تقول الواقعة: نتيجة لقرارات التأميم والمصادرة التي أصدرتها سلطة مايو في عهدها الأول والتي طالت كبريات شركات ومشاريع القطاع الخاص في حينها، عُهد بإدارة هذه المؤسسات إلى إداريين وموظفين من الخدمة العامة وسرعان ما بدأت تنبعث روائح كريهة من بعض تلك المؤسسات، وتدور شبهات فساد وتربُح حول بعض من يديرونها،، فما كان من الرئيس نميري (رحمه الله) إلا أن وجه بسن قانون لردع الاعتداء على المال العام، فتم إصدار قانون يصفه الحقوقيون بأنه من أقسى القوانين التي صدرت في تلك الفترة، فالحد الأدنى للعقوبات المنصوصة لمخالفته هي السجن سبع سنوات.
وتمر سنوات ولم يزلْ قانون الاعتداء على المال العام ساري المفعول،، ويمثل أمام المحكمة مساعد طبي بمستشفى الخرطوم لم تقتصر خدمته على واجبه الرسمي بالمستشفى، بل يمتد واجبه الاجتماعي إلى جيرانه وأهله، فباب بيته مفتوح لكل من يشكو مرضاً أو ألماً، وسودانيته تدفعه لقيادة دراجته الهوائية بعد منتصف الليل حين الطلب لفحص حالة طارئة أقعدت صاحبها من الوصول إليه، وربما في كثير من الأحيان لا يتقاضى أجراً على صنيعه هذا اللهم إلا من (عصره مخفية مع الحليفة)، وفي أغلب الحالات التي لا تتطلب نقلاً للمستشفى يقوم هذا التمرجي بتقديم بعض الأدوية الشائعة البسيطة والمسكنات لمرضاه، ومن الطبيعي أنه يتحصل علي هذه الأدوية من موقع عمله بالمستشفى وقل (بحسن نيه)... إلا أن حظه العاسر أوقعه هذه المرة في يد من رأى في (سرج العجلة) كرتونه بها بنسلين ومواد شافية أخرى ليلقي عليه القبض ويقتاده للقسم - ولا قانون آخر يندرج تحت طائلته هذا الفعل - غير قانون الاعتداء على المال العام الذي سُن ( للعتاولة والتماسيح )، وهذه من الحالات التي ينطبق عليها القول الشائع بأن القانون (......... .. ورغم أن القضاة كانوا من ذوي الكفاءة والنظر وقد عصفت هذه القضية بأفكارهم ومشاعرهم أن يوقعوا بالرجل الحد الأدني من العقوبة (سبع سنين سجن) إلا أن (القدر نافذ) - ليودع الرجل بالسجن - وبعد مرور قدر من الزمن تُتوّج المجهودات التي بذلها القضاة أنفسهم باستصدار عفو رئاسي من الرئيس نميري بإلغاء ما تبقى من عقوبة.
القرار الذي أصدره السيد رئيس الجمهورية بتشكيل آلية لمكافحة الفساد بأجهزة الدولة اعتقد أنه يصب في خانة (مزيد من الشفافية) لعدة أسباب أراها منها:
أولاً: النسبية في أمر الفساد (قضية التمرجي)، فكل الحالات التي تمت الإشارة إليها كحالات فساد هي متعلقة بممارسة أشخاص تتحكم فيها علل نفوسهم - ومعلوم أن النفوس في حالة تصاعد وهبوط حتى مع مسألة الإيمان نفسه -.
ثانياً: وجود القوانين والتشريعات الكافية لإلجام النفوس الخاطئة بالفساد - والنظريات تقول إن القانون وسيلة من وسائل الضبط الاجتماعي.
ثالثاً: تفتخر بلادنا بعراقة أجهزة المراجعة والتقصي المنشئة بها والتي تتابع وتراقب صرف وتصديقات المال حتى قبل صدورها بمطابقتها للوائح الحاكمة.
رابعاً: الترويج لفساد أجهزة دولة أو مؤسسات منشئة بنص الدستور والقانون ينم إما عن جهل مدقع، أو غرض مسموم.
خامساً: آلية مكافحة الفساد ستكون اللاقط والمطارد والمتابع لكل ما ينشر أو يبث في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، وهذه الأجهزة بالطبع لها دور رقابي وكاشف لهذه القضايا (بعد التثبت) وكثيراً ما يعلو صوتها (ما عملوا حاجة ).
أعجبني جداً الكاريكاتير الذي يُظهر يداً تمسك بـ(قناية) وأمامها رجل يهرول كأنما هو الفساد،، وإن كان اسم أبو قناية هو اسم عائلة الرجل الخلوق د. الطيب مصطفى أبو قناية - رئيس الآلية الجديدة لمكافحة الفساد فإن زملاء ودفعة السيد/ وزير الدفاع الفريق أول عبدالرحيم محمد حسين أطلقوا عليه قديماً لقب (أبو عصاية)،، ولتبقى (القناية) و (العصاية) أيقونات جديدة في بلادنا لضرب الفساد ورد العدوان،،، وإلى الملتقى.
الخميس، 5 يناير 2012
محاربة الفساد وورطة التمرجي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق