرط عقد تواصل الأجيال ودخلت البلاد في غيبوبة تّربوية امتدت حتى الآن. وتدهور التعليم وضعف مداه إلى أن قارب الأميّة وأسقطت الدولة التعليم عن ذاكرتها في ظل غياب التخطيط التربوي المرتبط بالتخطيط الاقتصادي وغياب الرؤى التربوية الراشدة ذات القِيم الحقيقية والمنهج الواضح المتكامل وضآلة التمويل واستمرت جرثومة الاستبداد السياسي تنخر في نظام التعليم حتى خرج ولم يعد حتى الآن وهكذا لم يدخل الفساد من حدودنا وإنما تسرّب كالنمل من عيوبنا وأبرز هذه العيوب إعدام التعليم، وما فتئت الصحف اليومية تضج بأوجاع التعليم حتى قال عن نفسه: رماني الدهر بالأرزاء حتى فؤادي في غِشاء من نِبــــــــال فصرتُ إذا أصابتني سِهامٌ تكسّرت النِصال على النِصال .! وبسبب غياب التربية منهجاً وسلوكاً سيطرت الأنانية وعبادة المادة على المجتمع السوداني وشاع الفساد وانتشر وشجّعت الدولة على ( حيونة ) المواطن السوداني وتحوّل كل المجتمع إلى لهاث وسباق مادي محموم وملتهب واستسلم لغرائزه سلوكاً فاسداً يعكس فكراً فاسداً والكل يجري خلف سراب الثراء مهما كلّف خصماً على المبادئ والقِيم .... وهكذا تأسست عندنا مؤسسة الفساد العظمى تقّوي بعضها بعضاً وتكمّل بعضها بعضاً وتحمي بعضها. وساعد على ذلك الانتشار العشوائي بما يُسمى بثورة (التّحطيم العالي ) . هذه الجامعات السرطانية أفرزت صوراً سلبية يصعب إداركها ومعالجتها أبرزها البطالة بنسبة 70% وترتبط البطالة بالجريمة : سرقة ، قتل ، زنا ،اغتصاب ، تزوير ومخدرات وصلت نسبتها إلى أكثر من 90% بالجامعات تجارة وترويجاً وتعاطياً . هذه الجامعات أصبحت تكراراً للنسخة الواحدة وتحوّلت إلى مؤسسات لتكريس التخلّف وقتل الإبداع وتحنيط التّطلعات . يملك الخريج صورة التّخرج فقط ثم ينضم إلى مؤسسة البطالة حتى يجد نفسه في موقعٍ لا يتناسب مع دراسته كسائق ركشة أو أمجاد أو بائع طعمية وقد اعترف الدكتور / بيتر أدوك – وزير التعليم العالي لصحيفة السوداني بتاريخ 20 / 10 / 2008م (هذه الجامعات تخرّج طلاباً بدرجات علمية قليلة الفائدة ومشكوك في قيمتها الأكاديمية ) وجامعة الخرطوم الجميلة المستحيلة قامة وقيمة وقمة وشموخ وكبرياء الأمة السودانية الآن تتناطح فيها السياسة مع العِلم وتتساقط الكفاءات وتتناسل الألقاب العلمية لمن لا يستحق . لقد اندهش الكثيرون عندما باعت شرفها الأكاديمي ) لمجنون ليبيا مُدّمر القذافي ( زنقة ... زنقة ) وهو الآن محاصر ومزنوق كزنقة كلب في فريق فلاتة ...! وفي ظل غياب الوازع الديني والحس الوطني . اللغة المشتركة والخندق الواحد والانسداد الديمقراطي والاحتقان التربوي وعدم توافق مخرجات التعليم مع متطلبات التنمية شاع الاستبداد السياسي الذي يقدّم أهل الثقة والولاء على أهل المعرفة والخبرة ويتحوّل الناس إلى نسخ مكررة من السلطان وتتعطّل سنن المناصحة والمدافعة وتنطفئ لغة الشورى وتتحوّل الأمة إلى قطيع .... والاستبداد هو أعلى أنواع التخلّف وهو نقيض التنمية والتربية والتعليم . والاستبداد السياسي هو البذرة لكل أنواع الفساد : فساد أخلاقي ، إداري مالي ، اجتماعي تربوي .... وانظر حولك لترى كل أنواع الطيف من الفساد .. تقارير المراجع العام ، الصالح العام ، المحسوبية في التعيين عن طريق الكوسا والباطنية، الرشاوي ، تسهيلات البنوك التي وصل بعضها إلى ( 50 ) مليار ، انهيار قدسية العطاءات كما انهيار العمارات. إهدار الوقت في غياب الخدمة المدنية المنتهية الصلاحية، الزواج العرفي وأطفال المايقوما ، تزوير الشهادات والنقود وممارسة الرزيلة والأعمال الفاضحة، ومئات الشركات الحكومية بلا رادع ولا مراجع ، وإعفاء بعض الدستوريين الفاسدين وترفيعهم إلى أعلى، وممارسات مالية فاضحة بمشروع الجزيرة، واحتكار سلعة السكر عند فئة قليلة في أيام رمضان وعند إجراء الانتخابات وبعلم الحكومة لتطبيق نظرية ( القسمة والنصيب ) ومسلسل دارفور مع المسائل العالقة التي لن تنتهي وبتر جزء عزيز من الوطن وقبل أن نضع أيدينا على خريطة السودان ( الفَضَلْ ) يحقّ لنا أن نتساءل : أين هي خريطة السودان الآن ؟؟؟؟ ويتواصل مسلسل الفساد بفساد التقاوى والبذور والدواء المضروب المغشوش ورحلات الحكام الخارجية والحوافز والمخصصات الخرافية على قفا من يشيل ونظام حاكم يرتضع من ثدي المال العام ..!وأسطورة معالجة تشغيل الخريجين ملعقة سكر في برميل ماء Too late ….Too Little وتتفاقم البطالة وتتجذّر ويرتفع معدل الفساد ..... وإصرار هيئة الحج والعمرة على ممارسة الفشل كل عام ... وتنفيذ قرارت الرئيس بأعجل ما يكون عند قيام المؤتمرات وافتتاح الكباري (فالميزانية ما شاء الله بند مفتوح) (وتنفيس) قرارات الرئيس عند صرف متأخرات ومستحقات المعاشيين . وكنكشة الديناصورات بالمناصب وغسيل الأموال والأغاني الهابطة وأخطاء وخطايا النقابات ، وأكذوبة النفرة الزراعية، وتسليع التعليم وأم غُمتي سودانير والصمغ العربي وغموض التأمين الصحي، ووسط هذا الزحام من الخطايا والرزايا لم يجد التعليم ثغرة لاختراق الفساد ففرّ بجلده وخرج ولم يعد حتى الآن ....!وفي ظل هذه الصور القاتمة دخلنا في زمان الهرولة وركضنا ولهثنا نحو العاصمة المكدسة بعد أن ظل الريف أطلالاً للبكاء والعدم وينهمر وابل الهرولة نحو العاصمة يومياً بمعدل تعجز عنه الإحصائيات لممارسة الأعمال الهامشية في غابة (البقاء للأصلح ) . ومن ضمن هؤلاء ( إنسان ) من المناقل أرسله أهله كعنصر منتج لإعاشتهم .... هجر مدرسة كئيبة طاردة ومناهج عقيمة تضج بجهل ثقيل وفهم سقيم ومعلم كاسف البال قليل الرجاء وأرضاً خاصمت الخضرة والنماء والأمل وقال أهله في وداعه : هديمك يا وليد مقدود *** وأخوك من شهر مرفـــــــود قالــــوا : صالــــح عــــــام *** عشان قال العَوج في العود صابحنا الفَقُر والجــــوع *** صبح باب التُكل مســــــدود وكل شِيتاً صعب في السوق *** من الكبريتة للطايــــــوق كِمِلْ حتى الملح في البيـت *** وشِنْ همّ الملح في البيـــت ؟؟ وَكِتْ ملح الدموع موجود ....!!!! وكانت أقصى طموحاته بيع المناديل والمساويك ( وختة رأسه ) في عمارة تحت التشييد ... ( ود المناقل ) أحد ضحايا ظُلم الإنسان لأخيه الإنسان ، جاء إلى السوق باعتبار أن العلم (ملحوق) ... لكنه لقي حتفه على يد جبابرة الكشّة مات ولم يترك تذكاراً ... مات وبراءة الأطفال في عينيه ... مات كما تموت الحقيقة في الحياة .... والمشروع الحضاري يتفرّج عليه ... ! مات وهو يعلم أنه في الحالين ميّت : الموت الطبيعي والموت الفكري : ( To cease education at 15 is as unnatural as to die at 15 : the one is physical death , the other is intellectual death ) . لم يعُد في العين شيءٌ من بريق .... جفّ نهر الحب ....... سوف نمضي في صقيع الليل محموم الحريق يكبر الحزن ونكبر .... كل عام نتشظّى نتكسّر أي شيءٍ سوف يبقى بعد أخضر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق