الخميس، 2 مايو 2013

لسودان ومصر نهاية «مسمار جحا»

لسودان ومصر نهاية «مسمار جحا»
جاء في الانباء امس الاول «ان محكمة جنايات الجيزة قضت ببراءة مصطفى حمزة القيادي بالجماعة الاسلامية من تهم الانتماء لجماعة محظورة تهدف الى قلب نظام الحكم ومحاولة اغتيال شخصيات عامة وتخريب عدد من المنشآت واجهزة الدولة السيادية والسفر لعدة دول بالخارج لتنفيذ اعمال جهادية من بينها محاولة اغتيال الرئيس السابق محمد حسني مبارك من العاصمة الاثيوبية اديس ابابا عام 1995م، وذلك في القضية المعروفة «بالعائدين من السودان»، واكد الدفاع ان الاتهامات الموجهة لحمزة بالانتماء لجماعة محظورة التي تهدف الى تعطيل احكام الدستور والقانون باتت جميعها منتهية، وليس لها محل من القانون الحالي لأن الجماعة الاسلامية باتت شرعية الآن، بتحول الجماعة الى حزب البناء والتنمية..!
وقال الدفاع ان موكله لم يرتكب جريمة توجب عقابه واحتجازه من قبل رجال أمن الدولة سابقا خلال عهد مبارك بسبب فكره الاسلامي، وحينما سمحت له الدولة وآخرين بمغادرة البلاد سافر لعدة دول بالخارج للعمل والاستقرار»..
وهذا الحكم في حد ذاته ينهي جدلا كبيرا في تداعيات اغتيال حسني مبارك في عام 1995م، والتي تضرر منها السودان كثيرا باعتبار ان منفذي هذه العملية عبروا الى اثيوبيا من السودان، ومما زاد من كيل هذه الاتهامات للسودان هو الربط بين الجماعة الاسلامية المصرية المتهمة بتنفيذ هذه العملية والسودان باعتبار ان الاسلاميين في السودان من يحكمون البلاد وربما حدث شيء من التنسيق بين هذه الجماعة المحظورة في مصر والجماعة الحاكمة في السودان.
وهذا الربط رغم انه غير منطقي، إلا انه أُريد منه تكبيل السودان ومحاصرته داخل اطر معينة حتى لا يجد اهل الانقاذ من التوسع اقليميا ودوليا علي حساب دول تعتبر نفسها هي الاصل في قيادة القارة الافريقية، والدليل ان منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك هم منسوبو تنظيم القاعدة ولكن ينتمون الى دول عربية واسلامية منها السعودية والكويت واليمن ومصر وباكستان وافغانستان، ولكن تحديدا الدول العربية لم تتأثر علاقاتها بالولايات المتحدة الامريكية بل استمر التعاون بين هذه الدول التي ينتسب اليها منفذو هذه الهجمات وامريكا في مكافحة الارهاب، وحتى السودان تعاون مع المجتمع الدولي في هذا الامر.
ولكن السودان عانى كثيرا من تداعيات اغتيال حسني مبارك في اديس ابابا رغم ان المنفذين هم مصريون وليسوا من السودان، وحسب ما جاء في قائمة الاتهام الموجهة الى الجماعة الاسلامية المحظورة في مصر في ان بعضا من قياداتها هم الذين نفذوا هذه العملية وعلى رأسهم (مصطفى حمزة) الذي برأته محكمة مصرية امس الاول من الجيزة. واقتنعت المحكمة بكل الاسباب التي ابداها الدفاع وتمت تبرئته من هذه التهم والتي اشرنا اليها في بداية هذا الحديث..
ولكن مصر في عهد مبارك حاولت توظيف هذه الحادثة توظيفا سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا واقتصاديا وأمنيا.. ونبدأ بالاخيرة حيث كانت ترى مصر ان وصول الاسلاميين الى الحكم في السودان في عام 1989م، قد يمثل تهديدا مباشرا او غير مباشر على استقرار حكم مبارك وبالتالي لابد من محاصرة نظام الحكم في السودان حتى لا تجد الجماعات الاسلامية في مصر مساحة تحرك لتنفيذ برامجها خاصة جماعة الاخوان المسلمين والجماعة الاسلامية، فكانت واحدة من اهم هذه الخطوات هي احتلال منطقة حلايب وشلاتين في عام 1993م، وضمها للسيادة المصرية واقامة منشآت وربطها بطرق برية مع محافظة البحر الاحمر المصرية وبالتالي مع بقية اجزاء القطر، وبالتالي تكون مصر قد سدت اهم منفذ يمكن ان يكون مكانا مناسبا لانطلاقة الجماعات الاسلامية المصرية المناوئة لحكم مبارك وبعدها حاول نظام مبارك ان يتخذ من قضية «حلايب» وسيلة لمحاربة السودان وقطع جسور التواصل الاقتصادي والسياسي مع جيرانه من العرب والافارقة خاصة الدول ذات التأثير الاقتصادي مثل دول الخليج العربي ودول مثل جنوب افريقيا، والعمل على دعم حركات التمرد في جنوب السودان من خلال آخرين..
ووجدت مصر في محاولة اغتيال حسني مبارك في اديس ابابا عام 1995م، فرصة جديدة لتعزيز حصارها للسودان وحصار حكامه من الانطلاق علي المستوى المحلي او الاقليمي او الدولي وذلك بتضييق الخناق عليه وحاولت مصر توظيف هذه الحادثة في اكثر من اتجاه واستخدام السودان في تنفيذ مخططاتها مقابل السكوت عن اتهام السودان بدعمه لهذه المحاولة وعدم رفعها الى المنظمات الدولية..
وكانت اول تلك المحاولات التي سعت مصر اليها من خلال توظيف تلك الحادثة.. الاستفادة من السودان للانضمام لمنظمة (الكوميسا) وهي منظمة (السوق المشتركة لشرق وجنوب افريقيا).. وهي منظمة تجارة تفضيلية، والسودان واحد من مؤسسيها في 1981م، والتي تطورت واصبحت بشكلها الحالي في عام 1994م، وبحكم الموقع «السوق المشتركة لشرق وجنوب افريقيا» وبالتالي فان هذا المحدد الجغرافي لا يشمل جمهورية مصر العربية، لأن مصر تقع في شمال افريقيا، وحاولت مصر الانضمام لهذه المنظمة حتى تجد مميزاتها في الصادر والوارد لصالح مصر في هذه المنطقة..
ونجحت جهود مصر في الانضمام لهذه المنظمة في عام 1998م، مستفيدة من علاقة السودان ودوره الكبير في هذه المنظمة ودخلت لاول مرة بصفة (دول جوار) جوار للمنطقة الجغرافية لهذه المنظمة.. ثم بدأت في بسط نفوذها شيئا فشيئا حتى اصبحت تستضيف اجتماعات هذه المنظمة، فقد استضافت القاهرة قمة هذا التجمع في عام 2001م. كما استضافت مصر مقر الوكالة الاقليمية للاستثمار التابعة للكوميسا في مقر الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة..
واصبحت مصر تتحدث عن دورها في (الكوميسا) ولم تشر الى السودان من قريب او بعيد في دوره في دخول مصر لهذه المنظمة، حيث اصبحت مصر الآن تسيطر على هذه المنظمة من خلال هيكلها العام وهيكلها الوظيفي من خلال الكوادر المصرية.
ولم تتوقف مصر عند هذا من اجل وجودها في المنظمات والتكتلات الاقليمية، وحاولت من خلال الضغط على السودان ان تضع يدها على مثل هذه المنظمات من خلال محاولة الاستفادة من محاولة الاغتيال التي تعرض لها رئيسها في اديس ابابا .. ان كان بصورة مباشرة او غير مباشرة او من خلال تأثيرات اخرى، وبعد ان وضعت يدها في (الكوميسا) من خلال السودان، لم تكتفِ بهذا، واتجهت الى ايران حيث مقر اتحاد مجالس الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي والذي تأسس في طهران في عام 1999م، وكان السودان صاحب الفكرة في تأسيس هذا الاتحاد وكان اقوى المرشحين ليكون اول امين عام لهذا الاتحاد من السودان..
وكان مرشح السودان في ذلك الوقت د. جلال محمد أحمد، الأمين العام للمجلس الوطني والذي يشغل الآن منصب الامين العام لهيئة الانتخابات العامة، حسب ما يقتضيه الترشيح لهذا المنصب وكان د. جلال محمد أحمد اقوى المرشحين لملء هذا المنصب ولكن مصر ضغطت على السودان بصورة او بأخرى ليتنازل السودان عن منصب الامين العام ودعم مرشح مصر ابراهيم أحمد عوف وهو رجل كبير سن لكن مصر اصرت على ترشيحه لدورة واحدة، وكان هدف مصر هو ان تنال شرف اول امين عام لهذا الاتحاد رغم ان مقره في طهران، حيث انه لا توجد علاقات دبلوماسية بين مصر وايران على المستوى العادي منذ الثورة الايرانية والاسلامية في عام 1979م، وفعلا نجحت مصر في ان تنال شرف اول امين عام لاتحاد مجالس الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي، وضاعت فرصة كبيرة على السودان، ورغم كبر سن الامين العام المصري جُدد له لدورة تالية واستمر في المنصب لمدة ثماني سنوات ثم جاء بعده امين عام من دولة تركيا وهو محمود إيرول فلينج في عام 2008م، حتى 2012م، وجدد له لدورة ثانية لتنتهي في عام 2016م..
ويبدو واضحا ان مصر حاولت ان تستفيد من محاولة اغتيال حسني مبارك لتحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية واقتصادية وحصولها على عضوية ومناصب كبيرة في منظمات اقتصادية (كوميسا) ودبلوماسية وسياسية (اتحاد مجالس الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي) مستفيدة من وضعية السودان والاتكاء على كتفه للصعود الى قمة تلك المنظمات الاقليمية.
والسؤال الذي يطرح نفسه فبعد حكم البراءة الذي حصل عليه القيادي في الجماعة الاسلامية في مصر مصطفى حمزة من محكمة مصرية وفي (الجيزة) من تهمة محاولة اغتيال حسني مبارك وهو الذي كان يوصف في الماضي بأنه «مهندس» تلك العملية واقتناع المحكمة بأن التهم باتت منتهية وليس لها محل في القانون الحالي..!
فالسؤال متى ينعتق السودان من تداعيات هذه المحاولة والتي اضرت به كثيرا واستخدمتها مصر مثل «مسمار جحا» للضغط والتأثير على السودان...؟!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق