شئ من حتي |
٭ لم يكن الرئيس السوداني المخلوع جعفر نميري مخطئاً عندما اعتبر أن أقرب الأنظمة السودانية لنظامه الذي حكم السودان من مايو 9691م وانتهى بانتفاضة شعبية في مارس/ ابريل 5891م، هو نظام (الانقاذ ؟!) القائم، إذ من الممكن رصد الكثير من الملامح والقواسم المشتركة بين العهدين تجعل قياس المشهد السياسي الماثل بنفس وحدات مسطرة قياس المشهد السياسي المايوي (في سنواته الأخيرة على الأقل) صحيحاً ومنطقياً الى درجة كبيرة.
٭ في العهد المايوي انبنى تنظيم الاتحاد الاشتراكي وهو الحزب الحاكم من خلال السلطة. وكان هو الحزب الآمر الناهي في كل شيء، وهو السكة الوحيدة الموصلة للسلطة وللجاه في أقصر مدة. وبذلك صار الاتحاد الاشتراكي السوداني هو سكة المناصب الرفيعة، والثراء الفاحش، والتحكم في مصائر العباد. وهكذا استشرى الفساد المالي والإداري والمحسوبية والواسطة في مفاصل الدولة، وتميز أنصار الحزب الحاكم بوضعية صفوية واضحة على حساب الشعب الذي يتململ كل بيت فيه من الغلاء وضيق المعيشة وضنك العيش.
ونفس الحالة يمكن ملاحظتها الآن في حزب المؤتمر الوطني الذي انبنى في عهد (الانقاذ؟!) من خلال السلطة، حيث يمثل مثله مثل الاتحاد الاشتراكي الحزب الحاكم والقابض بإقصائية صارخة. ولم يختلف حزب الانقاذيين عن حزب المايويين من حيث الممارسة وإدارة الدولة في كثير. فالحزب هو أقصر البوابات لتسلق المواقع العليا والحساسة في الدولة دون أية معايير ما عدا الولاء، حتى أضحت المهنية والكفاءة والتخصصية عديمة القيمة، وأهينت الخدمة العامة أيما إهانة في هذا العهد بالذات. والاختلاف الوحيد بين الحالة المايوية ومقابلتها الانقاذية هو اتصاف الأخيرة بالعقلية والجهوية في إدارة الدولة، حتى صار من ضمن شروط التقديم للوظائف العامة شرط الهوية القبلية. وفي العهد المايوي كانت هناك حدود مؤسسية لا يمكن تجاوزها مهما كان، أما في الحالة الإنقاذية فالانتساب للمؤتمر الوطني هو شرط أساسي ليس للوزارة فحسب، وإنما لوكيل الوزارة، وادارات الوحدات الكبيرة والهيئات، وحتى إدارة الجامعات وعمادة كلياتها.
٭ في العهد المايوي بدأ ملف الجنوب باتفاقية أديس أبابا 2791م، وانتهى بعودة الحرب مرة أخرى في مايو 3891م وظهور حركة الأنانيا في (الحركة الشعبية لاحقاً).
وتأزم الوضع في الجنوب بسبب سياسات النظام المايوي في إدارة الجنوب، والتراجع عن اتفاق اديس أبابا بتقسيم الإقليم الجنوبي الى ثلاثة اقاليم، والاعتماد على التوازنات القبلية في المؤسسات التشريعية. وتأزم باعتماد النظام على الحل العسكري وسياسة العصا لمن عصا.
وفي العهد الإنقاذي استفحلت الأزمة بالخطاب التصعيدي وإضفاء طابع ثقافي وديني على المشكلة، وتحويلها الى حرب مقدسة وجهاد ومحاربة الصليبية، رغم وجود ما يقارب مليوني مسلم من أبناء جنوب السودان. وفي النهاية انتهى الأمر بالانقاذيين الى التنازل الكامل لحركة التمرد عن الإقليم بأكمله، واتفقت معها على تقاسم البلد وإنسانها. فانفردت الحركة الشعبية بحكم الجنوب (مستقلاً) وانفرد الإنقاذيون بحكم الشمال (منفردين). وقد تجاوز الأخيرون الأولين في أنهم اعتمدوا اتفاقاً للسلام، بتصميم أجنبي أمريكي لم يفعلوا أكثر من أن يبصموا عليه مع التسليم والتعظيم. كما تجاوزوهم أيضاً في التعبير عن توجهات عنصرية وجهوية ضد أبناء الجنوب من أعلى قمة السلطة والحزب، كانت مقززة وكريهة، ولا يمكن أن تصدر عن جماعة تؤمن بالوطن وتدين بقيم الدين الإسلامي السمحة.
٭ في الحالة المايوية بدأ النظام بتوجهات معادية بشكل صارخ للغرب الرأسمالي وسياساته في المنطقة، ومتبنياً للقضايا القومية والاشتراكية وسياسة الاعتماد على الذات، وتحرير فلسطين.... الخ. لينتهي الى ان يكون صديقاً وحليفاً رئيساً للولايات المتحدة في أفريقيا، ويتماهى معها في السياسات الاقتصادية (صندوق النقد والبنك الدولي) وحتى مرحلة التورط في ترحيل اليهود الفلاشا من إثيوبيا إلى دولة الكيان الصهيوني. ورحل نميري بالانتفاضة أثناء آخر زياراته لأمريكا. وفي الحالة الإنقاذية بدأ الأمر بـ (أمريكا وروسيا قد دنا عذابها، ونأكل مما نزرع...) لينتهي الى أن يتحول السودان الى مسرح مفتوح للمبعوثين الامريكيين يصولون ويجولون فيه، وأصبحت الادارة الامريكية هى من يقرر في السياسات والاتفاقيات والحلول وفق رؤيتها هى. وصارت البلاد مسرحا مفتوحاً للقوات الدولية التي توجد بعشرات الالوف، وصار هناك قسم خاص بالمؤسسات الدولية داخل المطار خارج سيطرة الدولة، لتتبخر كل شعارات السيادة الوطنية في الهواء.
٭ في الحالة المايوية تسببت السياسات الاقتصادية للنظام في تعميق حدة الفقر وتوسيع دائرته، وظهور طبقة الرأسمالية الطفيلية المحتمية بالسلطة، وغالبها من منسوبي الحزب الحاكم (الاتحاد الاشتراكي)، وتفشى الفساد وغطت رائحته المكان.. فساد الحاكم والمقربين اليهم والمتنفذين. واستفحش الغلاء وضاقت المعيشة بالناس، وانهارت الكثير من الخدمات العامة.
وكذلك في الحالة الإنقاذية يطحن الناس الغلاء، وتلاشت الطبقة الوسطى، حيث لم يعد هناك سوى طبقة الرأسمالية الطفيلية المتأسلمة من جهة، وعامة الشعب المطحون بالفقر والفاقة من الجهة الأخرى. واستشرى الفساد أكثر من أي عهد مضى، حتى اضطرت (الجماعة) إلى تكوين مفوضية خاصة به، ولم يعد بمقدور حتى المراجع العام أن يفرض قراره المهني الرسمي على كل المؤسسات. ووصل الأمر مستوى أن يتم استرضاء منسوبي الحزب الحاكم بالوزارة أو الولاية أو الوظيفة الرفيعة أو (البندول النافعابي)، وكأنما مؤسسات الدولة هى تركة خاصة بحزب المؤتمر الوطني الحاكم.
٭ وفي الحالة المايوية تم التضييق على الحريات العامة ومصادرتها على مستوى الأحزاب والنقابات، ومحاصرة أى شكل من أشكال الاحتجاجات السلمية أو تعبيراتها الاخرى، فيما عدا المطبلة للحكام وسياساتهم. ونفس الشيء حدث ويحدث في الحالة الانقاذية. واعتمد النظام المايوي بشكل اساسي على القبضة الامنية والاعلام الرسمي في مواجهة الخصوم، وهو نفس ما يحدث أيضاً الآن.
وعندما اشتد الخناق على السلطة في العهد المايوي استخدمت الشريعة الإسلامية قناعاً يضفي قدسية على الحكومة ورموزها، ويعتبر الرئيس نميري أميراً للمؤمنين، بينما يعتبر أى معارض له ولحكمه كافرا وخارجاً عن الملة. وتحولت الشريعة السمحاء الى سيف يرفع في وجه الخصوم السياسيين لنظام لم يتورع عن ممارسات مخالفة للشرع نفسه (نُسب الى النميري قوله في لقاء المكاشفة الشهري بخصوص مضايقات جهاز أمنه للمعارضين لحكمه: نحن ح نتجسس ونتحسس وننط الحيط كمان!!!).
وفي الحالة الإنقاذية حالياً يتشكل نفس المشهد المايوي تقريباً في الأعوام الاخيرة له. ويحتمي أهل (الانقاذ؟!) بالشريعة كورقة سياسية لا أكثر، بينما كثير من سياساتهم تناقض جوهر الشرع القائم على العدل وعفة اللسان واليد، ويُراد لشريعة الإنقاذ أن تكون أداةً لقمع الخصوم ليس إلا.
وفي النهاية فإن المآل الذي وصل إليه النظام المايوي ووفقاً لهذه المقاربات المتعددة، وبما يتكرر مرة أخرى مع رصيفه الإنقاذي.
٭ في العهد المايوي انبنى تنظيم الاتحاد الاشتراكي وهو الحزب الحاكم من خلال السلطة. وكان هو الحزب الآمر الناهي في كل شيء، وهو السكة الوحيدة الموصلة للسلطة وللجاه في أقصر مدة. وبذلك صار الاتحاد الاشتراكي السوداني هو سكة المناصب الرفيعة، والثراء الفاحش، والتحكم في مصائر العباد. وهكذا استشرى الفساد المالي والإداري والمحسوبية والواسطة في مفاصل الدولة، وتميز أنصار الحزب الحاكم بوضعية صفوية واضحة على حساب الشعب الذي يتململ كل بيت فيه من الغلاء وضيق المعيشة وضنك العيش.
ونفس الحالة يمكن ملاحظتها الآن في حزب المؤتمر الوطني الذي انبنى في عهد (الانقاذ؟!) من خلال السلطة، حيث يمثل مثله مثل الاتحاد الاشتراكي الحزب الحاكم والقابض بإقصائية صارخة. ولم يختلف حزب الانقاذيين عن حزب المايويين من حيث الممارسة وإدارة الدولة في كثير. فالحزب هو أقصر البوابات لتسلق المواقع العليا والحساسة في الدولة دون أية معايير ما عدا الولاء، حتى أضحت المهنية والكفاءة والتخصصية عديمة القيمة، وأهينت الخدمة العامة أيما إهانة في هذا العهد بالذات. والاختلاف الوحيد بين الحالة المايوية ومقابلتها الانقاذية هو اتصاف الأخيرة بالعقلية والجهوية في إدارة الدولة، حتى صار من ضمن شروط التقديم للوظائف العامة شرط الهوية القبلية. وفي العهد المايوي كانت هناك حدود مؤسسية لا يمكن تجاوزها مهما كان، أما في الحالة الإنقاذية فالانتساب للمؤتمر الوطني هو شرط أساسي ليس للوزارة فحسب، وإنما لوكيل الوزارة، وادارات الوحدات الكبيرة والهيئات، وحتى إدارة الجامعات وعمادة كلياتها.
٭ في العهد المايوي بدأ ملف الجنوب باتفاقية أديس أبابا 2791م، وانتهى بعودة الحرب مرة أخرى في مايو 3891م وظهور حركة الأنانيا في (الحركة الشعبية لاحقاً).
وتأزم الوضع في الجنوب بسبب سياسات النظام المايوي في إدارة الجنوب، والتراجع عن اتفاق اديس أبابا بتقسيم الإقليم الجنوبي الى ثلاثة اقاليم، والاعتماد على التوازنات القبلية في المؤسسات التشريعية. وتأزم باعتماد النظام على الحل العسكري وسياسة العصا لمن عصا.
وفي العهد الإنقاذي استفحلت الأزمة بالخطاب التصعيدي وإضفاء طابع ثقافي وديني على المشكلة، وتحويلها الى حرب مقدسة وجهاد ومحاربة الصليبية، رغم وجود ما يقارب مليوني مسلم من أبناء جنوب السودان. وفي النهاية انتهى الأمر بالانقاذيين الى التنازل الكامل لحركة التمرد عن الإقليم بأكمله، واتفقت معها على تقاسم البلد وإنسانها. فانفردت الحركة الشعبية بحكم الجنوب (مستقلاً) وانفرد الإنقاذيون بحكم الشمال (منفردين). وقد تجاوز الأخيرون الأولين في أنهم اعتمدوا اتفاقاً للسلام، بتصميم أجنبي أمريكي لم يفعلوا أكثر من أن يبصموا عليه مع التسليم والتعظيم. كما تجاوزوهم أيضاً في التعبير عن توجهات عنصرية وجهوية ضد أبناء الجنوب من أعلى قمة السلطة والحزب، كانت مقززة وكريهة، ولا يمكن أن تصدر عن جماعة تؤمن بالوطن وتدين بقيم الدين الإسلامي السمحة.
٭ في الحالة المايوية بدأ النظام بتوجهات معادية بشكل صارخ للغرب الرأسمالي وسياساته في المنطقة، ومتبنياً للقضايا القومية والاشتراكية وسياسة الاعتماد على الذات، وتحرير فلسطين.... الخ. لينتهي الى ان يكون صديقاً وحليفاً رئيساً للولايات المتحدة في أفريقيا، ويتماهى معها في السياسات الاقتصادية (صندوق النقد والبنك الدولي) وحتى مرحلة التورط في ترحيل اليهود الفلاشا من إثيوبيا إلى دولة الكيان الصهيوني. ورحل نميري بالانتفاضة أثناء آخر زياراته لأمريكا. وفي الحالة الإنقاذية بدأ الأمر بـ (أمريكا وروسيا قد دنا عذابها، ونأكل مما نزرع...) لينتهي الى أن يتحول السودان الى مسرح مفتوح للمبعوثين الامريكيين يصولون ويجولون فيه، وأصبحت الادارة الامريكية هى من يقرر في السياسات والاتفاقيات والحلول وفق رؤيتها هى. وصارت البلاد مسرحا مفتوحاً للقوات الدولية التي توجد بعشرات الالوف، وصار هناك قسم خاص بالمؤسسات الدولية داخل المطار خارج سيطرة الدولة، لتتبخر كل شعارات السيادة الوطنية في الهواء.
٭ في الحالة المايوية تسببت السياسات الاقتصادية للنظام في تعميق حدة الفقر وتوسيع دائرته، وظهور طبقة الرأسمالية الطفيلية المحتمية بالسلطة، وغالبها من منسوبي الحزب الحاكم (الاتحاد الاشتراكي)، وتفشى الفساد وغطت رائحته المكان.. فساد الحاكم والمقربين اليهم والمتنفذين. واستفحش الغلاء وضاقت المعيشة بالناس، وانهارت الكثير من الخدمات العامة.
وكذلك في الحالة الإنقاذية يطحن الناس الغلاء، وتلاشت الطبقة الوسطى، حيث لم يعد هناك سوى طبقة الرأسمالية الطفيلية المتأسلمة من جهة، وعامة الشعب المطحون بالفقر والفاقة من الجهة الأخرى. واستشرى الفساد أكثر من أي عهد مضى، حتى اضطرت (الجماعة) إلى تكوين مفوضية خاصة به، ولم يعد بمقدور حتى المراجع العام أن يفرض قراره المهني الرسمي على كل المؤسسات. ووصل الأمر مستوى أن يتم استرضاء منسوبي الحزب الحاكم بالوزارة أو الولاية أو الوظيفة الرفيعة أو (البندول النافعابي)، وكأنما مؤسسات الدولة هى تركة خاصة بحزب المؤتمر الوطني الحاكم.
٭ وفي الحالة المايوية تم التضييق على الحريات العامة ومصادرتها على مستوى الأحزاب والنقابات، ومحاصرة أى شكل من أشكال الاحتجاجات السلمية أو تعبيراتها الاخرى، فيما عدا المطبلة للحكام وسياساتهم. ونفس الشيء حدث ويحدث في الحالة الانقاذية. واعتمد النظام المايوي بشكل اساسي على القبضة الامنية والاعلام الرسمي في مواجهة الخصوم، وهو نفس ما يحدث أيضاً الآن.
وعندما اشتد الخناق على السلطة في العهد المايوي استخدمت الشريعة الإسلامية قناعاً يضفي قدسية على الحكومة ورموزها، ويعتبر الرئيس نميري أميراً للمؤمنين، بينما يعتبر أى معارض له ولحكمه كافرا وخارجاً عن الملة. وتحولت الشريعة السمحاء الى سيف يرفع في وجه الخصوم السياسيين لنظام لم يتورع عن ممارسات مخالفة للشرع نفسه (نُسب الى النميري قوله في لقاء المكاشفة الشهري بخصوص مضايقات جهاز أمنه للمعارضين لحكمه: نحن ح نتجسس ونتحسس وننط الحيط كمان!!!).
وفي الحالة الإنقاذية حالياً يتشكل نفس المشهد المايوي تقريباً في الأعوام الاخيرة له. ويحتمي أهل (الانقاذ؟!) بالشريعة كورقة سياسية لا أكثر، بينما كثير من سياساتهم تناقض جوهر الشرع القائم على العدل وعفة اللسان واليد، ويُراد لشريعة الإنقاذ أن تكون أداةً لقمع الخصوم ليس إلا.
وفي النهاية فإن المآل الذي وصل إليه النظام المايوي ووفقاً لهذه المقاربات المتعددة، وبما يتكرر مرة أخرى مع رصيفه الإنقاذي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق