تتظاهر الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأيام بأنها تقف مع الشعوب وكلما تقوم انتفاضة على حكّام البلدان الإسلامية الناطقة العربية تنحاز الى الثوار وتُطالب بتنحي الحكام الذين أتوا إلى سدة الحكم عن طريقها، ولكن هذا الوقوف مع الثوار إنّما هو ركوب للموجة وهي تريد بذلك خداع هؤلاء الثوار الأشراف وما فعلته في ليبيا من تدخل لإنقاذ الثوار من ضربات القذافي ليس إنسانية من أمريكا بل هي مطامع شخصية! فهل كانت أمريكا في غفلة من استبداد هؤلاء الحكّام سابقاً؟ ولماذا لم تتدخل منذ أول يوم للثورة وتُطيح بهؤلاء الحكّام؟ ولكنها تتحرك بعد أن يسقط آلاف الشهداء من أبناء هذه الأمة الأبرار الذين باعوا أرواحهم رخيصة في سبيل التغيير. فالملاحظ أن أمريكا تتحرك للتدخل بعد أن تفقد الأمل في الحاكم المطالب بالرحيل بأنه لن يحكم بعد ذلك، فتتدخل بحجة أنها تريد إنقاذ الشعوب، وكلما تذكرت مواقف أمريكا تجاه هذه الثورات تذكرت قول الشاعر الذي يقول: خرج الثعلب يوماً في ثياب الواعظينا ومشى في الأرض ويسب الماكرينا ويقول الحمد لله رب العالمينا وواهم من ظن يوماً أن للثعلب (أمريكا) دينا والذي منع أمريكا من التدخل سريعاً في ليبيا أنها كانت تريد قبل التدخل ضمان أتباعٍ لها، وقد تماطلت حتى تُوصِلَ الثوار إلى أنها (أي أمريكا) هي التي تنقذهم من نيران القذافي ولذلك يترجونها ويزيدون في الرجاء لتتدخل، وخاصة أن أمريكا تدرك أن حظرا جويا دونها لا يحل المشكلة وعلى كل ذلك فإن أمريكا تعمل على الاتصال بالثوار والمنتفضين وقد أعلنت كلنتون عن ذلك، وأمريكا تعمل على دعمهم حتى تتمكن من كسب نفوذٍ لها عن طريق كسب قيادات في الداخل ما استطاعت الى ذلك سبيلا (ونسأل الله القدير أن يخيب فألهم) وتعمل على التضييق من الخارج على القذافي حتى إذا ما كسبت قيادات واستمالت بعضها واطمأنت الى اختراق مناسب فعندها تجد ثمنًا لتدخلها العسكري تستحق أن تتحمل من أجله أعباء ذلك التدخل. وأمريكا لا توجد لديها مثقال ذرة من رحمة ولا إنسانية فأعمالها وتاريخها السيئ وما اقترفته من جرائم في حق البشرية شاهد على ذلك وعلى سبيل المثال لا الحصر فأمريكا في ليلة من ليالي الحرب العالمية الثانية، دمّرت 334 طائرة أمريكية ما مساحته 16 ميلاً مربعًا من طوكيو، بإسقاط القنابل الحارقة، وقتلت مائة ألف شخص في يوم واحد، وشردت مليون نسمة، ولاحَظَ أحدُ كبار الجنرالات بارتياح، أن الرجال والنساء والأطفال اليابانيين قد أحرقوا، وتم غليهم وخبزهم حتى الموت، وكانت الحرارة شديدة جدًا، حتى إن الماء قد وصل في القنوات درجة الغليان، وذابت الهياكل المعدنية، وتفجر الناس في ألسنة من اللهب، وتعرضت أثناء الحرب حوالي 64 مدينة يابانية للقنابل، واستعملوا ضدهم الأسلحة النووية، ولذلك فإن اليابان لا تزال حتى اليوم تعاني من آثارها. وفي منتصف عام 1382هـ سببت حرب فيتنام مقتل 160 ألف شخص، وتعذيب وتشويه 700 ألف شخص، واغتصاب 31 ألف امرأة، ونُزعت أحشاء 3.000 شخص وهم أحياء، وأحرق 4.000 حتى الموت، وهوجمت 46 قرية بالمواد الكيماوية السامة. وأدى القصف الأمريكي "لهانوي" في فترة أعياد الميلاد، وعام 1391هـ إلى إصابة أكثر من 30 ألف طفل بالصمم الدائم. وقتل الجيش الأمريكي المدرب في "غواتيمالا" أكثر من 150 ألف فلاح، ما بين عام 1385هـ و عام 1406هـ. وقاموا بإبادة ملايين الهنود الحمر، يصل عددهم في بعض الإحصائيات إلى أكثر من مائة مليون، وهم السكان الأصليون لأمريكا، وبعدها أصدرت قرارًا بتقديم مكافأة مقدارها 40 جنيهًا، مقابل كل فروة مسلوخة من رأس هندي أحمر، و40 جنيهًا مقابل أسر كل واحد منهم، وبعد خمسة عشر عامًا، ارتفعت المكافأة إلى 100 جنيه، و50 جنيهاً مقابل فروة رأس امرأه أو فروة رأس طفل، هذه هي الحضارة الأمريكية. وأما جرائمهم في دماء المسلمين فحدّث ولا حرج، فملفاتهم سوداء، ودم المسلم دم وحشي في قاموس أمريكا، ليس له حرمة البتة، بل هو في نظر أمريكا أخس من الكلاب النجسة، وقد أنتجوا أكثر من 700 فيلم يسيء للإسلام والمسلمين. ويرى الرئيس السابق نكسون أن ليس هناك من شعب ـ حتى ولا الصين الشعبيةـ له صورة سلبية في ضمير الأمريكيين، بالقدر الذي للعالم الإسلامي. فهم قد قتلوا أكثر من مليون مسلم بسبب احتلالهم للعراق. وأما معاملتهم للأسرى فهي الأسوأ، فلا إنسانية لديهم، والقيم الأخلاقية ليس لهم فيها ناقة ولا جمل، وقد تمثلت في أمريكا أعظم أنواع الإرهاب المنظم، وبلغ فيهم الاضطهاد والإرهاب مبلغًا لم يشهد مثله في عالمنا الحاضر، بل وعلى مر التاريخ المتقدم، لقد خالفوا الأديان والشرائع بل والقوانين الوضعية. لقد حرص الأمريكيون على إظهار التشفي من هؤلاء الأسرى في "غونتناموا" في كل مناسبة، حتى بلغ بهم الحال أن يتركوا هؤلاء الأسرى في مقاعدهم، لأكثر من يوم ونصف بلا أي حراك، ومن دون تمكينهم من استخدام دورات المياه، ثم يعلنون ذلك لمجرد التشفي والتهكم والسخرية من هؤلاء الأسرى. كما توضح الصور، أن الأمريكيين حرصوا على تعطيل كافة الحواس: السمع والبصر بل وحتى الفم والأنف، وضع عليها أغطية كثيفة، والمتأمل للصور يشعر بأن الأسرى يفتقدون حتى الإحساس بالمكان، وربما الزمان، ومن الواضح خلال تصريحات المسؤولين الأمريكيين، أنهم لن يترددوا في استخدام أي وسيلة يتم من خلالها إهانة وتحطيم هؤلاء الأسرى. فهم بذلك خالفوا كل الأديان والشرائع، وخالفوا ـ أيضًا ـ القوانين الوهمية؛ فإن من الاتفاقات القانونية أن إجبار أسير الحرب على الإدلاء باعترافاته هو عمل إرهابي. هذه هي أمريكا لمن لا يعرفها وهذه بعض جرائمها. إن الأصل فينا ألا ننخدع، فالمؤمن كيّس فطن ينظر بنور الله. ولكن لن تنجح ثوراتنا ضد الظلم إلا بالبعد عن المشروع الأمريكي الاستعماري، القائم على فصل الدين عن الحياة ونهب ثرواتنا عن طريق ذلك، ونجاح الثورة يكون بإيجاد نظام الإسلام بدلاً عن أنظمة الطاغوت ، ونظام الإسلام ينفذ عن طريق نظام الحكم في الإسلام وهو نظام الخلافة. أما بالنسبة للاستعانة بهؤلاء الكافرين فقد نهانا الشرع عن ذلك قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران- 118) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق