لوطن في وضع يحتاج فيه لكل أبنائه
ان الوطن مثخن بالجراح.. إنه فى خطر عظيم ووحدته مهددة. إنها أزمة هى الأصعب والأكثر تعقيد اً وإيلاماً. وعلى الحكومة والمعارضة النظر بعمق فى مآلات الأزمة التى ربما تعصف بالوطن وتحويله الى دويلات صغيرة تتجاذبها الحروب الأهلية الطاحنة حتى بين أبناء العشيرة الواحدة، كما يحدث اليوم في إقليمي دارفور وكردفان وبين بطون المسيرية بوصفه أنموذجاً.
إن أزمة الحكم تفاقمت وبلغت حد التفكيك الذى بدأ بالجنوب، وأرى السيناريو المرسوم يسير بخطى حثيثة نحو التفكيك الكلى للوطن ان لم ننتبه للمخطط الخبيث الماكر.
وظللت أتابع باهتمام بالغ ما يكتب عن السودان عبر الوسائط الاعلامية المتاحة لى، فشّد انتباهى مصطلح الفوضى الخلاقة، ومصطلح الشرق الأوسط الكبير. وكلها أفكار غربية شيطانية استخباراتية تنفذها الولايات المتحدة الأمريكية. ومثال لذلك قائمة الدول الراعية للارهاب الذي دمغ به السودان فصار ضمن محور الشر ويتوسط ايران وكوبا وسوريا. مع إن السودان تعاون مع الادارة الامريكية فى مكافحة الارهاب، ولم تشفع له اشادة وزير الخارجية الامريكية الأسبق كولن باول واصفاً التعاون بأنه منقطع النظير، وظلت المؤامرات تحاك فى نار هادئة ضد السودان او قل حكومة الانقاذ، فكانت المؤامرة الكبرى التى نجحوا فيها بفصل الجنوب وقيام دولة ذات سيادة بالرقم «193».
إن استراتيجية الغرب فى تفتيت العالم الاسلامى والافريقى تتم تحت نظرية فرق تسد. والغريب فى الأمر ان قادة هذه الدول ينفذون هذا المخطط ولكن لا أدرى ان كانوا لا يعلمون فتلك مصيبة، وان كانوا يعلمون فالمصيبة أكبر. ولكن المخطط يسير وفق الخطة.
وبدأ المخطط بالعراق والغزو الغاشم، والخطة بعد الخروج بتقسيم العراق الى ثلاث دول: كردية فى الشمال ودولة شيعية فى الجنوب ودولة سنية فى الوسط. وما يشهده العراق اليوم من حرب اهلية وتفجيرات ودماء واشلاء واعتصامات وطائفية سنة وشيعية واكراد، فإن المسألة مسألة وقت فقط ان ظل هذا التشرذم والموت.
أما السعودية فإن الدور عليها سنة وشيعة فى الشرق. والبحرين ستقسم إلى الى سنة وشيعة. واليمن إلى جنوبى وشمالى، وشمال شرق شيعة يقودها الحيثيون، أما السودان فسوف يقسم إلى شمال عربي نيلى وجنوب مسيحى نصرانى وغرب عرقى وشرق قبلى. والمخطط يسير بهدوء نحو أهدافه!!
وفى لقاء قديم بصحيفة «الشرق الاوسط» مع د. لا اكول قال: «إن انفصال الجنوب لن يكون فى صالح دولة شمال السودان بل سيكون وبالاً عليها وعلى كل دول الجوار مثل اوغندا وكينيا واثيوبيا، وان الاستقلال عن الشمال سيكون بمثابة كارثة بالنسبة للجنوب، وهى دعوة لصوملة جنوب السودان» انتهى.
إن البلد مثخنة بالجراح وفى خطر عظيم، فوحدته مهددة بالاندثار، فقد علت القبلية والجهوية مكان الوطنية. وهذه ام المصائب والفواجع.. بلد اذا أردت ان تفتح بلاغاً لدى الشرطة تُسأل عن القبيلة، واذا أردت ان توظف تسأل عن القبيلة، فقد عدنا الى الوراء وانحططنا عكس أسلافنا الذين كانوا يتغنون: «مالى ومال عصبية القبيلة تربى فينا ضغائن وبيلة تزيد مصائب الوطن العزيز».
إننا بالطبع لا نريد وطناً بدون دولة وبلا جيش قومى موحد بقيادة وطنية مؤهلة مدركة، نريد دولة بقضاء عادل ناجز مهاب بعيد عن السياسة مستقل، دولة بأجهزة امنية قادرة قوية بوحدتها وبرصيد معنوى وايمان راسخ بمعانى الوطنية بعيدة من الشبهات واتهامهات فى ولائها الوطنى. ان هذا الوطن الجميل نيله الخالد الجارى منذ بداية التاريخ وارضه البكر التى ما فتئت تعطى، ومازال بلد يستخرج الذهب من باطن الارض بالطرق البدائية التقليدية بالطورية والحفارة اليدوية، فيضحى الشخص بين عشية وضحاها من الأثرياء.. بلد معادنه كثيرة بباطنه كامنة، بلد الماشية فيه ترعى من العشب الطبيعى ومن ما تجود به الطبيعة، بلد أمطاره تنزل بغزارة بإذن الله فى ميقات ينتظره الناس كعودة الغائب فينمو ويزدهر الزرع والضرع.. بلد انسانه من أنبل وأكرم وأشجع الناس، وقد تعلم أبناؤه باكراً وعلموا غيرهم، فلماذا نسمح بأن تذبح الوحدة الوطنية؟! ولماذا نسمح بالحروب بين أهله وقبائله؟! من يشعل هذا الفتن المظلمة كقطع الليل؟ من وراءها فى دارفور؟! ليس تمرد على الدولة فحسب بل يتقاتل ابناء العمومية وبسلاح فتاك يماثل سلاح القوات المسلحة فمن سلح هؤلاء؟ من وفر هذه الذخيرة التى تحصد ارواح الابرياء كل يوم ؟! وهناك انفلات امنى فى كل ركن من اركان الاقليم؟! ان قومية القوات المسلحة تحتم على الشعب الوقوف معها ومساندتها ومؤازرتها.. انها اليوم فى حالة لا تحسد عليها. فهى تقاتل فى جنوب كردفان وجنوب النيل الازرق وفى اقليم دارفور والآن فى شمال كردفان. والشرق فيه ارهاصات، فهل يراد لها هذا الاستنزاف؟ أم هذا قدرها؟! ماذا فعل أهل السياسة؟ الم يكن فى الامكان سلك طرق أخرى توقف الحرب عبر المفاوضات الجادة؟!
بلد كل شيء فيه يدل على الانهيار، بلد بلغ فيه عدد الاحزاب المسجلة رسمياً لدى مسجل الأحزاب «173» حزباً بقاعدة وقيادة ودور وحسابات الانشقاقات طالت الاحزاب الكبيرة.. فقد تناسلت كالاميبيا.. حزب الامة سبعة أحزاب.. الجبهة الاسلامية انقسمت الى سبعة احزاب.. الاتحادى الديمقراطى انقسم الى سبعة أحزاب.. الحزب الشيوعى صار ثلاثة أحزاب.. الحزب الناصرى على قلة عضويته انقسم الى حزبين.. حزب البعث العربى الاشتراكى انقسم الى ثلاثة أحزاب. انصار السنة المحمدية صاروا ثلاث مجموعات. وعن جامعاتنا حدث ولا حرج.. ملتوف وسيخ وعنف غير مبرر بلغ حد الموت.. طالب يقتل طالباً. وفوق هذا كله انهيار اقتصادى يقاس بالعملة الصعبة التى تستجلب بها كل مدخلات الانتاج الصناعى والزراعى، بل حتى السلع الهامشية واحتياجات القوات المسلحة كلها بالدولار الذى صارع الجنيه فأرداه قتيلاً.. بلد مظاهر الطبقية بادية عليه.. العمارات الشاهقة كالنبت الشيطانى فى كل أحياء الخرطوم الراقية.. والاسواق الطبقية لها روادها، وفى كل شارع رئيسى سيوبر مارك فيه كل انتاج الدنيا من الفاكهة.. تفاح امريكى وجنوب افريقى، وبرتقال هندى ونبق فارسى.. مفارقات.. بلد كانت فيه الطبقة الوسطى طبقة الموظفين وهم قادة المجتمع ولكنها تلاشت تماماً.
بلد ساءت فيه الاخلاق فبدت الظواهر السالبة.. اغتصاب الاطفال .. مرض الايدز وتدنى الخدمات الصحية التى صارت خدمة خمس نجوم لمن يريد.. بلد الغلاء الطاحن فيه طال اللحم واللبن والخضار والخبز والسكر والزيوت.. والزراعة انهارت وكسدت فصار السمسم والفول والبذرة زيوت أهل السودان.. معاصر حديثة وتقليدية وصار المستورد أرخص من المحلى لندرته وقلة انتاجه.
كل هذا يتطلب تحركاً سريعاً قبل فوات الأوان. ونريد دولة وطن وليس دولة حزب أو احزاب حكومة قومية لا تستثنى أحداً، ويتحمل الجميع مسؤولية الوطن وايقاف الحرب فوراً.
ماذا يعنى انهيار مشروعات الجزيرة والسوكى والرهد وحلفا والمرفق الحيوى السكة حديد رغم محاولات النهوض بها، والمؤتمر الذى كان شعاره لا بديل للسكة حديد الاَّ السكة حديد والنقل النهرى صار فى خبر كان.
أما آن لهذه القوات الباسلة ان تستريح قليلاً طالما هنالك طرق أخرى يمكن ان يسلكها السياسيون كما فعلوا مع الحركة الشعبية بنيفاشا رغم خوازيقها؟ إن قرار الحرب اسهل من شرب الماء، ولكن قرار إيقافها هو الاصعب، ولكنه طريق السلام والأمن المستدام. إن اعلان الحكومة واستعدادها للعودة للمفاوضات قرار موفق يسنده العقل والمنطق السليم، ولا يعنى ذلك مطلقاً الخزلان والاستسلام، ولكن في مسارين متساووين حتى تضع الحرب اوزارها، ثم لا يترك الأمر لدعاة الحرب فقط وناس «المديدة حرقتنى» الذين يصولون ويجولون، ولنا رصيد وتجارب من حرب الجنوب. فقد كان الوفد فى قمة المفاوضات ونسمع باحتلال مدينة كذا، ولكن يرد الجيش الصاع صاعين وتسترد المدينة، ولكن الحكومة لا توقف التفاوض، فليمض دكتور غندور مع دعواتنا له بالنجاح، وان القوات المسلحة قادرة على ان تعيد الأمر الى ما كان عليه، وابو كرشولا كانت مسألة وقت لا غير كما حدث.
ونطالب بحل قومى لكل قضايا الوطن، فإن أهل السودان قادرون على ذلك، ويكفينا تدويل قضايا الوطن الذي جلب لنا الذّل والهوان، والكل يدخل انفه فى الشأن السودانى.. دول لها بعثات دبلوماسية لا تكتفى بذلك بل ترسل مبعوثاً خاصاً ماذا يفعل؟ الله اعلم كيف تسمح الحكومة بذلك لا أدرى ؟! أما منظمات حقوق الانسان فلها وجود دائم فى السودان.
إن شمولية النظر لقضايا الوطن تحتم على الحكومة اعادة النظر فى منهج الحكم واشراك القوى الحية حزبية ومنظمات مجتمع مدنى فى الحلول. ولم يعد الحال يحتمل الانفرادية فى اتخاذ القرارات المصيرية كالتى أدت الى فصل الجنوب وإشعال لهيب دارفور، وتدخل المحكمة الدولية فى الشأن السودانى الذى بلغ حد المطالبة بمثول رئيس الجمهورية أمامها. وعلى المعارضة السودانية النظر بعين ثاقبة لما آل اليه الوطن والتنازل من أجل ما بقي من وطن مثخن بالجراح.
ان الوطن مثخن بالجراح.. إنه فى خطر عظيم ووحدته مهددة. إنها أزمة هى الأصعب والأكثر تعقيد اً وإيلاماً. وعلى الحكومة والمعارضة النظر بعمق فى مآلات الأزمة التى ربما تعصف بالوطن وتحويله الى دويلات صغيرة تتجاذبها الحروب الأهلية الطاحنة حتى بين أبناء العشيرة الواحدة، كما يحدث اليوم في إقليمي دارفور وكردفان وبين بطون المسيرية بوصفه أنموذجاً.
إن أزمة الحكم تفاقمت وبلغت حد التفكيك الذى بدأ بالجنوب، وأرى السيناريو المرسوم يسير بخطى حثيثة نحو التفكيك الكلى للوطن ان لم ننتبه للمخطط الخبيث الماكر.
وظللت أتابع باهتمام بالغ ما يكتب عن السودان عبر الوسائط الاعلامية المتاحة لى، فشّد انتباهى مصطلح الفوضى الخلاقة، ومصطلح الشرق الأوسط الكبير. وكلها أفكار غربية شيطانية استخباراتية تنفذها الولايات المتحدة الأمريكية. ومثال لذلك قائمة الدول الراعية للارهاب الذي دمغ به السودان فصار ضمن محور الشر ويتوسط ايران وكوبا وسوريا. مع إن السودان تعاون مع الادارة الامريكية فى مكافحة الارهاب، ولم تشفع له اشادة وزير الخارجية الامريكية الأسبق كولن باول واصفاً التعاون بأنه منقطع النظير، وظلت المؤامرات تحاك فى نار هادئة ضد السودان او قل حكومة الانقاذ، فكانت المؤامرة الكبرى التى نجحوا فيها بفصل الجنوب وقيام دولة ذات سيادة بالرقم «193».
إن استراتيجية الغرب فى تفتيت العالم الاسلامى والافريقى تتم تحت نظرية فرق تسد. والغريب فى الأمر ان قادة هذه الدول ينفذون هذا المخطط ولكن لا أدرى ان كانوا لا يعلمون فتلك مصيبة، وان كانوا يعلمون فالمصيبة أكبر. ولكن المخطط يسير وفق الخطة.
وبدأ المخطط بالعراق والغزو الغاشم، والخطة بعد الخروج بتقسيم العراق الى ثلاث دول: كردية فى الشمال ودولة شيعية فى الجنوب ودولة سنية فى الوسط. وما يشهده العراق اليوم من حرب اهلية وتفجيرات ودماء واشلاء واعتصامات وطائفية سنة وشيعية واكراد، فإن المسألة مسألة وقت فقط ان ظل هذا التشرذم والموت.
أما السعودية فإن الدور عليها سنة وشيعة فى الشرق. والبحرين ستقسم إلى الى سنة وشيعة. واليمن إلى جنوبى وشمالى، وشمال شرق شيعة يقودها الحيثيون، أما السودان فسوف يقسم إلى شمال عربي نيلى وجنوب مسيحى نصرانى وغرب عرقى وشرق قبلى. والمخطط يسير بهدوء نحو أهدافه!!
وفى لقاء قديم بصحيفة «الشرق الاوسط» مع د. لا اكول قال: «إن انفصال الجنوب لن يكون فى صالح دولة شمال السودان بل سيكون وبالاً عليها وعلى كل دول الجوار مثل اوغندا وكينيا واثيوبيا، وان الاستقلال عن الشمال سيكون بمثابة كارثة بالنسبة للجنوب، وهى دعوة لصوملة جنوب السودان» انتهى.
إن البلد مثخنة بالجراح وفى خطر عظيم، فوحدته مهددة بالاندثار، فقد علت القبلية والجهوية مكان الوطنية. وهذه ام المصائب والفواجع.. بلد اذا أردت ان تفتح بلاغاً لدى الشرطة تُسأل عن القبيلة، واذا أردت ان توظف تسأل عن القبيلة، فقد عدنا الى الوراء وانحططنا عكس أسلافنا الذين كانوا يتغنون: «مالى ومال عصبية القبيلة تربى فينا ضغائن وبيلة تزيد مصائب الوطن العزيز».
إننا بالطبع لا نريد وطناً بدون دولة وبلا جيش قومى موحد بقيادة وطنية مؤهلة مدركة، نريد دولة بقضاء عادل ناجز مهاب بعيد عن السياسة مستقل، دولة بأجهزة امنية قادرة قوية بوحدتها وبرصيد معنوى وايمان راسخ بمعانى الوطنية بعيدة من الشبهات واتهامهات فى ولائها الوطنى. ان هذا الوطن الجميل نيله الخالد الجارى منذ بداية التاريخ وارضه البكر التى ما فتئت تعطى، ومازال بلد يستخرج الذهب من باطن الارض بالطرق البدائية التقليدية بالطورية والحفارة اليدوية، فيضحى الشخص بين عشية وضحاها من الأثرياء.. بلد معادنه كثيرة بباطنه كامنة، بلد الماشية فيه ترعى من العشب الطبيعى ومن ما تجود به الطبيعة، بلد أمطاره تنزل بغزارة بإذن الله فى ميقات ينتظره الناس كعودة الغائب فينمو ويزدهر الزرع والضرع.. بلد انسانه من أنبل وأكرم وأشجع الناس، وقد تعلم أبناؤه باكراً وعلموا غيرهم، فلماذا نسمح بأن تذبح الوحدة الوطنية؟! ولماذا نسمح بالحروب بين أهله وقبائله؟! من يشعل هذا الفتن المظلمة كقطع الليل؟ من وراءها فى دارفور؟! ليس تمرد على الدولة فحسب بل يتقاتل ابناء العمومية وبسلاح فتاك يماثل سلاح القوات المسلحة فمن سلح هؤلاء؟ من وفر هذه الذخيرة التى تحصد ارواح الابرياء كل يوم ؟! وهناك انفلات امنى فى كل ركن من اركان الاقليم؟! ان قومية القوات المسلحة تحتم على الشعب الوقوف معها ومساندتها ومؤازرتها.. انها اليوم فى حالة لا تحسد عليها. فهى تقاتل فى جنوب كردفان وجنوب النيل الازرق وفى اقليم دارفور والآن فى شمال كردفان. والشرق فيه ارهاصات، فهل يراد لها هذا الاستنزاف؟ أم هذا قدرها؟! ماذا فعل أهل السياسة؟ الم يكن فى الامكان سلك طرق أخرى توقف الحرب عبر المفاوضات الجادة؟!
بلد كل شيء فيه يدل على الانهيار، بلد بلغ فيه عدد الاحزاب المسجلة رسمياً لدى مسجل الأحزاب «173» حزباً بقاعدة وقيادة ودور وحسابات الانشقاقات طالت الاحزاب الكبيرة.. فقد تناسلت كالاميبيا.. حزب الامة سبعة أحزاب.. الجبهة الاسلامية انقسمت الى سبعة احزاب.. الاتحادى الديمقراطى انقسم الى سبعة أحزاب.. الحزب الشيوعى صار ثلاثة أحزاب.. الحزب الناصرى على قلة عضويته انقسم الى حزبين.. حزب البعث العربى الاشتراكى انقسم الى ثلاثة أحزاب. انصار السنة المحمدية صاروا ثلاث مجموعات. وعن جامعاتنا حدث ولا حرج.. ملتوف وسيخ وعنف غير مبرر بلغ حد الموت.. طالب يقتل طالباً. وفوق هذا كله انهيار اقتصادى يقاس بالعملة الصعبة التى تستجلب بها كل مدخلات الانتاج الصناعى والزراعى، بل حتى السلع الهامشية واحتياجات القوات المسلحة كلها بالدولار الذى صارع الجنيه فأرداه قتيلاً.. بلد مظاهر الطبقية بادية عليه.. العمارات الشاهقة كالنبت الشيطانى فى كل أحياء الخرطوم الراقية.. والاسواق الطبقية لها روادها، وفى كل شارع رئيسى سيوبر مارك فيه كل انتاج الدنيا من الفاكهة.. تفاح امريكى وجنوب افريقى، وبرتقال هندى ونبق فارسى.. مفارقات.. بلد كانت فيه الطبقة الوسطى طبقة الموظفين وهم قادة المجتمع ولكنها تلاشت تماماً.
بلد ساءت فيه الاخلاق فبدت الظواهر السالبة.. اغتصاب الاطفال .. مرض الايدز وتدنى الخدمات الصحية التى صارت خدمة خمس نجوم لمن يريد.. بلد الغلاء الطاحن فيه طال اللحم واللبن والخضار والخبز والسكر والزيوت.. والزراعة انهارت وكسدت فصار السمسم والفول والبذرة زيوت أهل السودان.. معاصر حديثة وتقليدية وصار المستورد أرخص من المحلى لندرته وقلة انتاجه.
كل هذا يتطلب تحركاً سريعاً قبل فوات الأوان. ونريد دولة وطن وليس دولة حزب أو احزاب حكومة قومية لا تستثنى أحداً، ويتحمل الجميع مسؤولية الوطن وايقاف الحرب فوراً.
ماذا يعنى انهيار مشروعات الجزيرة والسوكى والرهد وحلفا والمرفق الحيوى السكة حديد رغم محاولات النهوض بها، والمؤتمر الذى كان شعاره لا بديل للسكة حديد الاَّ السكة حديد والنقل النهرى صار فى خبر كان.
أما آن لهذه القوات الباسلة ان تستريح قليلاً طالما هنالك طرق أخرى يمكن ان يسلكها السياسيون كما فعلوا مع الحركة الشعبية بنيفاشا رغم خوازيقها؟ إن قرار الحرب اسهل من شرب الماء، ولكن قرار إيقافها هو الاصعب، ولكنه طريق السلام والأمن المستدام. إن اعلان الحكومة واستعدادها للعودة للمفاوضات قرار موفق يسنده العقل والمنطق السليم، ولا يعنى ذلك مطلقاً الخزلان والاستسلام، ولكن في مسارين متساووين حتى تضع الحرب اوزارها، ثم لا يترك الأمر لدعاة الحرب فقط وناس «المديدة حرقتنى» الذين يصولون ويجولون، ولنا رصيد وتجارب من حرب الجنوب. فقد كان الوفد فى قمة المفاوضات ونسمع باحتلال مدينة كذا، ولكن يرد الجيش الصاع صاعين وتسترد المدينة، ولكن الحكومة لا توقف التفاوض، فليمض دكتور غندور مع دعواتنا له بالنجاح، وان القوات المسلحة قادرة على ان تعيد الأمر الى ما كان عليه، وابو كرشولا كانت مسألة وقت لا غير كما حدث.
ونطالب بحل قومى لكل قضايا الوطن، فإن أهل السودان قادرون على ذلك، ويكفينا تدويل قضايا الوطن الذي جلب لنا الذّل والهوان، والكل يدخل انفه فى الشأن السودانى.. دول لها بعثات دبلوماسية لا تكتفى بذلك بل ترسل مبعوثاً خاصاً ماذا يفعل؟ الله اعلم كيف تسمح الحكومة بذلك لا أدرى ؟! أما منظمات حقوق الانسان فلها وجود دائم فى السودان.
إن شمولية النظر لقضايا الوطن تحتم على الحكومة اعادة النظر فى منهج الحكم واشراك القوى الحية حزبية ومنظمات مجتمع مدنى فى الحلول. ولم يعد الحال يحتمل الانفرادية فى اتخاذ القرارات المصيرية كالتى أدت الى فصل الجنوب وإشعال لهيب دارفور، وتدخل المحكمة الدولية فى الشأن السودانى الذى بلغ حد المطالبة بمثول رئيس الجمهورية أمامها. وعلى المعارضة السودانية النظر بعين ثاقبة لما آل اليه الوطن والتنازل من أجل ما بقي من وطن مثخن بالجراح.