الأحد، 1 أبريل 2012

المجتمع الدولي وحل التوترات بين دولتي السودان


المجتمع الدولي وحل التوترات بين دولتي السودان
نقلت تصريحات لرئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت في اجتماع مجلس التحرير للحركة الشعبية, بأن قواتهم قد استولت على منطقة هجليج, نقل الخلاف الناشب بين الدولتين إلى مرحلة متأخرة في العلاقات, بعد ما تفاءل الناس خيرا, بعد زيارة وفد من دولة جنوب السودان للخرطوم, لكي يقدم دعوة رئيس دولة الجنوب للرئيس السوداني لزيارة جوبا, بعد اللغة الجديدة التي ظهرت من قبل الوفد, خاصة تحدث عنها رئيس الوفد باقان أموم في الحوار الذي أجرته معه الإذاعة السودانية. وجاءت تصريحات الرئيس ميارديت, قبل أقل من أسبوعين لموعد زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلي جوبا, وتثير التصريحات أسئلة كثيرة, بسبب موعد هجوم الحركة على منطقة هجليج, رغم أن رئيس دولة الجنوب كان قد طلب من قيادة الاتحاد الأوروبي, في زيارته الأخيرة لها, أن يقنعوا الخرطوم بضرورة الزيارة, ولكنه هو الذي جاء وهدم الزيارة, بسبب الهجوم على منطقة هجليج, ومع التأكيد فإن قواتهم قد استولت على المنطقة, ومثل هذا التصريح من قبل رئيس دولة, يعني إعلان حرب, ولكن أرجع وأقول ربما هناك أسباب قوية وراء ذلك.
تصريحات رئيس دولة الجنوب, والتي ألغت بسببها الخرطوم زيارة رئيس الجمهورية لجوبا, تؤكد أن هناك خلافا في قيادة دولة الجنوب, في كيفية التعامل مع السودان, وأن قضية التفاوض والحوار بين الجانبين, تواجه رؤى متعددة بين القيادات الجنوبية, ودلالة على ذلك حضور وفد دولة الجنوب إلى الخرطوم, واللغة التي تحدث بها, هل كل ذلك كان مخططا له؟ ويعد تمويها من أجل حدوث الهجوم, أم أن هناك أسبابا أخرى ليس لها أي دخل بحضور الوفد, هي التي قادت للهجوم لكي تفشل لقاء الرئيسين, ولكن الثابت أن تصريحات الرئيس سلفاكير هي التي دفعت الخرطوم إلى إلغاء الزيارة, وكانت جوبا تعلم أن اتفاقية أديس أبابا للحريات الأربع, تجد معارضة في السودان, وأن الرئيس السوداني قبل القيام بالزيارة, رغم المعارضة القوية التي يجدها من قبل بعض القيادات في حزبه, وهؤلاء يتصيدون الفرص من أجل عدم حدوث اللقاء, ورغم ذلك فإن رئيس دولة الجنوب لم يكن عابئاً بتلك المعارضة, بل قاد بنفسه موقفاً مضادا, يعيق الزيارة التي قدم هو شخصيا دعوتها.
وإذا كان الرئيس سلفاكير رافضا للزيارة, لماذا طلب من قيادة الاتحاد الأوروبي إقناع الرئيس البشير بها؟ ولماذا أرسل وفده للخرطوم؟ كما أن الرئيس سلفاكير لا يعلم الغيب, ولا يعرف كيف كانت تكون ردة الخرطوم لتصريحاته, إلا إذا كان هذا العمل تقف وراءه جهات, يعتقد السيد ميارديت أنها قادرة على الوقوف بجانبه وحمايته من ردة فعل الخرطوم, أم إن المخطط كان أكبر من ذلك.. كلها أسئلة حائرة تبحث عن إجابة, وبقدر ما هناك قيادات في الجنوب رافضة لقيام علاقات مع الخرطوم, أيضاً هناك قيادات نافذة في حزب السلطة أيضاً رافضة لهذه العلاقة, وقد استغلت تصريحات سلفاكير لكي تؤكد على وجهة نظرها, ولكن الملاحظ أن المؤسسية في الخرطوم لم تجلس, لكي تناقش الزيارة, وغيرها من خلال الوضع الجديد, وكل التصريحات التي خرجت هي اجتهادات شخصية تمثل أصحابها, ولكنها لم تخرج من اجتماع مؤسسي يتحمل مسؤوليتها, وهذه واحدة من عيوب الإنقاذ.
حيث صرح الدكتور الحاج آدم يوسف نائب رئيس الجمهورية لتلفزيون السودان أنهم علقوا زيارة الرئيس إلى جوبا, بسبب الهجوم الذي قامت به قوات الحركة الشعبية على هجليج, وأنهم أيضاً أوقفوا التفاوض مع دولة جنوب السودان, حتى ينجلي الأمر, في الوقت الذي كانت الخرطوم, قد أرسلت وفدها إلى أديس أبابا للحوار حول قضية الترتيبات الأمنية, مما يؤكد أن القيادات السياسية أو التنفيذية تقدم تصريحات فردية ليست لها أي صفة مؤسسية, ومثل هذا المنهج يدخل البلاد في إشكاليات كبيرة جدا. ومعروف في أي بلد هناك مؤسسات موكلة إليها مثل هذه التصريحات, وهي معروفة كوزارة الخارجية التي تقوم بكل ما يتعلق بالقضايا الخارجية, وهي تعرف اللغة التي تتحدث بها وتستطيع أن تقنع الرأي العام الخارجي, والسلطة التنفيذية.. ومعروف أن السيد وزير الإعلام هو الجهة الوحيدة التي تتحدث عن السلطة التنفيذية ونقل ما اتفق عليه في اجتماع مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية، فهناك وزير شؤون الرئاسة ووزراء الدولة في غيابه, والقوات المسلحة لها أيضاً ناطقها الرسمي. إذن إذا كانت تلك الجهات المعلومة للحديث, ليس فقط في دولة السودان, إنما هو تقليد متعارف عليه عالميا, إذن لماذا هذه التصريحات الكثيرة التي تخرج من قيادات كردة فعل.. ومعروف أن الحديث في ساعة الغضب لا يخرج مستقيما, ولا فيه شيء من الحكمة, ويدخل البلاد في حرج.
والتزام السودان بالتفاوض, يعد الوسيلة الوحيدة للحل, وجاء على لسان رئيس الجمهوري, الذي قال في خطابه, في اجتماع القمة العربية, والتي عقدت مؤخراً في بغداد: (إن السودان يسعى إلى إيجاد تسوية سلمية مع دولة جنوب السودان, بشأن القضايا العالقة, من خلال الحوار والتفاهم بين الدولتين, وطبقاً لإستراتيجية تخدم مصالح البلدين). وحديث الرئيس في محفل إقليمي يلزم السودان بهذه السياسة, بعيداً عن قرع طبول الحرب, التي بدأت هنا وهناك, وفي نفس الوقت أكدت دولة الجنوب أنها لا تريد الحرب, وجاء على لسان وزير إعلامها برنابا ماريال بنجامين حيث قال: (إن بلاده لا تريد الدخول مع السودان في حرب, رغم أننا قادرين على الدفاع على بلادنا). ثم جاءت أيضاً التصريحات الدولية لتؤكد على ذلك من قبل الأمين العام للأمم المتحدة, الذي طالب الدولتين بنبذ العنف, والالتزام بجانب التفاوض لحل المشاكل العالقة بينهم.. وفي نفس الموضوع طالب مجلس الأمن أن يحترم السودان ودولة جنوب السودان روح اتفاقية التفاهم, التي عقدت بينهما في العاشر من فبراير الماضي, والتي تنص على التعاون ومنع الأعمال العدائية, كما طالبهما بوقف العمليات العسكرية وإنهاء الخطوات الرامية إلى زعزعت أمن والاستقرار, بما في ذلك دعم كل جانب لمجموعات مسلحة معادية للجانب الآخر, تخطط للإطاحة بنظامه, وذهبت فرنسا في ذات الاتجاه, حيث قال الناطق الرسمي باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو: (إن اللقاء بين رئيسي دولة السودان وجنوب السودان, والذي كان متوقعاً أن يكون أوائل شهر أبريل, يجب أن يقوم رغم المواجهات الأخيرة, وسيكون اللقاء دليلاً على حسن نية الطرفين, للتوصل في تسوية التوتر الحالي). إذن المجتمع الدولي متفق على أن الحل بين الدولتين يجب أن يكون عبر التفاوض, والحوار بعيداً عن أجواء قرع طبول الحرب في البلدين, وعلو صوت القيادات المتطرفة الداعية للتصعيد, رغم أن الحرب كما يقال في علم السياسية هي الدبلوماسية الأشد عنفا, ولكنها لا تحقق نتائج إلا عبر التفاوض, إذن يجب الذهاب مباشرة للحوار.
والغريب في الأمر أن الولايات المتحدة رغم أنها دعت الطرفين لوقف العنف والدخول في حوار, إلا أنها كانت منحازة على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون, عندما قالت للصحافيين: (إن المسؤولية الكبرى فيما يحدث تقع على السودان, وأن القصف الجوي من قبل السودان, دليل على القوة غير المتكافئة, لكنها قالت, أيضاً إن الولايات المتحدة ترغب بأن يوقف جنوب السودان وحلفاءه هجماتهم عبر الحدود في الشمال. وقالت أيضاً يجب أن يعقد اللقاء الذي كان مخطط له من قبل الرئيسين, من أجل حل الخلافات بين الدولتين). الحديث الأخير مهضوم, ولكن الأول فيه انحياز كامل, وإذا كانت رؤيتنا المختلفة مع الإنقاذ حول شؤون الحكم تجعلنا في صف المعارضة, ولكن هذا لا يجعلنا أن نقف في الجانب الآخر المضاد للوطن, مهما كان موقفنا من الإنقاذ وممارساتها, والولايات المتحدة بهذه الصورة, لا تستطيع أن تكون وسيطاً يلعب دوراً مؤثراً في حل المشاكل بين الدولتين, وهي تريد أن تعيد ذات موقفها في الصراع العربي الإسرائيلي, في المشاكل الحادثة بين السودان ودولة جنوب السودان, وهناك العديد من النخب السودانية وقفت مع دعوة السيد سلفاكير للرئيس عمر البشير للحوار, وكتبنا مقالات تشجع على ذلك, وكنت قبل شهرين طالبت في مقال نشر بجريدة «الأحداث», الرئيس البشير أن يقوم بزيارة لجوبا, يحدث فيها اختراقاً لمعالجة القضايا العالقة, ثم التقيت بقيادات جنوبية, تحدثت معهم حول الحل السلمي عبر التفاوض والمساعدة في حل مشكلة ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وأيضاً نُشر بجريدة «الأحداث». ولكن لا أعتقد أن هناك سودانياً وطنياً واحدا, يقبل انحياز الولايات المتحدة لطرف عنده خلافات مع بلادنا ومهما كانت علاقة ذلك الطرف ببلدنا, بل نقبل الولايات المتحدة أن تنحاز كلياً إلى السلام, وكيفية تحقيقه, أما قضية التحول الديمقراطي والحريات, وكيفية التعامل مع نظام الإنقاذ, هذه قضية تهم الشعب السوداني وحده, وهو كفيل بها. والتصريحات الدبلوماسية المتوازنة, والتي تناقش القضية بأفق الحل, وليس التعقيد, كما جاء في تصريح المتحدثة لوزارة الخارجية الأمريكية, فيكتوريا نولاند, التي دعت فيه الطرفين إلى وقف أي نشاط عسكري على طول الحدود. فدعم السودان للمتمردين الجنوبيين غير مقبول, وأيضاً دعم دولة جنوب السودان للمتمردين السودانيين غير مقبول, ولا يساعد على الحل.
وذهبت الولايات المتحدة عبر مؤسستها التشريعية, إلى إجازة مجلس الشيوخ الأمريكي قراراً لتوصيل المساعدات الإنسانية للمواطنين في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. وقال السيناتور كوينز عضو مجلس الشيوخ ومقدم القرار إنني قصدت من القرار أن تسمح الخرطوم بوصول المساعدات الإنسانية للذين يحتاجون إليها, وتجدد الحرب على الحدود بين السودان ودولة جنوب السودان تضر بمصالح البلدين, وأيضاً فإن الحرب قد أوقفت اللقاء بين رئيسي الدولتين, الذي كان من المفترض يسهم في حل المشاكل بينهما.
إن الحرب التي اندلعت في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق, قد أدت إلى نزوح العديد من المواطنين الأبرياء, إلى مناطق بعيداً عن مناطقهم الأصلية, سواء أكانت داخل السودان أو في دولة جنوب السودان, وهؤلاء في أمس الحاجة إلى مساعدات إنسانية. وموقف الحكومة من السماح لدخول تلك المساعدات, هو موقف من منظمات أجنبية تعتقد الحكومة أنها غير مأمونة أمنيا, وتعتقد أن بعض تلك المنظمات يقدم خدمات وتسهيلات للمتمردين, وهي قضية تحتاج إلى حل وتفاهم مع المجتمع الدولي, ويجب أن لا تكون مانعة لمثل هذه المساعدات والناس في أمس الحاجة إليها.
إذن المجتمع الدولي ومن خلال تصريحات المسؤولين في عدد من الدول والأمم المتحدة, يدعمون قضية الحوار بين السودان ودولة جنوب السودان, ويعتقدون أن لقاء الرئيسين يعد ضرورة مهمة, من أجل وضع حد للقتال الدائر على الحدود بين البلدين, وأيضاً يؤكدون على ضرورة وقف الدولتين لدعم المتمردين وهي الإشكالية التي سوف تكون عائقا لأي حل, لأن كل دولة تريد أن يكون لديها كرت لكي تضغط به على الأخرى. هذه السياسية إذا لم تتخلص منها الدولتين فسوف لن تنعمان بحل. والغريب في سياسة بعض المعارضين السودانيين أنهم يعتقدون أن النظام في دولة جنوب السودان أفضل من الإنقاذ, رغم أن الحركة الشعبية الحاكمة في دولة جنوب السودان ليس لها أي علاقة بالديمقراطية, وأيضاً أن قيادتها تقف مع دولة الحزب القائد, وبالتالي فإن النظامين في الخرطوم وجوبا هما وجهان لعملة واحدة, ونسأل الله أن يوفق شعبيهما للديمقراطية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق