السبت، 7 يناير 2012

الفساد.. وآلية محاربته!!

د. هاشم حسين بابكر

الفساد.. وآلية محاربته!!

أرسل إلى صديقطباعةPDF

٭ لا حديث هذه الأيام إلا عن مكافحة الفساد، بدأت الصحف بالكشف عن الفساد، وعزز ذلك المراجع العام في تقاريره السنوية، ثم صدرت تصريحات من أعلى مستويات الدولة تنفي وجود فساد متحدية كل من يتحدثعن الفساد أن يأتي بالبيِّنة! وإذا اعتبرنا أن ما تنشره الصحف مجرد «كلام جرايد» فماذا عن تقارير المراجع العام التي بالطبع ليست كلام جرايد بل هي تقارير موثقة ودامغة وبيِّنة وهو ما طالبت به تلك المستوياتالعليا في الحكم؟!!..
لماذا نغضُّ الطرف عن تقارير المراجع العام ونبحث عن مجهول أسود في ظلام دامس، وإذا كانت تقارير المراجع العام لا تكفي للإدانة فماذا ستفعل آلية مكافحة الفساد؟ هل سيكون مصيرها ومسارها خيراً من مصير لجنة الحسبة، أو ديوان المظالم، أو نيابة الثراء الحرام؟. نقرأ ونشاهد على شاشات التلفزيون تحقيقات عن الفساد مع قيادات وأثرياء ووزراء وحتى رؤساء جمهورية، يقفون أمام لجان التحقيق في الكونجرس، ومن تثبت إدانته يحاكم بغضِّ النظر عن منصبه، يحدث هذا في البلاد التي لا تعرف الإسلام ولا تعترف به، فكيف بنا في بلاد تؤمن بالله الواحد الأحد وتعلنها صراحة: «هي لله»! الرئيس الأمريكي نيكسون فقد منصبه بسبب الفساد، وكان فساده سياسياً تلخّص في التنصُّت على الحزب المنافس له، وقد كشف الأمر صحفيان في الواشنطن بوست، وكانت الواقعة سبباً أساسياً في استقالة الرئيس، الصحفيان ظلا يعملان في الصحيفة ولم تستدعهما نيابة الصحافة والمطبوعات الأمريكية.
أحد المواطنين في دولة الإسلام التي كان أميرها عمر بن الخطاب عليه رضوان الله، خاطب ذلك المواطن أمير المؤمنين قائلاً: «لا نسمع لك ولا نطيع، فثوبك أطول من ثيابنا»، متهماً أمير المؤمنين بالتلاعب بالمال العام واستغلاله لمصلحته، وهنا انبرى أمير المؤمنين لتبرئة نفسه ونادى على عبد الله بن عمر الذي قال: «لقد أعطيت أبي ثوبي لأن أبي طويل القامة والثوب الذي أعطاه إياه بيت المال لا يكفيه»، وهنا هتف المواطن: الآن نسمع ونطيع.. فهل يا تُرى ستجعلنا آلية الفساد هذه نسمع ونطيع ونصدق؟
صحيفة التيار طوال أسبوع كامل تقريباً كتبت عن الفساد في دريم لاند، وأبرزت حقائق موثقة عن ذلك الفساد، هل تم فتح تحقيق في هذا الأمر؟ ويجوز لي كمواطن أن أطالب بفتح ذلك التحقيق ومحاكمة الفاسدين، وإن كان غير ذلك وثبت أن ما دار ويدور حول دريم لاند طاهر ونقي وأن الذين قاموا على المشروع أطهار طُهر الصحابة، يجب أن تقدّم الصحيفة وبما تحمل من وثائق للمحاكمة.
كل ما يمكن أن يقال في هذا المجال أن ليس هناك مجرد نية لمحاربة الفساد ناهيك عن إرادة..
أي فساد أكبر من دمار مشروع الجزيرة.. وتوقف السكة الحديد التي كانت رابطاً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً منذ أكثر من مائة وخمسة عشر عاماً؟ والحديث عن الفساد يطول ولكن بلا طائل!! في تصريح لأحدهم قال يجب علينا ألا نتوقع انفراجاً اقتصادياً قبل ثلاث سنوات، يعني بعد أن يكمل النظام عقده الفضي أي بعد خمسة وعشرين عاماً من توليه السلطة! في أواخر عشرينيات القرن الماضي ضرب زلزال عنيف اليابان ودمّر كل شيء، في ثوانٍ معدودة كانت كل ثروات اليابان تعادل صفراً، قامت الدولة ببيع مصانعها المهدمة للأفراد بسعر دولار واحد للمصنع بشرط أن يتولى الشاري مرتبات العاملين بالمصنع حتى يبدأ الإنتاج من جديد. وفي فترة وجيزة كان العاملون قد أعادوا المصنع سيرته الأولى، وعادت اليابان للصناعة من جديد وأصبحت دولة قوية وقوة عسكرية مهيبة، حتى إنها اعتدت على أمريكا ودمرت أسطولها القابع في بيرل هاربر...!
دمرت الحرب اليابان مرة أخرى وعادت اليابان في حال أسوأ من ذلك الذي أحدثه الزلزال وضربت حتى بالقنابل الذرية، ورغم ذلك وضع اليابانيون خطة في ربع قرن لتصبح اليابان دولة صناعية تعتمد على نفسها بعد دمار الحرب، وقد كان إلى أن هلت ستينيات القرن الماضي حتى وأصبحت اليابان دولة يشار إليها بالبنان، ربع قرن من الزمان يكفي لبناء أمة ذات وزن ولون وطعم ورائحة..!
خمسة وعشرون عاماً بعد هجرة أفضل خلق الله عليه الصلاة والسلام، بلغ فيها الإسلام أرض الروم وفارس، بعد خمسة عشر عاماً من الهجرة كان الفتح المبين «فتح مكة» ثم توالت الفتوحات وعمّ الإسلام العالم المعروف آنذاك. هكذا يمرُّ الوقت على الدول تستغله في البناء والتعمير ونشر الفضيلة وإرساء القيم، فكيف بنا بعد ربع قرن من الزمان نبشر بانفراج وهمي لا تبدو أي تباشير له، هل هذه نهاية الإستراتيجية ربع القرنية، التي انتهت والإنتاج الزراعي والحيواني والنفطي قد تلاشى؟ من أين يأتي الانفراج وبعد ربع قرن من الزمان يصبح حصادنا صفرًا...!!!
ما دامت هناك فرصة لانفراج اقتصادي فلماذا لا نستغلها، أقصد بهذا الذهب الذي يستخرج بطريقة بدائية، لماذا لا تقوم وزارة المالية بشراء هذا الذهب حتى ولو بالدولار، علماً بأن الذهب الآن أصبح المعدن الذي يحمل قيمة اقتصادية حقيقية، ولست في حاجة للتذكير بما قاله ساركوزي وكتبته الصحف البريطانية حين ذكروا أن ذهب السودان كان السبب الرئيسي في دعم الاقتصاد الفرنسي، وكانت فرنسا بسبب هذا الدولة الوحيدة التي لم تتأثر كثيرًا بالأزمة الاقتصادية العالمية..!! حكى لي أحدهم أن بعض المنقِّبين البدائيين وجدوا معدناً آخر أثناء تنقيبهم مع الذهب ولم يعرفوا هذا المعدن وبعد التحليلات اتضح أن المعدن هو البلاتينيوم الذي هو أغلى من الذهب بكثير..!
خيرات الله في السودان وافرة، لكن لم تفكر الأنظمة التي حكمت السودان في استغلالها وهذا ما أطمع الآخرين فيها فرسموا الطريق لتفتيت السودان لينعموا بها ما دام أهل البلد في غنى عنها...!!!
وكلمة أخيرة أختم بها وهي أن احتكار السياسة والاقتصاد هي أسباب الفساد، والأزمات التي تمرُّ بها البلاد سياسية كانت أم اقتصادية..!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق