خبير اقتصادي يشخص حالة الأزمة الاقتصادية الراهنة «2-2»
الاثنين, 11 يونيو 2012 12:20 الاخبار - حوارات
حوار: عيسى جديد - تصوير: سفيان البشرى:
استمرار تفاقم الأوضاع الاقتصادية والارتباك في القرارات والسياسات والارتفاع في الأسعار وتدهور العملة المحلية مقابل الدولار وسياسة التعويم للجنيه السوداني وتشخيص الحالة الاقتصادية السودانية، أسئلة ملحة وضرورية حملتها آخر لحظة ووضعتها على طاولة الخبير الاقتصادي الأستاذ حسن ساتي والذي رسم صورة قاتمة لمستقبل الاقتصاد السوداني الذي وصف حالته بالاسوأ منذ الاستقلال، منذراً بحدوث مجاعة على المدى القريب إذا لم يتم تدارك الأمر بالإنتاج المحلي وتقليص الصرف على الجهاز الحكومي وترشيد الانفاق على الأمن، واصفاً الأزمة بالركود التضخمي.. فإلى مضابط الحوار:
في قراءة للأرقام، هل هناك مؤشرات للنمو؟
- كل المؤشرات الحالية تشير إلى أن سنة 2012م ستكون الاسوأ، وحجم التراجع سيبلغ على الأقل 13%،
إذن هناك مشكلة وأزمة قرارات وتشمل الجهازين التنفيذي والسيادي في اتخاذ الحلول الناجعة والالتزام بها وليس في التصريحات والمهدئات الوقتية لأزمة عميقة متجذرة وتحتاج إلى سياسات اقتصادية متزنة بواسطة خبراء ومتخصصين وليسوا سياسيين!!
جاء بمجلة «الايكونوميست» البريطانية في يناير هذا العام وهي مجلة اقتصادية متخصصة، تقرير عن الاقتصاد العالمي وصنفت الدول إلى دول ذات اقتصاد متنامٍ وجاءت على رأسها ليبيا وتوقعت أن معدل نمو اقتصادها سيكون 20%ومجموعة ذات اقتصاد متراجع وعلى رأسها السودان، وجاء ذلك بمعدل 10%لكني أقول وبحسب قراءتي إن اقتصادنا سيتراجع بأكثر من 10%وبحساب بسيط وبمعلومتين تفيدان بأن الاقتصاد سوف يتراجع، أولاً فاقد بترول الجنوب 50%منه تساوي 4.5% من الدخل القومي، وبالانفصال فقدنا هذه النسبة، ثانياً فشل الموسم الزراعي الصيفي هذا العام، فمساهمة الزراعة المطرية التقليدية والزراعة المطرية الآلية في الناتج المحلي الإجمالي أو الدخل القومي 12%هذا الموسم كل التقديرات تؤكد أنه فقد 75% من مساهمته، بمعنى أن الإنتاج كان حوالى 25%فقط من متوسط الإنتاج السنوي، إذن نحن بفشل الموسم الزراعي فقدنا 9%وفي البترول 4%وبجمعهما تصبح النسبة 13% وإذا افترضنا أن باقي القطاعات ممتازة، ومع ذلك الحكومة تنكر هذا الوضع السيء جداً والاقتصاد المتراجع وبلغة الأرقام التي ذكرناها، وترويجها بأن الاقتصاد ينمو أضر بها، فبدلاً من أن تعالج المشكلة، ساهمت في تفاقمها وتداخل القرار السياسي مع الاقتصادي، السودان كان يستورد غذاء بما يعادل 72 مليون دولار سنة 1990م والفاتورة ارتفعت في سنة 1999م إلى 270 مليون دولار، وفي 2010م ارتفعت إلى 2.300 مليار دولار وفى النصف الأول من 2011م بلغت 2 مليار دولار وحتى نهاية السنة 2012 ستبلغ أكثر من 3 مليارات دولار، وهذا دليل كافٍ على أن هناك خللاً وعدم إنتاج وزراعة منهارة، وهذه السنة سوف نستورد ذرة ودخناً ونحن من أكبر الدول المصدرة لزيوت الطعام.
ما هي تداعيات قرار رفع دعم المحروقات؟
- أكبر دليل على أن الحكومة غير واعية للحالة الاقتصادية التي شخصتها الآن واتخاذها من السياسات والقرارات التي تفاقم من الأزمة الاقتصادية، قرارها الأخير بالاتجاه إلى رفع الدعم عن المحروقات وزيادة الأسعار وهذه من السياسات الخاطئة والتي ستدمر الاقتصاد السوداني وقد تحرق حتى الحكومة...
مقاطعاً: كيف لهذه القرارات أن تحرق الحكومة؟
- أولاً لأنها ليست غير سليمة لمعالجة الأزمة ولكن الأهم أن الحديث عن أن المحروقات كانت مدعومة والآن سيتم رفع الدعم عنها غير صحيح وخطأ، لأن المحروقات غير مدعومة بدليل إذا رجعنا إلى الميزانية العامة وفي قطاع النفط، نجد أن أرباح النفط في الاإرادات 4.5 مليار، بمعنى أن النفط محقق هذه النسبة من الأرباح فكيف يحتاج إلى الدعم !!
الدعم يكون لقطاع لا يحقق أرباحاً، قطاع خسران وليس لقطاع رابح، فبيع البترول للمواطن السوداني بسعر أقل من تكلفته، هذا يعني أنه مدعوم ولكن أن تبيعه بسعر أعلى من تكلفته وفيه أرباح خيالية، إذن لا يمكن أن يكون مدعوماً خاصة في الميزانية العامة التي توضح أن أرباح البترول في الإيرادات محققة 4.5 مليار!!.. فكيف حقق هذه الأرباح وهو مدعوم؟.. سؤال كبير جداً جداً، إذن الحديث عن دعم المحروقات هو ضحك على عقول الناس، ثانياً وأكثر توضيحاً لغير الاقتصاديين وللمواطن البسيط وبحساب بسيط، من ناحية التكلفة إن برميل الجاز يخرج من المصفى بما قيمته 15 دولاراً وبضربها في 3 جنيهات الناتج 45 جنيهاً، زائداً 25 جنيهاً أرباحاً، الناتج 70 جنيهاً، وإذا بيع بهذا السعر الحكومة رابحة لكن اليوم البرميل يباع بـ320 جنيهاً، فكيف يكون مدعوماً؟.. وحتى إذا ضربنا الـ15 دولاراً في 6 بسعر السوق الأسود، الناتج 90 جنيهاً وبزيادة 25 جنيهاً، الناتج 120 أيضاً هم رابحون، وهذه لغة الأرقام وواضحة، إذن هي أسباب ستقود إلى حرائق وليس حريقاً!!
لماذا فشلت المعالجات الاقتصادية لمشاريع التنمية؟
- لذات الأسباب التي ذكرتها سابقاً، بالإضافة إلى عدم توظيف أموال البترول الذي تكمن أهميته في أنه مصدر للإنتاج والكهرباء، وكذلك للإنتاج في المشاريع الزراعية والتي تحتاج إلى الاثنين البترول والكهرباء، وأحد أسباب تراجع الإنتاج الزراعي في السودان هو أن الحكومة همها كله متمثل في الإيرادات و(عايزة فلوس) سريع جداً، ولهذا ظلت ترفع في المحروقات، وسنة 1989م البرميل كان بـ50 جنيهاً والبترول لم يستخرج بعد، وبعد استخراجه بدأ يزيد سعره، والنتيجة الحتمية لزيادة الأسعار هو التدمير لقطاع المشاريع الزراعية والاقتصادية وحتى قطاع النقل والمواصلات، وبزيادة المحروقات يكون القضاء أكثر على المشاريع الزراعية، لأن الاعتماد الأساسي فيها على المحروقات، أما الكهرباء فهي أغلى كهرباء بالمنطقة رغم سد مرو، والكهرباء من أهم احتياجات المشاريع زراعية أو صناعية!!
وإذا رجعنا إلى الميزانية العامة لسنة 1991-1992 لم يكن فيها بترول، الإيرادات الذاتية كانت 30 مليار دولار، والإنتاج الزراعي ممتاز ومشروع الجزيرة ممتاز وبدون بترول لأن السياسات جيدة ومنفذة بقوة، وهذا الاقتصاد الذي وفر 30 مليار دولار بدون إعسار، هو ذات الاقتصاد في 2012م وحتى عندما كان عندنا بترول وعلى حسب تقديرات المالية وفر 23 مليار دولار، والبترول مساهم فيه 4%وعندما نأخذ نسبة البترول سيكون 17 مليار دولار مقارنة بما سبق، والمشكلة أنه حتى هذه الميزانية توجد أزمة ومبلغ 23 ملياراً المقدرة لن يتحقق، وفي تقديري أن الإيرادات التي يمكن أن تتحقق في هذه الميزانية بدون ما يتم رفع الضرائب أو زيادة المحروقات حوالى 15 مليار دولار.
لماذا حدث هذا العجز في الميزانية رغم دخول البترول؟
- ميزانية الدولة في السنوات الأخيرة لم تدخل في الاقتصاد حتى القروض والاستثمارات لم تدخل بصورة مباشرة في الاقتصاد، وتؤثر عليه بقدر يسير، ودليلي على ذلك تقرير البنك الدولي والذي جاء فيه أن السودان دولة مصابة بلعنة البترول.
وماذا يعنى بذلك؟
- يعنى أن هناك موارد ضخمة توفرت للسودان في شكل بترول واستثمارات وقروض ولكنها لم تستثمر في الاقتصاد، وذهبت في الصرف على الأجهزة الأمنية والدفاع، وكذلك الترهل الإداري والصرف على الحكومة التنفيذية والسلطة التشريعية صرف من لا يخشى الفقر، وبعد أن تم إنتاج البترول لم تجد المشروعات القائمة الدعم اللازم وإعادة التأهيل، والمثال مشروع الجزيرة وكذلك المصانع المنتجة للمواد المختلفة، الآن 60% منها مغلقة و40% منها تعمل بنصف طاقتها، إذن هما قطاعان في السودان، الزراعي والصناعي وإنتاجهما أصبح ضعيفاً رغم أنهما كانا يساهمان بما يقدر بـ 70%من الناتج المحلي، ويوفران رزقاً لـ 80%من المواطنين، الآن هناك هجرة جماعية للمزارعين للمدن، لأن الريف أصبح طارداً ولا يوفر الرزق، بالإضافة إلى الحروب التي طالت بعض الولايات مما زاد من الصرف على الدفاع والأمن، وهذا أثر على الإنتاج، فالحل العسكري مكلف وأجله الزمني لا ينقضي بسرعة، بالتالي هو استنزاف للموارد، وهكذا امتدت الأزمة الاقتصادية لتشمل السياسة والاجتماع وأصبحت مثل كرة الثلج !!
واستطيع أن أقدر لك الأموال التي تدفقت على السودان في الفترة 1990م إلى 2012 م بحوالي 100 مليار دولار، بمعنى آخر حوالى 10 مليارات جنيه في السنة.
سد مروي مصمم لإنتاج كهرباء ويعزز مشروعاً زراعياً لحوالى 2 مليون فدان بالري الانسيابي بميزانية مقدرة الأراضي الزراعية بالولاية الشمالية تقدر بخمسة ملايين فدان وحتى الآن الري الانسيابي لم ينفذ والكهرباء نتاجها لم يبلغ حده والمقدر 1200 كيلو واط، الآن ينتج حوالى 800 كيلو واط والتكلفة 1.800مليار دولار، وفي آخر تقرير لوزير المالية للميزانية ذكر فيه أن سد مروي كلف 4 مليارات حتى الآن ونسبة التنفيذ فيه 4%السؤال أين ذهبت هذه الأموال؟.. ولنقارن تكلفة المقيواط لسد مروي والذي يساوي 5 ملايين دولار بينما الميقواط لكهرباء الإنتاج الحراري لا يكلف أكثر من مليون دولار، سد الألفية عندما يكتمل مقدر أن إنتاج الكهرباء للميقواط سيكون حوالى 900 ألف دولار، وهنا يكلف 4 ملايين دولار!!
الآن يمكن أن نقول إننا وصلنا إلى حالة انهيار والموارد المتاحة لا تغطي أكثر من 50%من إدارة الدولة من المرتبات والمصروفات، الحكومة الآن تدفع ثمن الإدارة السيئة للاقتصاد،
نسبة الفقر في السودان بلغت 95% ونسبة البطالة بلغت 60%وهذا الوضع الاسوأ في السودان، لهذا السودان صنف كأفشل دولة في الدوائر الاقتصادية الأجنبية، وكذلك أن الفساد يلعب دوراً كبيراً في ذلك، وجاء في مجلة ماليزية اقتصادية أن الاستثمارات السودانية بلغت 13 مليار دولار، السؤال لمن هذه الدولارات وهذا مصدر لا غبار عليه!!
إذن بعد رسم هذه الصورة القاتمة للاقتصاد السوداني، ما هي أنجع الحلول للخروج من الأزمة الراهنة؟
- لابد أولاً من إيجاد حل للتداعيات السياسية التي أثرت بشكل مباشر على الاقتصاد، واقصد حالات الحروب التي استنزفت الموارد المالية في الصرف عليها، كذلك مسألة الترهل الإداري للحكومة، فوزير المالية تحدث عن تخفيض مخصصات الدستوريين، بينما الواجب تخفضيهم هم أنفسهم، فلماذا هذا الجيش الجرار الذي يستنزف خزانة الدولة دون أن يكون له مردود إيجابي على كافة المستويات، فالحكومة الاتحادية يجب أن تكون رشيقة بحيث يكون عدد وزرائها لا يتجاوز 15 وزيراً فقط لإدارة البلاد وليس أكثر من 70 وزيراً ما بين وزير دولة ومستشارين ومساعدين، فنظام الترضيات السياسية أضر بالوضع السياسي وانعكس اقتصادياً على البلاد، وأيضاً نريد سياسة موجهة لتوظيف الموارد المالية نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتطبيق الخطة الخمسية التي توفرت لها الموارد ولكنها لم توظف رغم وجود أهدافها التي يعرفها الجميع، والتي لم تتحقق وتناقصت الأرقام عن ما كانت عليه، بعد الخطة، والآن الذهب عنصر جديد وحتى لا نفقد دخله وقيمته علينا توظيفه بطريقة صحيحة وعدم التعامل معه بذات الطرق السابقة، فيضيع كما ضاعت موارد البترول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق