الخميس، 30 مايو 2013

ما يستفاد من درس أبو كرشولا



ما يستفاد من درس أبو كرشولا
ان الرسائل التي ارسلها رئيس الجمهورية عمر البشير في الاحتفال الذي نظم امام القيادة العامة للقوات المسلحة بمناسبة استرداد الجيش لمنطقة ابو كرشولا، والتي دخلتها قوات ما تسمى الجبهة الثورية في السابع والعشرين من ابريل الماضي، وحررتها القوات المسلحة في السابع والعشرين من مايو الجاري، اي قرابة الشهر حسب ما فاد به السيد جلال تاور رئيس لجنة الأمن والدفاع السابق بالمجلس الوطني، وهو من ابناء جنوب كردفان، هذه الرسائل تمثلت في انه لا تفاوض مع عميل أو خائن باع الوطن، والرسالة الثانية أن القوات المسلحة السودانية هي المسؤولة عن حراسة تراب الوطن وأمنه واستقراره، والرسالة الثالثة لا شيء اسمه قطاع الشمال أو تحرير السودان أو جبهة ثورية. والرسالة الرابعة لدولة جنوب السودان مفادها أن السودان ملتزم بالاتفاقيات الموقعة مع دولة الجنوب شريطة ان تلتزم بالكف عن دعم المتمردين في دارفور وجنوب كردفان، واذا لم يتوقف الدعم ستعتبر الاتفاقيات لاغية.
وهذه الرسائل بشكلها هذا قد وضعت إطاراً عسكرياً لمشكلة تطاول حركات التمرد على اهل السودان والنيل من حالة الامن والاستقرار التي سادت وقتاً طويلا لم يعكر صفوها غير هذا الهجوم الاخير على ام روابة وابو كرشولا، وهذه الرسائل في مجملها عسكرية، فعندما يقول رئيس الجمهورية إن القوات المسلحة هي المسؤولة عن حراسة تراب الوطن وأمنه واستقراره، فهذا يعني ان القوات المسلحة تحتاج لمزيد من الدعم والتأهيل والتطوير والاهتمام بمنظومة الفرد داخل المؤسسة العسكرية، وفي هذا اشارة الى حديث رئيس الجمهورية وهو يقول ان معظم الجيوش الافريقية انهارت امام حركات التمرد الا الجيش السوداني، فهذا يعني المزيد من الضغط على الجيش السوداني من قبل حركات التمرد ومن يقف وراءها من الداعمين ان كان من دول الجوار او من المجتمع الدولي في اشكاله المختلفة، باعتبار أن القوات المسلحة السودانية مازالت تقف حجر عثرة امام المخططات الدولية لتقسيم السودان، ومعظم الجيوش الافريقية في الكنغو ومورتانيا ومدغشقر وغيرها انهارت امام ضربات التمرد، وان الجيش السوداني الذي ظل يقاتل منذ 1955م وحتى تحرير ابو كرشولا امس الاول لم يأخذ الفرصة الكافية من اجل عمليات التطوير والتأهيل، فظل في حالة استنزاف مستمر، وكان يمكن ان يكون تصنيف القوات المسلحة في المرتبة الاولى افريقيا من حيث الخبرة التراكمية في مواجهة تمرد استمر لمدة نصف قرن «1955م ــ 2005م» تخللتها هدنة اتفاقية اديس ابابا «1972م» لكن التقارير الدولية التي تصدر عن معاهد ومراكز دراسات متخصصة لم تذكر تصنيف القوات المسلحة السودانية افريقياً، وقد أشار تقرير سابق صادر عن معهد البحث الاستراتيجي الدولي الذي يتخذ من العاصمة البلجيكية بروكسل مقرا له، إلى ان الجيش الجزائري يحتل المركز الثاني في افريقياً من حيث التسليح والتجهيز بعد الجيش المصري، ثم رتب التقرير الجيش المغربي والاثيوبي ثم النيجيري على التوالي بعد مصر والجزائر، رغم ان الجيش المصري لم يختبر منذ حرب اكتوبر 1973م، وظل في حالة ترقب يفرضها واقع اتفاقية كامب ديفيد، ولم يتحرك الجيش المصري الا في الاسبوع الماضي في سيناء لتحرير الجنود السبعة الذين تم اختطافهم، واما الجيش الجزائري ايضا لم يختبر منذ استقلال الجزائر وحتى الآن سوى تلك العملية التي نفذها ضد مجموعة من الجهاديين بقيادة بن مختار في جنوب الجزائر في مارس الماضي قادمين من مالي، وهي ايضا عملية لتحرير بعض العاملين في الحقول النفطية الذين احتجزتهم مجموعة بن مختار، وهي كالتي نفذها الجيش المصري لتحرير الجنود السبعة، ولم يظهر التصنيف الجيش الليبي رغم ان القدرة العسكرية للجيش الليبي كانت كبيرة جداً اذا كان المعيار قوة التسليح، وهذا ما أشار اليه البشير بأن ليبيا مخزن كبير للأسلحة التي ربما تشكل خطراً على القارة الافريقية بعد زوال حكم العقيد القذافي، ولكن تبقى الخبرة التراكمية للجيش السوداني في هذه المعارك الطويلة التي خاضها وهي السند الحقيقي الذي يعول عليه في رسالة البشير الاولى، وهي ان القوات المسلحة تبقى صاحبة الأمر الاول والأخير في حماية تراب الوطن.
اما الرسالة الثانية انه لا تفاوض مع عميل او خائن باع الوطن، وهذا قد يكون مبدأً أصيلاً، ولكن هذا التصنيف قد يحدث فيه لبس بالنسبة للقوى الخارجية، ولكن في الداخل فإن الامر قد لا يحتاج لرفع الضوء ليستبين الأمر، لأنه واضح في رابعة النهار، ولكن هذه المجموعات التي تقاتل الحكومة تقدم مصوغات للمجتمع الدولي بأهداف ربما تجد منه الضوء الاخضر في استمرار العمليات، وربما الدعم والتخطيط مثلما حدث أخيراً، وهذا الامر يتطلب جهداً سياسياً ودبلوماسياً قبل أن يكون عسكرياً، لأن هذه الحركات كما معلوم تحتمي وراء جهات معلومة بالتأكيد للحكومة، وبالتالي فإن الجهد السياسي والدبلوماسي يقلل من الجهد العسكري وان كان في حالات لا بد منه، والحوار الذي يفضي الى دخول قادة التمرد القصر الجمهوري يجب أن يعاد فيه النظر ايضاً ، فلا بد من رؤية واضحة في هذا الأمر تجنب البلاد سياسة الاستنزاف المستمر الذي يشل حركة التنمية والبناء.
أما الرسالة الثالثة وهي عدم الاعتراف بالمجموعات المتمردة «ما في شيء اسمه قطاع الشمال او الجبهة الثورية او تحرير السودان» فهذه تعني ان الحسم العسكري اصبح واقعاً، وان فرص الحوار ستضعف لحساب الميزان العسكري ، لأن الجبهة الثورية اقدمت على دخول ام روابة وابو كرشكولا بينما كانت اديس ابابا تشهد بداية المفاوضات والحوار من اجل حل سلمي، ولكن الجبهة الثورية ارادت ان تعزز موقفها التفاوضي بهذا الهجوم، وترسل رسالة الى الوسطاء لتقول انها اكبر على الارض ويجب أن يحسب لها هذا في حصة التفاوض، ولكن القوات المسلحة ردت على هذا الأمر بتحرير أبو كرشولا، ويبقى الوفد التفاوضي بقيادة البروفيسور غندور في حالة دراسة الاوضاع وتقييم المواقف والامساك بالادلة الجديدة التي خلفها المتمردون بأسماء مختلفة في ابو كرشولا، بالاضافة الى تعزيز هذا الجهد بعمل سياسي ودبلوماسي، خاصة أن البروفيسور غندور هو امين العلاقات الخارجية بالمؤتمر الوطني، وقبلها كان أميناً سياسياً، ولديه من الزاد السياسي والدبلوماسي ما يتحرك به لتحقيق الهدف الوطني المطاوب، وكل من يقف وراء هذه الحركات مثل بعض الدول وخاصة دولة الجنوب فإن رسالة البشير كانت واضحة بأن السودان ملتزم بكل الاتفاقيات الموقعة شريطة ان تتخلى حكومة الجنوب عن دعم الحركات المتمردة في دارفور وكردفان، واذا لم يتوقف الدعم فإن هذه الاتفاقيات تعتبر لاغية، وقد يكون هذا الحديث القوي من البشير فيه رسالة واضحة، ويمكن لحكومة الجنوب ان تنظر الى هذا الامر من عدة زوايا، لأن الأمر الاقتصادي في الجنوب اصبح في يد السودان بعد فشلت الحكومة الجنوب في ايجاد بدائل اخرى لتصدير نفطها، بدلاً من السودان. وبالتالي فإن استجابة الجنوب لحديث البشير ستكون بسرعة اكبر مما كان سابقاً حيث التماطل والتلكؤ في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وهذا ما رمت اليه الحكومة من قبل بتنفيذ الترتيبات الامنية أولاً خوفاً من هذا الدعم ان كان مباشراً او غير مباشر، وهذا ما حمله علي كرتي وزير الخارجية ومحمد عطا مدير جهاز الامن والمخابرات في زيارتهما الاخير ة الى عاصمة الجنوب جوبا.
ولكن تبقى رسائل البشير ناقصة ما لم يكن هنالك جهد كبير يصاحب هذه الرسائل، مستفيداً من حالة الاجماع الوطني والروح التعبوية التي انتظمت الشعب السوداني وساندت القوات المسلحة الى ان كللت بالنجاح بتحرير ابو كرشولا، وهي الاستمرار في حالة تعزيز الثقة في القوات المسلحة، وانها هي المسؤولة عن حراسة تراب الوطن وأمنه واستقراره، والالتفات الى بناء القدرات بدلاً من بناء العمارات، وان القوات المسلحة ظلت داخل هذه الثكنات العسكرية بحالتها القديمة طوال كل الحقب الوطنية تؤدي رسالتها على اكمل وجه دون ان تنظر للمباني وانما تنظر إلى المعاني الوطنية في رسالتها الاولى وهي حراسة تراب الوطن.
إن عملية تبصير المواطنين وتمليكهم المعلومات امر مهم بأن يعرف الشعب قدر هذا الاستهداف وحجمه وكيفية التعامل معه، وقد تكون هذه القناعة التي توصلت اليها السلطات عقب الهجوم على ابو كرشولا وبادرت فيها عبر وسائل الاعلام واللقاءات الجماهيرية المباشرة الى تمليك الشعب بعضاً من ابعاد هذا الاستهداف، وبالتالي كانت جموع الشعب بمختلف الوان طيفه السياسي سنداً لها، وبذات القدر كانت القوى السياسية، وحتى المؤتمر الشعبي الذي يعتبر ألد اعداء الحكومة لم يكن بعيداً عن حالة الإجماع الوطني، وهذا يتطلب من الحكومة المزيد من الجهد والمرونة لجمع الصف الوطني من أجل حماية الوطن من المتربصين به.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق