الأحد، 13 يناير 2013

السودان بين مطرقة المعارضة وسندان (الإنقاذ)

السودان بين مطرقة المعارضة وسندان (الإنقاذ)
رأيت فيما يرى النائم أن السيد رئيس الجمهورية عمر البشير دعا عددا كبيرا من أهل الرأى من مؤيدين ومخالفين ومستقلين وطلب منهم فى عملية حوار مفتوح على الهواء أن يوجهوا له أى أسئلة أو تعليق أو رأى بكل الحرية والمسئولية الوطنية حول مايجرى فى البلاد ومآلاتها من أجل مصلحة الوطن العليا وللاستفادة من ذلك الحوار للمستقبل ووضعية سياسية واقتصادية أفضل للجميع وللاتفاق على قواسم مشتركة لكل أهل السودان دون فرز أو اقصاء لأحد أو جهة.
تحدث كثيرون وأدلوا بآرائهم المفيدة ويهمنى هنا أن أسطر قناعاتى الشخصية الراسخة وأتمنى أن يحدث هذا الحوار المفيد واقعا لا رؤية منامية فالشاهد أن بلادنا العزيزة بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال وحوالى ربع قرن لأطول نظام حكم شهده السودان لم نحقق ما نتمناه او ما فعلته دول وشعوب كثيرة فى مثل هذا الزمن من استقرار وتوحد وازدهار ونظام حكم ديمقراطى مناسب، بل مازلنا نتحارب ونتصارع فبرزت القبليات والجهويات والانتماءات الحزبية والمكاسب الشخصية على حساب الوطن والانتماء الصادق له وفقدنا جزءا» عزيزا من وطننا بعد أن فقدنا فيه الكثير من أنفس وموارد ذهبت هباءا» منثورا وربما نفقد أجزاء» أخرى اذا استمر هذا الحال مما سيفقدنا المزيد ويضعف التنمية الشاملة المستدامة وسنظل سلة مبادرات العالم بدلا من سلة غذاء العالم.
غريب أمر السياسة السودانية هذه ليست فى فترة الانقاذ وحسب بل منذ الاستقلال بعد تجار ب أنظمة سياسية تقلبت بالصراعات الحزبية والانقلابات العسكرية والثورات المدنية، بين الديمقراطية الحزبية الحرة وبين السلطوية القابضة لم نحقق فيها جميعا ما نصبو اليه. تقلبنا فى المواقف والأنظمة السياسية المتضاربة و الأفكار والأنظمة و السياسات الاقتصادية بين ليبرالى واشتراكى واسلامى ومازلنا لم نحدد المنهج والنظام الاقتصادى الصحيح والمناسب حتى داخل النظام الواحد.
دعونى أستعرض بعض التناقضات وأبدأ بالسياسية ففى اليوم الختامى لتأبين الراحل المقيم محمد ابراهيم نقد استمعت الى ممثلى الأحزاب الثلاثة الذين جرى على أيديهم حل الحزب الشيوعى منتصف ستينيات القرن الماضى، استمعت الى الامام الصادق المهدى والدكتور حسن الترابى والشيخ حسن أبوسبيب حيث اشاد كل منهم بالراحل والغريم السابق وتحدثوا عن مقاربات سياسية حالية مع الحزب الشيوعى السودانى فقلت لجارى فى الاحتفال لو كانت تلك الأحاديث بهذا النضج السياسى قبيل حل الحزب الشيوعى لما حدث ما حدث وربما لم يفكر الشيوعيون فى الانتقام من الأحزاب والنظام الديمقراطى بمساندة انقلاب مايو الذى ضرب التطور السياسى فى مشروع دستور 1968 والذى كاد أن يكون دستورا دائما للسودان يمكن ان تحقق به الأحزاب جميعا بما فيها الجنوبية حلولا و استقرارا من خلال نظام سياسي مقبول للجميع خاصة فى قضية الجنوب بنظام الحكم الاقليمى واحداث مقاربات فكرية حول قضية الاسلام ونظام الحكم اللامركزى والخيار بين النظامين الرئاسي والبرلمانى والتى كانت جميعها محور الخلاف بين الأحزاب الشمالية والجنوبية فنتجنب ما حدث بعد ذلك، ولما قال قائد انقلاب مايو (النميرى) قولته الرعناء تلك: لقد مزقنا تلك الوثيقة الصفراء التى تسمى مشروع دستور 1968 فعطل بذلك الانقلاب الأخرق التطور السياسى والدستورى فى البلاد ورجعنا للوراء سنين عددا وكرسنا المزيد من الصراعات وازهاق الأنفس وتبديد الثروات والموارد كان يمكن أن تجعل من السودان بلدا غنيا معطاءا» لا متسولا للمعونات ولا واقعا فى مصيدة الديون العالمية التى قاربت اجمالى الدخل المحلى والتى وضعتنا تحت ضغوط دولية هائلة ناهيك عن الديون الداخلية التى أحدثت الركود بل الكساد التضخمى.
أما الأنظمة السلطوية الثلاثة خاصة نظامى نوفمبر ومايو اللذان كرسا الاحتقان السياسى أدى لثورتين عندما لم يستمعا لأصوات العقلاء فيطورا أنظمتها سياسيا ودستوريا ويحققا الاجماع والتوافق الوطنى يكرسان به قواسم مشتركة لكل القوى السياسية يحقق نظام حكم يحدد كيف يحكم السودان وليس من يحكم السودان ويمارس فيه الجميع السياسة بحرية ومسئولية وطنية والتداول السلمى للسلطة مثلما تفعل الدول والشعوب المتحضرة وليس كما تفعل الشعوب المتخلفة؟ رأينا ونرى الآن كيف تصر الأنظمة السلطوية في الكنكشة على كراسى الحكم فيحدث الاحتقان فالصراع السياسى والعسكرى ويتضرر المواطن ويحدث الاحباط والفقر والبطالة والاغتراب وهجرة العقول لأن الأنظمة السلطوية تسد الأفق والفرص الا على منسوبيها فتقوم الثورات وتستمر الدورة السياسية الخبيثة.
أما الاقتصاد فحدث ولا حرج، تقلبنا بين أنظمة وسياسات متباينة.. بين حرية اقتصادية وأخرى سلطوية قابضة حتى داخل الأنظمة الديمقراطية الحزبية لم نكرس منهجا ونظاما اقتصاديا واضحا وواقعيا ينسجم مع امكانياتنا وقدراتنا ومواردنا وثرواتنا الهائلة، ما أن نطبق نظاما ليبراليا أو اشتراكيا حتى ننقلب عليه فى عملية تخبط وعشوائية ضاربة الأطناب فتحدث هذه الفوضى وتهرب رؤوس الأموال للخارج وتتردد أموال الخارج من العملات الحرة من الدخول لتضخ فى شرايين الاقتصاد السودانى وبنوكه فتستفيد منها دول ومصارف اقليمية وعالمية تبلغ عشرات المليارات من الدولارات!!
انى أعجب لبلد كالسودان غنى بموارده وثرواته وموقعه الجيواستراتيجى فى هذه المنطقة من العالم له ميزة تنافسية واضحة يمارس النشاط الاقتصادى الضعيف ويضع السياسات النقدية والمالية كأنه بلد فقير.. ان نظرة واحدة للتطور الهائل فى المبانى وامتلاك السيارات التى وصلت لأعداد هائلة داخل الوطن تؤكد أن السودانيين أغنياء وحتى أولئك الذين نعتقد أنهم فقراء فى الأقاليم يمتلكون ثروات هائلة تتمثل فى الثروة الحيوانية والأراضى الزراعية والسكنية ولكنها تمثل لهم ثروة اجتماعية لا توجه اقتصاديا، صحيح أنهم متأثرون بالسياسات المالية والنقدية والائتمانية والتمويلية والتجارية والصناعية البائسة و سياسات الاستثمار القاصرة التى سجنت نفسها فى قضية قانون الاستثمار لا تحسين بيئة ومناخ الاستثمار ولا تحسين وتطوير ادارته وادائه كما فعلت دول مثل اثيوبيا جذبت اليها الاستثمارات الخليجية والعالمية حتى السودانيين الذين صدقوا فى البداية أحاديث المسئولين المعسولة والتى أدمنت المؤتمرات والاجتماعات والرحلات المكوكية دون فائدة واضحة للاقتصاد السودانى بل فوائد خاصة من عائد التسفار وامتيازاته.. كل ذلك كان كالدولاب الكابح ففشلنا فى جعل السودان واحة اقتصادية مثلما فشلنا جميعا فى جعله واحة سياسية وواحة ديمقراطية مستقرة ومستدامة وراشدة.
غلاة المعارضين والحاكمين يعرقلون
أما أكثر مايثير استغرابى بل استهجانى ما أراه من تصرف غلاة المعارضين خارج السودان الذين جعلوا السلاح والتمرد والاستعانة بالأجنبى ديدنا لهم لا يفرقون بين معارضة الحكومة ومعارضة الوطن ومصالحه العليا وبنفس القدر أستغرب لغلاة الحاكمين الذين لا يريدون ازالة الاحتقان وتكريس مناخ ملائم للتطور السياسى والدستورى كبديل وحيد للفتن والثورات السياسية والعسكرية. اذا استعرضنا مثلا القوى التى اجتمعت فى كمبالا مؤخرا وأصدرت ما أطلقت عليه برنامج الفجر الجديد وسألناها أليس من بينكم من كان وزيرا ومسئولا فى الإنقاذ بل متطرفا معها كمجاهدين ضد حركة التمرد؟ وآخرين شاركوا فى سلطتها بأعلى مستوى فى رئاسة الدولة والوزارة والادارة واختلفوا مع احزابهم وقياداتها بسبب ذلك مثل مبارك الفاضل ثم الحركة الشعبية فى اتفاق نيفاشا وقبلهم حزب المؤتمر الشعبى عراب الانقاذ نفسها وحركة العدل والمساواة كانوا جزءا» من النظام.. وآخرون زعماء أحزاب يتأرجحون بين المشاركة فى أعلى مستوى للنظام بواسطة أبنائهم من ناحية ومن ناحية أخرى يتغاضون عن مشاركة منتسبيهم فى اجتماع كمبالا.
ثم يا غلاة الانقاذ لماذا لا تتعظون من الماضى السودانى والربيع العربى الآن؟ وهل هناك أمراء حرب أو أثرياء حرب من مصلحتهم الخاصة الاستمرار فى الوضعية الحالية؟ الى متى نضيع سمعة السودان التى تمرغت فى الأرض بسبب سلوكنا جميعا؟ لا نساعد أنفسنا ونطلب من العالم أن يساعدنا؟ انه لأمر عجاب.. حسبنا الله ونعم الوكيل..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق