خط الصفر الوطني..!!
التفاصيل
المجموعة: عثمان ميرغني
تاريخ النشر
الزيارات: 20
رغم ما جرى في مدينة "أم روابة".. ثم ما تبعه من تصفيات دموية ساخنة في مدينة "أبكرشولا".. التي وصلت حد الموت ذبحاً تحت ظلال أشجار المانجو.. إلا أن قادة الجبهة الثورية موعدون بجائزة كبيرة.. تتناسب مع حجم النصاب الذي يبلغوه من الدماء والدمار والتشريد.. فحالما تنتهي المفاوضات بين الحكومة وقطاع الشمال.. سيكتشف الشعب السوداني عدد المناصب التي فاز بها قادة الجبهة في القصر الجمهوري.. والتوابع الدستورية الأخرى..
وما أن يرى آخرون حجم الظفر والمغنم الذي وجده أصحاب البنادق المشرعة.. حتى يبدأ آخرون في تأسيس "حركة" جديدة.. المطالب كثيرة وسهلة.. والعواصم "المعادية" التي يمكن اللجوء إليها متوفرة.. وشبكة الانترنت تنشر البيانات الالكترونية في كل العالم.. فيبدأ تمرد جديد.. يقتات بما تيسر من دماء السودانيين (من الطرفين).. ثم مفاوضات فقصر جمهوري ومناصب دستورية.. فحركة مسلحة جديدة.. وغالب الظن أن الحركة التي وقَّعت قبلها ربما رجعت مرة أخرى للغابة بعد أن ضجرت وملت من "عطالة" الجلوس بلا عمل في ردهات القصر الجمهوري..
ويستمر الحال.. حركة توقع اتفاق سلام وحركات أخرى جديدة تعلن "البيان رقم واحد".. وبكل تأكيد القصر المجمهوري لا يسع كل الموقعين على السلام فيستمر الخروج بقدر عدد الداخلين..
الخاسر الوحيد في هذه المتوالية هو الشعب الذي يدفع مرتين.. مرة في صفوف الحركات المسلحة – فهم أيضاً سودانيون- وأخرى مقابلها في صفوف المدنيين الذين تعلم الحركات المسلحة أنه كلما زادت البراميل المهدرة من دمائهم.. كبرت فرص تحقيق أعلى المغانم في مفاوضات السلام.. فالجائزة على قدر الجريمة أو كما يقول المثل الشعبي (إن سرقت.. أسرق جمل..) وليس مجرد حمل وديع.. فلو قتلت.. أقتل مدينة وليس مجرد قرية صغيرة.
متى يعلن السودان بداية ترسيم (خط الصفر) الوطني.. الذي من بعده لا جائزة لمن يقتل أو يتمرد أو بمجرد حمل السلاح في وجه الوطن..
(خط الصفر) الوطني الذي من بعده من قذف الجيش السوداني بحجر فإن الدولة تدفع نصف ثروتها لجره إلى ساحة العدالة.. لا حصانة ولا عفو ولا نسيان.. حينما يصبح الخروج على الوطن خروجا منه و إلى الأبد.. وينتهي عهد الجوائز.. جائزة (من يكسب المليون ضحية).
العضل.. (شرعية القوة)..!!
(شرعية القوة).. هي المقابل العكسي لـ( قوة الشرعية).. عندما ترسخ في بلادنا (قوة الشرعية)، سيادة القانون الذي يجعل الناس سواسية في الحق والواجب.. وتستوي تحت سقفه قامة القوي والضعيف.. تصبح لـ(الشرعية) قوة طبيعية. القانون هو وحده الفيصل والمرجع الذي يحدد ما للناس وما للحكومة..
(قوة الشرعية) هي التي تمنح دول أوروبا وأمريكا القوة التي يحكمون بها شعوبهم والعالم أجمع.. ففي بلادهم القانون هو السيد الذي لا يميز بين كبير – مهما كبر- أو حقير – مهما احتقر-.
لكن في المقابل هنا، فإن (شرعية القوة) تسمح لصاحب البندقية أن يمد قامته على قدر ماسورة بندقيته.. قانون البقاء للأقوى، بل للأعتى وأظلم.
تمارس الحكومة في المركز – مثلاً- سطوتها وجبروتها على الشعب.. فيلد الظلمُ ظَلَمَةً يحملون السلاح في الغابة والصحراء.. الجميع سواسية في ظل منطق (شرعية القوة) .. والبقاء للأعتى.
كلما تعسفت الحكومة في التعامل مع شعبها، وجدت من هو أعسف في التعامل معها. فالحكمة تنص (كما تدين تدان).. ويترسخ مفهوم (شرعية القوة) كلما عولت الحكومة على (قوتها!).. على قوة أسنانها وأنيابها ومخالبها.. بدلاً من أسنان ومخالب وأنياب القانون، المرجعية القانونية والدستورية.. كلما عولت على ذلك، حصلت على رد الفعل من تمرد يجلب كل عوامل الـ(لا) استقرار الذي يهدر الموارد ويفوت فرص النماء.
أول خطوة نحو تثبيت أركان الاستقرار.. بترسيم (خط الصفر) الوطني.. تبدأ بسيادة القانون.. أن يصبح القانون هو السيد.. بدلاً من أن يكون السيد هو القانون.
في دراسة بحثية أجراها قانوني ضليع.. وجمع خلالها عشرات الآلاف من القضايا وصل إلى حقيقة أن أكبر خارق للقانون هو الحكومة نفسها.. في مختلف مستوياتها ومسمياتها.
في كثير من الإجراءات اليومية العادية لا تكترث الحكومة للأسس القانونية التي يجب أن تمتثل لها. فطالما أن المواطن ضعيف منكسر.. فكل شئ في حقه جائز. من دفع الجبايات غير القانونية إلى آخر مدى تنفرد فيه الحكومة بالمواطن و(ما اختلت الحكومة بالمواطن إلا كان الشيطان ثالثهما).
الحريات مصادرة، والعمل السياسي محظور، والتعبير مكتوم، وكل هذا رغم أنف القانون والدستور الذي يجزم أن ذلك من أساسيات حقوق الإنسان. هنا قانون (شرعية القوة) هو الذي يمنح الحكومة حق ما لا حق لها فيه. فتمنح وتمنع على قدر الرضاء والسخط.
بغير تصحيح الوضع لتكون (قوة الشرعية) هي الفيصل لن يهدأ للوطن خاطر.. سيظل "وطن الحركات".. حركة مسلحة تسالم، لتلد عشر حركات تقاتل.
ترسيم (خط الصفر)..!!
نحن بحاجة ماسة لتحديد ميقات إعلان( ترسيم خط الصفر الوطني).. الفكرة سهلة لو صدقت النوايا. معطيات الحال الراهن أننا نعاني من حرباً أهلية طاحنة في دارفور وجنوب كردفان (والآن شمال كردفان أيضاً) وفي ولاية النيل الأزرق. مساحة أكثر من نصف مساحة السودان. وقبل ذلك فقدنا ثلث مساحة الوطن وخمس شعبه بانفصال جنوب السودان.
هذه الصورة القانية بالدماء والقاتمة بالدمار، تبرهن أن الأولوية القصوى لإنهاء الحرب وإطفاء الحريق تماماً. ولا يتحقق ذلك بالمنهج السائد الآن. منهج (شرعية القوة) الذي تتبادل به الحكومة والحركات اللكمات.
لنضع حداً زمنياً قاطعاً هو الإطار الزمني المطلوب قبل إعلان سريان (خط الصفر). فليكن – مثلا- العام 2013 هذا هو آخر أنفاس الحريق. وليصبح اليوم الأول من العام القادم 2014.. هو بداية إطلاق صافرة الساعة الأولى من (خط الصفر) الوطني.
كيف نخترق واقعنا الراهن خلال هذه الفترة القصيرة.. في ما تبقى من شهور هذا العام 2013. الإجابة سهلة لو تطهرت النوايا و قويت الإرادة.
الخطوة الأولى: الإقرار بأن سياسة التفاوض (بالقطعة!)، مفاوضات مع كل فصيل أو حركة لن تحقق السلام. فالقضية عامة والمعادلة المطلوبة هي منظومة حلول شاملة لكل قضايا الوطن.
الخطوة الثانية: تحقيق السلام بمبدأ (الصفقة) لا يوفر ضمانة استقرار ما يتفق عليه الطرفان. فهي مجرد (صفقة!) بين الحكومة والحركات المسلحة تهب مناصب وكراسٍ في مختلف المستويات لا تلبث أن تكتشف الحركات أنها غير كافية لإرضاء جميع منسوبيها. فيتحولون تلقائياً لأي سجلات حركة أخرى ناشطة لم تضع السلاح أو يؤسسون حركة جديدة. والأمر سيان فتأسيس حركة مسلحة جديدة أمر لا يحتاج إلى تصاديق رسمية ولا أختام.
الخطوة الثالثة: تصميم معادلة قومية لحل شامل لجميع قضايا الوطن. والمثير للدهشة أن وفد الحكومة الذي يرأسه البروفسير إبراهيم غندور للتفاوض مع قطاع الشمال رفض مبدأ مناقشة أي قضايا خارج حزام (المنطقتين). بينما كان ياسر عرمان رئيس وفد قطاع الشمال يطالب بتداول واسع يتخطى المطالب المباشرة للمنطقتين.
معادلة الحل الشامل تخرج المفاوضات من حيز (الصفقة) إلى عملية إصلاح سياسي وإداري واقتصادي شامل يحقق الرضاء ليس لمن يحمل السلاح فحسب بل للذين لم يفكروا في التمرد أو مقايضة العنف بالمطالب.
لكن يبدو أن الحكومة غير(قادرة ولا راغبة) في تعديل مسارها القومي. خاصة في القضايا الوطنية التي تمس منهج تفكير الحزب الحاكم. منهج التفكير الذي يقوم على أعتى احتكار للرأي والقرار والمصير.
الحكومة تستطيب أن تظل الحروب في الأطراف وكذلك المطالب والشروط.. وتظل الخرطوم (مركز القرار القومي) في قبضة الحزب الحاكم بمنتهى الحصرية.
الخطوة الرابعة: تحديد (المشكلة) .. المشكلة الوطنية التي تستوجب تقديم الحلول الشاملة. وتوفير أفضل بيئة لإنفاذ الحلول العملية والعلمية الناجزة. حلول تتعاطى مع الواقع بصورة مباشرة ولا تلعب على الزمن لصالح طرف دون آخر.
و(المشكلة) في تقديري تتلخص في احتكار القرار والمصير الوطني لدى حزب.. وفي الحزب لدى جماعة.. وفي الجماعة لدى مجموعة.. وفي المجموعة لدى واحد أو اثنين أو ثلاثة على أفضل تقدير.
إذا تحقق اتفاق وطني على الحد الأدنى من الاختلاف الوطني المتفق عليه. فإن (خط الصفر) يصبح هو اللحظة التي يبدأ فيها تنفيذ الاتفاق.
عندها سيكون الخروج (على!) الوطن.. خروجا من الوطن.. و بلا عودة.
1 تعليق
التفاصيل
المجموعة: عثمان ميرغني
تاريخ النشر
الزيارات: 20
رغم ما جرى في مدينة "أم روابة".. ثم ما تبعه من تصفيات دموية ساخنة في مدينة "أبكرشولا".. التي وصلت حد الموت ذبحاً تحت ظلال أشجار المانجو.. إلا أن قادة الجبهة الثورية موعدون بجائزة كبيرة.. تتناسب مع حجم النصاب الذي يبلغوه من الدماء والدمار والتشريد.. فحالما تنتهي المفاوضات بين الحكومة وقطاع الشمال.. سيكتشف الشعب السوداني عدد المناصب التي فاز بها قادة الجبهة في القصر الجمهوري.. والتوابع الدستورية الأخرى..
وما أن يرى آخرون حجم الظفر والمغنم الذي وجده أصحاب البنادق المشرعة.. حتى يبدأ آخرون في تأسيس "حركة" جديدة.. المطالب كثيرة وسهلة.. والعواصم "المعادية" التي يمكن اللجوء إليها متوفرة.. وشبكة الانترنت تنشر البيانات الالكترونية في كل العالم.. فيبدأ تمرد جديد.. يقتات بما تيسر من دماء السودانيين (من الطرفين).. ثم مفاوضات فقصر جمهوري ومناصب دستورية.. فحركة مسلحة جديدة.. وغالب الظن أن الحركة التي وقَّعت قبلها ربما رجعت مرة أخرى للغابة بعد أن ضجرت وملت من "عطالة" الجلوس بلا عمل في ردهات القصر الجمهوري..
ويستمر الحال.. حركة توقع اتفاق سلام وحركات أخرى جديدة تعلن "البيان رقم واحد".. وبكل تأكيد القصر المجمهوري لا يسع كل الموقعين على السلام فيستمر الخروج بقدر عدد الداخلين..
الخاسر الوحيد في هذه المتوالية هو الشعب الذي يدفع مرتين.. مرة في صفوف الحركات المسلحة – فهم أيضاً سودانيون- وأخرى مقابلها في صفوف المدنيين الذين تعلم الحركات المسلحة أنه كلما زادت البراميل المهدرة من دمائهم.. كبرت فرص تحقيق أعلى المغانم في مفاوضات السلام.. فالجائزة على قدر الجريمة أو كما يقول المثل الشعبي (إن سرقت.. أسرق جمل..) وليس مجرد حمل وديع.. فلو قتلت.. أقتل مدينة وليس مجرد قرية صغيرة.
متى يعلن السودان بداية ترسيم (خط الصفر) الوطني.. الذي من بعده لا جائزة لمن يقتل أو يتمرد أو بمجرد حمل السلاح في وجه الوطن..
(خط الصفر) الوطني الذي من بعده من قذف الجيش السوداني بحجر فإن الدولة تدفع نصف ثروتها لجره إلى ساحة العدالة.. لا حصانة ولا عفو ولا نسيان.. حينما يصبح الخروج على الوطن خروجا منه و إلى الأبد.. وينتهي عهد الجوائز.. جائزة (من يكسب المليون ضحية).
العضل.. (شرعية القوة)..!!
(شرعية القوة).. هي المقابل العكسي لـ( قوة الشرعية).. عندما ترسخ في بلادنا (قوة الشرعية)، سيادة القانون الذي يجعل الناس سواسية في الحق والواجب.. وتستوي تحت سقفه قامة القوي والضعيف.. تصبح لـ(الشرعية) قوة طبيعية. القانون هو وحده الفيصل والمرجع الذي يحدد ما للناس وما للحكومة..
(قوة الشرعية) هي التي تمنح دول أوروبا وأمريكا القوة التي يحكمون بها شعوبهم والعالم أجمع.. ففي بلادهم القانون هو السيد الذي لا يميز بين كبير – مهما كبر- أو حقير – مهما احتقر-.
لكن في المقابل هنا، فإن (شرعية القوة) تسمح لصاحب البندقية أن يمد قامته على قدر ماسورة بندقيته.. قانون البقاء للأقوى، بل للأعتى وأظلم.
تمارس الحكومة في المركز – مثلاً- سطوتها وجبروتها على الشعب.. فيلد الظلمُ ظَلَمَةً يحملون السلاح في الغابة والصحراء.. الجميع سواسية في ظل منطق (شرعية القوة) .. والبقاء للأعتى.
كلما تعسفت الحكومة في التعامل مع شعبها، وجدت من هو أعسف في التعامل معها. فالحكمة تنص (كما تدين تدان).. ويترسخ مفهوم (شرعية القوة) كلما عولت الحكومة على (قوتها!).. على قوة أسنانها وأنيابها ومخالبها.. بدلاً من أسنان ومخالب وأنياب القانون، المرجعية القانونية والدستورية.. كلما عولت على ذلك، حصلت على رد الفعل من تمرد يجلب كل عوامل الـ(لا) استقرار الذي يهدر الموارد ويفوت فرص النماء.
أول خطوة نحو تثبيت أركان الاستقرار.. بترسيم (خط الصفر) الوطني.. تبدأ بسيادة القانون.. أن يصبح القانون هو السيد.. بدلاً من أن يكون السيد هو القانون.
في دراسة بحثية أجراها قانوني ضليع.. وجمع خلالها عشرات الآلاف من القضايا وصل إلى حقيقة أن أكبر خارق للقانون هو الحكومة نفسها.. في مختلف مستوياتها ومسمياتها.
في كثير من الإجراءات اليومية العادية لا تكترث الحكومة للأسس القانونية التي يجب أن تمتثل لها. فطالما أن المواطن ضعيف منكسر.. فكل شئ في حقه جائز. من دفع الجبايات غير القانونية إلى آخر مدى تنفرد فيه الحكومة بالمواطن و(ما اختلت الحكومة بالمواطن إلا كان الشيطان ثالثهما).
الحريات مصادرة، والعمل السياسي محظور، والتعبير مكتوم، وكل هذا رغم أنف القانون والدستور الذي يجزم أن ذلك من أساسيات حقوق الإنسان. هنا قانون (شرعية القوة) هو الذي يمنح الحكومة حق ما لا حق لها فيه. فتمنح وتمنع على قدر الرضاء والسخط.
بغير تصحيح الوضع لتكون (قوة الشرعية) هي الفيصل لن يهدأ للوطن خاطر.. سيظل "وطن الحركات".. حركة مسلحة تسالم، لتلد عشر حركات تقاتل.
ترسيم (خط الصفر)..!!
نحن بحاجة ماسة لتحديد ميقات إعلان( ترسيم خط الصفر الوطني).. الفكرة سهلة لو صدقت النوايا. معطيات الحال الراهن أننا نعاني من حرباً أهلية طاحنة في دارفور وجنوب كردفان (والآن شمال كردفان أيضاً) وفي ولاية النيل الأزرق. مساحة أكثر من نصف مساحة السودان. وقبل ذلك فقدنا ثلث مساحة الوطن وخمس شعبه بانفصال جنوب السودان.
هذه الصورة القانية بالدماء والقاتمة بالدمار، تبرهن أن الأولوية القصوى لإنهاء الحرب وإطفاء الحريق تماماً. ولا يتحقق ذلك بالمنهج السائد الآن. منهج (شرعية القوة) الذي تتبادل به الحكومة والحركات اللكمات.
لنضع حداً زمنياً قاطعاً هو الإطار الزمني المطلوب قبل إعلان سريان (خط الصفر). فليكن – مثلا- العام 2013 هذا هو آخر أنفاس الحريق. وليصبح اليوم الأول من العام القادم 2014.. هو بداية إطلاق صافرة الساعة الأولى من (خط الصفر) الوطني.
كيف نخترق واقعنا الراهن خلال هذه الفترة القصيرة.. في ما تبقى من شهور هذا العام 2013. الإجابة سهلة لو تطهرت النوايا و قويت الإرادة.
الخطوة الأولى: الإقرار بأن سياسة التفاوض (بالقطعة!)، مفاوضات مع كل فصيل أو حركة لن تحقق السلام. فالقضية عامة والمعادلة المطلوبة هي منظومة حلول شاملة لكل قضايا الوطن.
الخطوة الثانية: تحقيق السلام بمبدأ (الصفقة) لا يوفر ضمانة استقرار ما يتفق عليه الطرفان. فهي مجرد (صفقة!) بين الحكومة والحركات المسلحة تهب مناصب وكراسٍ في مختلف المستويات لا تلبث أن تكتشف الحركات أنها غير كافية لإرضاء جميع منسوبيها. فيتحولون تلقائياً لأي سجلات حركة أخرى ناشطة لم تضع السلاح أو يؤسسون حركة جديدة. والأمر سيان فتأسيس حركة مسلحة جديدة أمر لا يحتاج إلى تصاديق رسمية ولا أختام.
الخطوة الثالثة: تصميم معادلة قومية لحل شامل لجميع قضايا الوطن. والمثير للدهشة أن وفد الحكومة الذي يرأسه البروفسير إبراهيم غندور للتفاوض مع قطاع الشمال رفض مبدأ مناقشة أي قضايا خارج حزام (المنطقتين). بينما كان ياسر عرمان رئيس وفد قطاع الشمال يطالب بتداول واسع يتخطى المطالب المباشرة للمنطقتين.
معادلة الحل الشامل تخرج المفاوضات من حيز (الصفقة) إلى عملية إصلاح سياسي وإداري واقتصادي شامل يحقق الرضاء ليس لمن يحمل السلاح فحسب بل للذين لم يفكروا في التمرد أو مقايضة العنف بالمطالب.
لكن يبدو أن الحكومة غير(قادرة ولا راغبة) في تعديل مسارها القومي. خاصة في القضايا الوطنية التي تمس منهج تفكير الحزب الحاكم. منهج التفكير الذي يقوم على أعتى احتكار للرأي والقرار والمصير.
الحكومة تستطيب أن تظل الحروب في الأطراف وكذلك المطالب والشروط.. وتظل الخرطوم (مركز القرار القومي) في قبضة الحزب الحاكم بمنتهى الحصرية.
الخطوة الرابعة: تحديد (المشكلة) .. المشكلة الوطنية التي تستوجب تقديم الحلول الشاملة. وتوفير أفضل بيئة لإنفاذ الحلول العملية والعلمية الناجزة. حلول تتعاطى مع الواقع بصورة مباشرة ولا تلعب على الزمن لصالح طرف دون آخر.
و(المشكلة) في تقديري تتلخص في احتكار القرار والمصير الوطني لدى حزب.. وفي الحزب لدى جماعة.. وفي الجماعة لدى مجموعة.. وفي المجموعة لدى واحد أو اثنين أو ثلاثة على أفضل تقدير.
إذا تحقق اتفاق وطني على الحد الأدنى من الاختلاف الوطني المتفق عليه. فإن (خط الصفر) يصبح هو اللحظة التي يبدأ فيها تنفيذ الاتفاق.
عندها سيكون الخروج (على!) الوطن.. خروجا من الوطن.. و بلا عودة.
1 تعليق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق